كي لا تكون هيئة التنسيق النقابية ضحية ثقافة نقابية زائغة العينين


تساهل العمال إلى حد التواطؤ عن بعثرة تاريخهم النضالي الطويل والذي يمتد إلى أكثر من مئة عام، وهم إستسلموا أمام ضغط وممارسات أصحاب العمل ورأس المال والسلطة السياسية المعادية أساساً للديمقراطية والحريات العامة، واستكانوا أمام التدخلات السياسية والطائفية والفئوية الواسعة في عمل منظماتهم النقابية ومصادرة إتحادهم العمالي وضرب وحدتهم النقابية، وإجهاض كل تحرك مطلبي لهم.

إن واقع الحركة النقابية اليوم لا يبشر بالخير، فمنظماتهم النقابية غير حرة ومستقلة وغير ديمقراطية، وهي أصبحت عاجزة عن تحقيق مطالب وحماية أعضائها ورفع مستواهم المهني والإقتصادي والإجتماعي، وأمسى الإتحاد العمالي العام الذي يمثلها رسمياً راقداً في سبات عميق هو أقرب إلى الموت السريري، ولا ينتظر سوى نعيه.

إن تقاعس وإهمال النقابات للشؤون اليومية والحيوية لأعضائها وغياب الرعاية والتدريب النقابي لرفع نسبة الوعي بين العمال، أدت إلى تدني الحس النقابي والثقافة النقابية لديهم، وإلى إنعدام ثقتهم بهذه النقابات، فتدنت نسبة الإنتساب والمشاركة، وأصبح العامل يلجأ إلى مرجعيته السياسية أو الطائفية لحل مشكلاته بدل أن ينتظر تلقي مساعدة وتضامن العامل الذي يقف إلى جانبه. وأصبحت التحركات المطلبية ليست إلا رد فعل مستمر للهزات العنيفة التي يواجهها العامل في القطاعين العام والخاص. وقبل أن يتفق العمال والأجراء والموظفين على برنامج مطلبي موحد لهم وتنظيم تحركاتهم من أجل تنفيذه، كان أصحاب النفوذ المالي والسياسي والطائفي قد أجهزوا على آخر أمل للطبقة العاملة في تحقيق تنمية حقيقية شاملة تعيد الإعتبار للقطاعات الإنتاجية الزراعية والصناعية، وتعيد بناء الإقتصاد الحقيقي بدل الإقتصاد الريعي والمالي والخدماتي الذي فرض قسراً على لبنان.

ما العمل؟

إن الحركة النقابية مدعوة اليوم أمام الضغط المعيشي الهائل والإهتراء في بنيتها التنظيمية، إلى إعادة بناء وتقوية هيكليتها التنظيمية وممارسة أرقى المعايير الديمقراطية في علاقاتها التنظيمية الداخلية والخارجية، والعمل على رفع نسبة الإنتساب والمشاركة في صفوفها، والتشبيك الواسع مع كافة هيئات المجتمع المدني والمنظمات والإتحادات النقابية الإقليمية والدولية. وإذا كان هذا المطلب الإصلاحي يتطلب مزيداً من الوقت والتحضير فما على الإتحاد العمالي العام وهيئة التنسيق النقابية والمنظمات والإتحادات النقابية الديمقراطية سوى الإسراع في المبادرة إلى إجراءات عاجلة تعيد بناء الثقة مع عمالها بأن تدعو إلى:

المشاركة الواسعة والإنخراط في التحركات النقابية المطلبية التي تقوم بها هيئة التنسيق النقابية والنقبات والإتحادات النقابية الديمقراطية المستقلة، ورمي كافة الخلافات التنظيمية والإدارية والسياسية خلف ظهر المطالب المحقة والقانونية للعمال والموظفين.

دعوة الحكومة اللبنانية إلى الإقلاع عن نهج المكابرة وتأجيل المعالجات واستبدال الحلول بمشاريع حلول بديلة لا تزيد الأوضاع المعيشية إلا تدهوراً، ولا تزيد التعقيدات الوطنية إلا تعقيدات إضافية تحولها من مشكلات يمكن حلها بالحوار إلى معضلات عصية على الحل.

المسارعة فوراً إلى عقد مؤتمر نقابي وطني عام لجميع القوى النقابية الديمقراطية لدعم التحركات النقابية المطلبية ووضع ميثاق مشترك للتعاون من أجل بناء تحالف نقابي وإجتماعي جديد يدعو إلى حماية السلام الأهلي، وإلى تحقيق مطالب العمال ووضع سياسة إقتصادية وإجتماعية تصون لبنان من الخضات المتتالية.

دعوة هيئة التنسيق النقابية إلى القيام بجملة خطوات إضافية وبالتنسيق مع كافة القوى العمالية وجمعيات المجتمع المدني لحماية التحركات المطلبية، ولكي لا تجد نفسها وحيدة لا تسندها قوى أهلية وعمالية منظمة، ولكي تكون قادرة على مواجهة الهجمات المركزة عليها بهدف حشرها في موقع الدفاع عن النفس بدل الهجوم.

إن التحركات المطلبية التي تقودها هيئة التنسيق النقابية تشكل فرصة وطنية نادرة أمام كافة المعنيين بحقوق العمال ومكتسباتهم للإنخراط في ورشة وطنية حقيقية تعيد الصراع إلى طبيعته الحقيقية بين العمال والطبقات الشعبية وأصحاب النفوذ والمصالح الإقتصادية والسياسية والفئوية. وتسحب فتيل الفتنة المذهبية والطائفية والفئوية التي يذكيها أصحاب المصالح للإيقاع بين المواطنين ونقل المعركة إلى صفوفهم بدل أن تكون بينهم وبين من يستغلهم.

تعليقات: