الانتماء للخيام


لم يبق لنا يا أخ نبيه إلا الذكريات؛ نرسل الآهات والأشواق من كندا ومن دول الاغتراب! كم هزتنا كلماتك الدافئة، نحن الذين نسكن على مرمى ساعةونصف من الخيام. اليوم عدتُ من الخيام بعد زيارة خاطفة لساعات. يا ألله! يا لجمال الأمكنة التي حضنتنا صغاراً. يا لجمال الطبيعة الأخاذ! يا لروعة النسيم الذي يحمل رائحة شجرة الكولونيا والياسمين!الأخضر تزيّن بكلّ الألوان في كل الزوايا، والأزرق في السماء، والله يحرس هذا السحر الذي تخرقه الطائرات الإسرائيلية منذ عدّة أيام! ممنوع علينا الفرح والراحة والهدوء؛ ممنوع علينا التمتع بروعة الخالق وعظمته؛ ممنوع علينا قول الشعر وممارسة الفن في هذه البقعة المُقتطعة من جنات الخلد... ممنوع... ممنوع... ممنوع!

لا يكفي الشوق يا أخي نبيه والبكاء على الأطلال. للخيام علينا واجب الزيارة والدعم وتقوية حبّ الانتماء إليها لأولادنا، ولا سيّما تلوّنها الديني الذي يُعتبر ثروة وطنية وإنسانيّة وإلهيّة.

وقفتُ في المقبرة لزيارة من فقدنا من أحبة وأهل. استمعتُ إلى نشيد العصافير الممزوج بلحن أرواح من فقدنا ورقصة غصون الأشجار المنتشية بروعة المكان وقبلات النسيم. حتى الموتى يهنؤون برقودهم في تلك الزاوية المقدّسة من بلدتنا. لن أتكلم عن طفولتي وذكرياتي لأني حتماً سأبدأ بالبكاء كما أبكي في كلّ مرّة أزرو فيها البلدة والتمعّن بما آلت إليه الأمور: البعد، الغربة، الموت، العمر، التغيير...... لكنّ العصافير تحافظ على غنائها(بعض العصافير المتبقيّة!)، وكذلك الأشجار والألوان التي تنقص مع الوقت، تلتزم برسالتها السماوية بتهذيب حياتنا.

آهِ من تين الطفلة.

آهِ من عنب الطفولة.

آهِ من عرنوس الطفلوة،

من الخيار البلدي،

من "المئتا"،

من البطيخ والشمّام،

من المسوبعة،

من الحشي مشّي،

من كعب الغزلان،

من أسماء كثيرة نسيتها... يا للعار!

تحيّة إلى كلّ عاشق للبلدة ومخلص لها وإلى من يفهم ويشاركنا طفولتنا الغائبة... الحاضرة مؤقتاً.

موضوع نبيه حشمه "مشتاق للخيام"

تعليقات: