من القاتل الحقيقي للعسكريين في عرسال، و لماذا؟

 من القاتل الحقيقي للعسكريين في عرسال، و لماذا؟
من القاتل الحقيقي للعسكريين في عرسال، و لماذا؟


سارع البعض ممن يتعاطون الشأن الاعلامي والتحليل سارعو للقول بان "عناصر مجهولة اعتدت على مركز للجيش في عرسال واردت ثلاثة من عناصره قتلى " في موقف يبدو كان اصحابه يسعون الى تجهيل القاتل و تنكير الجهة السياسية و الميدانية التي ارتكبت الجريمة الشنعاء بحق الوطن و الجيش و الدولة اللبنانية او شكلت البيئة الحاضنة لها او المنتجة لظروف الجريمة ، فهل ان القتلة فعلا مجهولون ام ام ان الحقيقة هي خلاف ذلك و ان الجهة القاتلة معروفة بشكل قاطع بذاتها و باهدافها و بما لا يدع مجالا للشك و ان المجرمين معروفون بشتى اوصافهم و مستوياتهم ؟

بداية و قبل ان نستعيد مسار تكوين البيئة المنتجة للجريمة و المهيئة لظروفها ، نتوقف عند الحدث العرسالي بذاته لنقف على الاهداف المباشرة للجريمة و منها ننطلق الى الاهداف غير المباشرة ,

ففي الاولى نجد ان المخفر المستهدف تم تركيزه من قبل الجيش اللبناني اثر انسحاب مخفر لقوى الامن الداخلي الذي تعرض لاعتداء مماثل و في المكان ذاته من قبل الجماعات الارهابية التكفيرية ، لان هؤلاء رأوا في المركز العسكري هذا عائقاً لحركتهم على طريق الامداد اللوجستي و العملاني بين قاعدتهم العسكرية التي انشؤوها في بلدة عرسال و جبهتهم القتالية في المنطقة السورية الوسطى من القصير الى حمص ، و بالتالي كان اعتداءهم يهدف هنا الى جعل طرق التهريب والامداد اللوجستي للارهاب في سورية طرقا مفتوحة لا يعرقل العمل عليها عائق او مانع .

لكن الاخطر من الهدف المتقدم ذكره هو ما تم تداوله من توصيف لطريقة التنفيذ مع جزئياتها ، و من غير ان نردد هنا ما تم تداوله حتى لا نساهم في الترويج لاهداف اعداء الجيش و لبنان ، فاننا نكتفي بذكر ما رمى اليه الفاعل من جريمته و اعقبه من اعلام و تعميم لها و نقول ، ان الجهة المنفذة التي فشلت في مساعيها السابقة من اخراج الجيش من الشمال ، كما فشلت في تفكيك الجيش عبر دعوة العسكريين من مذهب محدد – السنة - لتركه و انشاء جيشهم الحر الذي يحاكي في طبيعته و اهدافه و ارتباطه ما يسمى " الجيش السوري الحر " ان هذه الجهات لجأت الان الى عمل من طبيعة ميدانية اجرامية بقصد الضغط على العسكريين و نزع الثقة المتبادلة القائمة فيما بينهم و احلال الشك و الحذر الخشية في صفوفهم ما يؤدي الى تجميد الجيش في مرحلة اولى و تعطيل دوره بعد ذلك وصولا الى شرذمته و تفكيكه بالطريقة التي حصلت في العام 1976 .

و بالتالي و رغم ان الهدف المباشر للجريمة التي ارتكبت بحق المخفر العسكري في وادي حميد شرقي عرسال امر مؤثر و خطر على مهام الجيش ، فان الاهداف غير المباشرة التي تختفي وراءه تصنف من الفئة الكارثية الجسيمة التي تنذر باسوأ العواقب على الجيش كله و تاليا على كامل الوطن والدولة اللبنانية في ظرف سياسي و استراتيجي محلي و اقليمي و دولي بالغ التعقيد و الخطورة . نقول ذلك لان المجتمعات المفككة وغير المتجانسة تبقى بحاجة ملحة الى مؤسسة وطنية جامعة توفر لها بيئة التلاقي و الحوار ، و في لبنان لا يوجد سوى الجيش كياناً قادراً على القيام بهذه الوظيفة و لم يكن غريبا او عبثاً عبثا ان نجد قائد الجيش اللبناني قد ارتقى الى سدة رئاسة الجمهورية او السلطة التنفيذية في كل مرة حدث نزاع داخلي او انقسام عامودي بين المكونات السياسية للمجتمع اللبناني غير المتجانس بذاته ، حيث لجئ الى قائد الجيش 5 مرات في اقل من ستة عقود و وصل 3 مرات فيها الى منصب رئاسة لجمهورية من اصل 10مرات.

ان استهداف الجيش الذي طالما حذرنا منهم على مدار السنتين الماضيتين من عمر الازمة ، ليس جديدا اليوم و ان تكوين البيئة العدائية له عمل تتابعت فصوله بشكل مضطرد متتابع منذ ان انطلقت في العام الماضي و بالتالي لا يكون مسؤولا عن الجريمة اليوم الجناة الذين اطلقوا النار على رؤس العسكريين الثلاثة في عرسال و تنظيمهم الارهابي المسلح فقط بل و ان المسؤولية تتوسع لتشما اخرين بمستوى فد يكون اهم و اخطر حيث تبدأ و تقع على عاتق:

- الجهات التي اطلقت الفتاوى التكفيرية بحق الجيش اللبناني و التي تضمنت اعتباره كافرا يباح دمه .

- من رفض الخطة الامنية التي نفذها الجيش في عكار في شباط 2012 و اشترط ان يوافق اهالي القرى على تحرك العسكريين بين قراهم .

- من دعا العسكريين السنة لترك الجيش اللبناني و انشاء "الجيش السني الحر" و الانخراط فيه لمواجهة الجيش اللبناني المرفوض من قبلهم .

- من ضغط و من استجاب للضغط و القى الضباط المسؤولين عن حاجز الكويخات في السجن لانهم نفذوا الاوامر العسكرية بجدية و اضطلعوا بمهام وظيفتهم العسكرية كما يفرض القانون و الواجب .

- من اشترط هذا اللواء او ذاك الفوج و رفض اخرين للعمل في طرابلس و كامل منطقة الشمال .

- من اصر و يصر على تحويل الجيش مؤسسة فئوية طائفية تعمل في خدمة 14 اذار لتكرار ما قام به المدير العام السابق لقوى الامن الداخلي في تحويل بعض اجهزة تلك القوى .

- من رفض محاسبة الجناة الذين اعتدوا على الجيش في شباط الماضي ، ثم ذهب الى عرسال مظهرا الدعم و التأييد للمعتدين على الجيش .

- و اخيرا ان المسؤولية الاكبر تقع على عاتق الرسميين من رجال السياسة و القضاء الذين لم يتخذوا من المواقف ما يمليه عليهم القانون و الواجب الوظيفي حماية للجيش ضد من اعتدى عليه .

ان لبنان الان بات على مفترق طرق خطر ، و ان النهج الذي اتبع حيال الجيش منذ سنتين سيؤدي في النهاية الى كارثة تحل به و تحل بلبنان عبره ، و اذا كان الجيش بمناعته التي شكلتها عقيدته الوطنية صمد خلال السنتين الماضيتين فان المراهنة على هذه المناعة و الى الابد لا يكون من سلوك العقلاء خاصة اذا استمر الضغط و التنامي في سلوك الفئة المعادية للجيش و وحدته . نعم ان الجيش بات الان في دائرة الخطر الشديد فهل يبادر المسؤولون الى اخراجه منها ام سيكون الندم بعد ان تقع الواقعة ؟

و يبقى ان نذكر بان دعم الجيش و حمايته اليوم و ان كانت في الاساس مسؤولية الدولة بسلطاتها الثلاث الا انها ابضا مسؤولية الشعب الذي سيدفع هو الثمن في حال مس الجيش سؤ ، انها مسؤولية المجتمع المدني و مسؤولية الاعلام و مسؤولية كل قادر على موقف يقطع الطريق على المعتدين .

العميد الدكتور امين محمد حطيط

 من القاتل الحقيقي للعسكريين في عرسال، و لماذا؟
من القاتل الحقيقي للعسكريين في عرسال، و لماذا؟


تعليقات: