جريمة بيصور: المأساة والنكتة

ربيع الأحمد ملقىً على الفراش في المستشفى
ربيع الأحمد ملقىً على الفراش في المستشفى


لا يجهل القيّمون على الإعلام المرئي والمسموع في لبنان، أنّهم يساهمون في تشكيل الرأي العام بمعناه العريض... لكنّهم يصرّون على التعاطي مع الأمر بخفّة. آخر فصول تلك الخفة كان تغطية نشرات الأخبار المحلية للجريمة التي شهدتها بلدة بيصور في قضاء عاليه أمس الأول، حين اعتدت مجموعة من البلدة بالضرب على شاب، وقطعت عضوه التناسلي، للتعبير عن رفضهم زواج الشاب من قريبتهم لأسباب طائفيّة.

لم يمسّ غرف التحرير والمراسلين في الخبر المذكور سوى عبارة «العضو التناسلي»... فتعاطت نشرات الأخبار مع الحدث وكأنه نكتة كتلك النكات السوقيّة الرائجة في برامج الكوميديا. لم يستطع بعض المذيعين والمذيعات كتم ضحكتهم أثناء قراءة الخبر،كما فعلت مذيعة تلفزيون «أم تي في» ديانا فاخوري في نشرة الأخبار الليلية. وتلتها زميلتها هنادي رحمة معدة التقرير عن الجريمة التي استهلت تقريرها جازمةً بأن خبر الجريمة «مضحك مبكٍ». ما المضحك يا ترى في أن تقع جريمة كهذه ونحن في العام 2013؟

قناة «الجديد» وجدت في الحدث مطلبها الدائم: الإثارة. فأدرجت الخبر في عناوين النشرة تحت عنوان «من الحب ما قطع»، مظهرةً الضحية في العناوين يحكي تحديداً عن البتر الذي تعرض له. كما تحدّثت مع الطبيب عن حالة المريض بجانب هذا الأخير، من دون أي مراعاة لمشاعر الضحية.

أمّا «المؤسسة اللبنانية للإرسال» المنهمكة في حصد «رايتنغ» مسلسلات رمضان على موقعها الالكتروني، فجاء خيارها في تصنيف الخبر مستفزاً. بكل بساطة، أدرجت خبر الجريمة ضمن خانة «غرائب وطرائف»، على الموقع نفسه (!). هكذا تصبح جريمة قبلية، يمكن وصفها بأنها أبشع من القتل نفسه، طرفة ونكتة في عُرف المحطات اللبنانية.

إفساد مستقبل شاب بهذا الأسلوب الهمجي فقط «لتجرّئه» على الزواج من فتاة من خارج الطائفة، لا يستحق الجدية من قبل إعلامنا «المحترم». لا تستحق العلاقات الإنسانية المهددة باسم القبلية والتخلف الوحشي رصانة مذيعي الأخبار. عندما يقع القتل باسم «القضايا الكبرى»، عندها يقطّب المذيع جبينه. أما أن يتم الاعتداء على شابٍ لأنه اختار الحب على التعصّب، فتلك نكتة مضحكة للغاية، لا بل من «طرائف وغرائب» الدنيا!

لم يفكّر معدّو النشرات ولا المذيعون، أن أهل الضحية قد يشاهدون معاناة ابنهم تتحول إلى نكتة تتقاذفها الشاشات. لم يفكروا في أن العائلة المعتدية سترتاح عقب مشاهدتها تغطيةً إعلامية تصوّر جريمتها كأنّها عمل كوميدي يستحق التهنئة. لم يرَ إعلامنا المأساة خلف الخبر، لم يرَ إلا العضو التناسلي ــ لم ندرك بالمناسبة لماذا يكون سبباً للضحك أصلاً؟ قد يكمن الجواب عن ذلك كله في السؤال الآتي: كيف لإعلام يمتهن التحريض وتغذية التعصب الأعمى للجماعة، أن يستنكر جريمة تصبّ في الخانة نفسها؟

عوضاً عن تحويل الجريمة إلى طرفة، كان من الأفضل أن يتمّ تحويلها إلى مناسبة لإعادة إثارة قضيّة الزواج المختلط، والتي ما زالت تعدّ من المحرّمات، أو على الأقلّ مقاربة الحدث بجديّة.. كلّ تلك الخفّة دليل على وجود خلل كبير في أولويات المحطات التلفزيونيّة، ومعاييرها الأخلاقيّة.

----- -----

وكتبت مهى زراقط في الأخبار:

بيصور بخير... طمّنونا عن رديـنة



بيصور أمّ الشهداء. عبارة ستتكرّر على أكثر من لسان في البلدة التي اشتهرت بمقاومتها للإسرائيلي. تتكرّر رفضاً لمحاولات إلصاق جريمة فردية بها وبالطائفة التي تنتمي إليها. سيتكرّر أيضاً الجواب عن مصير ردينة: هي في صحة جيدة وفي أمان. نقطة، انتهى

قبل أن يقول جاد إن عمره عشرون عاماً، كان الظنّ أنه أصغر بكثير. ملامح وجهه، كما رهافة مشاعره وهو يروي ما رآه بعينيه، جعلته يبدو طفلاً في عيني المستمع إليه. لا ترغب إلا في احتضانه وهو يجاهد ليبدي تماسكاً، تفضحه خطوط حمراء راحت تغزو العينين عندما سئل كيف أمضى الليلة بعد عودته إلى المنزل. « أكيد ما نمت. كل الوقت عم شوف كوابيس».

هو الوحيد الذي يعترف بأن الكوابيس طاردته بعد تلك الليلة. الشبان، ممن هم في عمره، الذين تجمّعوا في ساحة بيصور، موقع الجريمة، جعلوا من السؤال مادة للمزاح. أما الأطفال، الذين لم تتجاوز أعمارهم الثالثة عشرة، فكانوا مبتسمين. يصيخون السمع إلى ما يروى، ثم يتهامسون فتتّسع ضحكاتهم.

بدا كأن الخجل من «التابو» الذي كسرته جريمة بتر العضو التناسلي لربيع الأحمد، انقلب ضحكاً غير مفهوم السبب لدى هؤلاء الصغار. تماماً كما لا يمكن فهم سبب وجود صور الشاب مصاباً على هواتف معظمهم، وخصوصاً أن اعترافهم بوجود الصور معهم يترافق مع تحذير «لا يمكنك أن تتحملي رؤية هذه الصورة». إذا كان الأمر كذلك، فماذا تفعل الصورة في هواتفكم؟ بل من وجد وقتاً ليصوّره وهو في هذا الوضع عوض إنقاذه؟

لا إجابات عن هذا السؤال. التبرؤ الجماعي من الجريمة لا يتفق مع وجود صور مماثلة على الهواتف. يستغرب رجل، كان جالساً في مكتب رئيس البلدية، لماذا نصدّق أن الصور التقطت في الساحة. «قد تكون التقطت في المستشفى». فيما يعلّق آخر «قد لا تكون صورته أصلاً. يمكن من خلال الإنترنت إيجاد الكثير من الصور وبثّها على أنها صورة ما حصل هنا».

الحدّة التي ينفي بها الرجلان قيام بعض أبناء البلدة بتصوير الضحية، يمكنها أن تكون مؤشراً صحياً للخطاب الذي اتفقت بيصور على الخروج به إلى اللبنانيين أمس بعد الصدمة التي عاشوها نتيجة الوحشية التي عومل بها ربيع الأحمد، السني الذي تزوج فتاة درزية خطيفة. «نحن نستنكر هذه الجريمة اللاإنسانية. هي لا تتفق مع عادات بيصور، ولا مع ثقافة الطائفة الدرزية. إنها حالة فردية» يقول رئيس البلدية وليد أبو حرب لـ«الأخبار». وبناءً على هذا الموقف، جرى تسليم كلّ من رواد وربيع ملاعب، شقيقي الفتاة، إلى القضاء. هناك سيقال كلّ شيء، وهناك أيضاً قد تحدث مفاجآت، يقول أحد أقارب الفتاة. الشاب الذي رفض الإجابة عما إذا كانت ردينة قد التحقت بربيع الأحمد بملء إرادتها. يؤكد أن المعلومات التي ستقال أمام القضاء ستكون مفاجئة. «يمكنني أن أقول لك الآن إنها كانت معنّفة، لقد غرّر بها واحتجز حريتها».

لكن من سيصدّق هذه الرواية بعد الذي حصل؟ نسأله فلا يجيب. نقول إن كلّ يوم تتأخر فيه ردينة عن الظهور سيكون سبباً للمزيد من الشك في صحة أي رواية قد تقدّمها لاحقاً فيهزّ رأسه ولا يعلّق.

ماذا عن الشائعات التي تحدّثت أمس عن مقتلها؟ ينفيها رئيس البلدية نفياً قاطعاً. ويقول إنها «خضعت لفحص طبيب شرعي وقد أعدّ تقريراً عن وضعها، وهذا يؤكد أنها بخير، وهي موجودة حالياً لدى أقاربها».

ابنة التاسعة عشرة بخير؟ لا أحد يعلم ما هو الخير الذي تعيش فيه اليوم. ولا ما هو الخير الذي تعيشه عائلتها المؤلفة من والدين وأربعة أولاد. الوالد يعمل مياوماً في نجارة الباطون، رواد الابن البكر في الجيش، وربيع كان لحاماً. أما ردينة فقليلون هم الذي يعرفونها، أو تحدّثوا معها. «هي فتاة خجولة. كنا نراها عندما تذهب إلى الجامعة، وعلمنا في الفترة الأخيرة أن شقيقيها منعاها من الخروج من البيت». ويوم الاثنين في 1 تموز الجاري، انتشر خبر اختفائها، عندما بدأ إخوتها يبحثون عنها ويسألون الجيران إن كانوا قد رأوها. لا يعرف محدّثونا متى تبلّغت العائلة، المؤلفة من فتاتين وشابين، أن ردينة تزوّجت. «منهم من يقول إنها اتصلت بأختها المتزوجة والتقتها بعد يومين، ومنهم من يقول إن إخوتها لم يعرفوا شيئاً عنها لمدة عشرة أيام. لكن الأكيد أن الشاب عذّبهم كثيراً قبل أن يعرفوا شيئاً عنه وعن مكانه».

كانت الصدمة قاسية على أهالي القرية كما العائلة. من جهة «لم توحِ ردينة يوماً بأنها يمكن أن تقوم بعمل مماثل بسبب هدوئها». ومن جهة ثانية «ما حصل سابقة. لطالما كانت الخطيفة بين شخصين من الطائفة (الدرزية) نفسها عندها يمكن إيجاد حلّ لها». حتى زواج فتاة درزية بشاب من طائفة مختلفة كان ممكناً «تتخلله صعوبات، لكنه يحدث وهناك حالات في بيصور، لكن لم يحدث يوماً أن ذهبت فتاة خطيفة مع شاب من طائفة أخرى. هذا ما لا يمكن تقبّله».

لا جدال في هذا الأمر، الذي يعني طبعاً بالنسبة إلى أهل البلدة أن العروسين أخطآ. كما لا جدال (لديهم) في أن الشاب أخطأ. فرغم كلّ ما تعرّض له، وهو مستنكر من قبلهم، يصعب أن تجد من يتعاطف معه. «أولاً هو يكبرها بعشرين عاماً وهذا يعني أنه غرّر بها». وهي نظرية قابلة للتصديق بالنسبة إليهم، إذا دعمتها رواية ثانية بدأت تنتشر وتفيد بأن الأحمد زوّر إخراج قيد وقدّم نفسه على أنه درزي من بلدة الجاهلية، وينتمي إلى عائلة بودياب، «وهي صدّقته». هكذا من المرجّح أن تنحو الرواية باتجاه القول إن ربيع الأحمد أوهم ردينة بأنه من طائفتها، أحبّته ووثقت به، إلى أن خطفها وتزوّجها بعقد زوّر فيه توقيع والدها، ما يجعله باطلاً.

بناءً على هذا السيناريو، يمكن للأمور أن تكون تحت السيطرة... قضائياً. لكن ما عاشته بيصور ليل الأحد ـــ الاثنين يصعب تجاوزه. هذا ما يكشفه حذر النسوة من الحديث معنا. منهنّ من تجيب من خلف الباب، ومنهن من تقف عند أعلى الدرج وتمنعنا من إكمال السير صعوداً لنحدّثها «أنا مشغولة. والشيخ مش هون».

أما من وافق على الحديث، فقد رفض ذكر اسمه. وحده جاد تحدّث باسمه الحقيقي. يروي أنه كان موجوداً في دكان والده الكائن في ساحة بيصور، على بعد أمتار من المفرق المؤدي إلى منزل عائلة ردينة. كانت الساعة قد تجاوزت العاشرة مساء، عندما مرّ ربيع ملاعب بسيارته ودخل إلى المنزل، وقد لاحظ جاد أن ردينة كانت موجودة فيها، ومعها شاب. وبعد ربع ساعة تقريباً، خرج كلّ من ربيع ورواد وآخرين وكانوا يجرّون ربيع الأحمد، الغارق في دمائه، على ظهره وأوصلوه حتى الشجرة المزروعة أمام الدكان مباشرة. كان الأحمد لا يزال واعياً «لأنهم عندما كانوا يسحبونه، كان بنطاله ينزل فيعمد هو إلى رفعه. يبدو أنهم كانوا قد بتروا له عضوه قبل أن يسحبوه إلى الساحة»، فيما تشير روايات أخرى الى أن العضو بتر في الساحة.

محاولات الضحية رفع بنطاله كانت آخر ما استطاع القيام به. عندما رمي تحت الشجرة كان «النفس عم يطلع وينزل، بعدها تقيأ وكانت رائحة الكحول قوية جداً» يقول والد جاد الذي حضر إلى المكان بعد اتصال ابنه به.

ماذا كنتم تفعلون؟ ألم تحاولوا منعهم؟

حاولنا، لكن ربيع طلب من الجميع عدم التدخّل وقال لنا «لا علاقة لكم. هو آخدلي عرضي». وقد سُمع الشابان يقولان قبل أن يغادرا الساحة «نحن عرفنا كيف بدنا نتصرّف، تعوا شوفوا شو عملنا فيه».

----- -----

ومن عكار كتب روبير عبد الله في الأخبار:

أبعد من جريمة شرف



حرار العكارية «المحافظة» تريد العدالة

كأن قدر عكّار أن تكون مسرحاً لأبشع الجرائم وأكثرها سادية. فلم يمض أسبوعان على وفاة رولا يعقوب إثر تعرضها للضرب المبرح على يد زوجها في حلبا، حتى فوجئت بلدة حرار بحادثة بتر العضو التناسلي لأحد أبنائها في بلدة بيصور في جبل لبنان

هي أبخس من أن تسمى جريمة شرف، وأبعد هولاً من اعتبارها جريمة قتل. هكذا يصف محمد الأحمد ما اعتبره عملاً وحشياً تعرض له أخوه ربيع في بلدة بيصور على أيدي شقيقي الفتاة التي تزوجها وفق الأصول القانونية، فـ«استدراجهما شقيقي بالاحتيال، وإقدامهما على قطع عضوه التناسلي، عمل شائن لا يقوم به من يعرف معنى الشرف». ويضيف إنه «لو قتل أخي لدفنّاه، والأيام كفيلة بنسيان الفاجعة، لكن أخي بحكم القتيل الحي، ولا أتصور كيف سيمضي بقية حياته بين الناس، وقد جرى معه ما جرى». لم يكن محمد الأحمد على ما يرام، وهو جالس أمام منزله في بلدة حرار العكارية. فلا يبدو أن للشاب «عزوة» تخفف عنه ثقل الحمل، وبخاصة أنه لاقى أثناء محاولته متابعة حالة أخيه في مستشفى بيصور ما تراءى له سلوكاً مريباً من جانب أهالي البلدة.

يقول محمد إن عشرات الشبان كانوا موزعين أمام المستشفى، وعلى طريقة استدراج أخيه والتنكيل به، أحسّ بأنهم أرادوا استدراجه إلى داخل المستشفى للقيام بأمر ما، فأوحى لهم بأنه موافق على الدخول، وتذرع بالتوجه إلى سائق السيارة التي كانت تقلّه، كي يدفع له أجرة النقل، لكنه ما إن وصل إلى السيارة، وهي لصديق له، حتى لاذ الاثنان بالفرار. لم يكترث الزوار لحديث محمد، ولم يظهروا أي حماسة لرد الضيم عن ابن البلدة، بل راحوا يفسرون الحادثة باعتبارها أمراً «عادياً» يقوم به أتباع الطائفة الدرزية، حتى لو كان الزواج شرعياً. السذاجة تحكم الأحاديث الى درجة أن بعضهم يعتقد بأن «كل الأمور مهما كانت» قد تكون أمراً قابلاً للمساومة، فالمهم أن لا يحدث زواج فعلي من خارج الطائفة. أكثر من ذلك، فقد اعتبر البعض أن رعونة الشاب أو قلة حنكته دفعته الى تصديق حيلة شقيقَي الفتاة، فوقع في الفخ، وحدث ما حدث.

محمد مثل أخيه ربيع يعمل في أحد مطاعم جبل لبنان، لا يبدو أنه مع أسرته المتواضعة يحوز أصواتاً انتخابية تثير اهتمام نواب المنطقة ومرشحيها، ومع ذلك فهو يتريث لأيام معدودة، و«إذا لم يتصل بي أحد منهم فسأبهدلهم جميعاً، وخصوصاً نواب الجرد العكاري»، علماً بأن المعلومات المتوافرة لديه تشير إلى أن النائب هادي حبيش سيدلي بدلوه لدى صعوده إلى عكار في عطلة نهاية الأسبوع، أما النائب معين المرعبي فقد بلغه قوله إنه ليس بصدد «الانشغال بهكذا إشكالات». وينحو محمد باللائمة على مشايخ عكار الذين «أقاموا الدنيا من أجل تحصيل معاشاتهم».

لم تكن بلدة حرار تتوقع المرور باختبار من هذا النوع. فعروس الجرد العكاري التي تقع على ارتفاع ألف متر عن سطح البحر، كانت تتهيأ لصيف حافل بالمهرجانات بعد انتهاء شهر رمضان، بالنظر إلى ما تختص به من انتشار للمطاعم والمقاهي. بلدة حرار التي تتوسط بلدات ساحل القيطع (ببنين وبرقايل) وجرده (مشمش وفنيدق)، حافظت على تنوع اجتماعي وسياسي يستمد جذوره من قساوة الحياة في الجرد الأعلى، من دون أن تسحبها كثيراً متغيرات الساحل، وهو ما يعكس حضور نخب لا تزال تحنّ إلى سبعينيات القرن الماضي وما حفلت به من تنوع حزبي، امتد ليشمل مشاركات فاعلة في جبهة المقاومة الوطنية. يقول أحد أبناء ذلك الرعيل، أبو أيسر عنتر، مستهجناً ما جرى في بلدة بيصور التي تعرّف إلى «قيادات وطنية كبيرة فيها» ان تصريح رئيس بلدية بيصور حول «دخول الشاب من الشباك» لا يمثل ثقافة بيصور التي «كنا نعرفها»، وأنه يتوقع على سبيل المثال من الوزير غازي العريضي (ابن بيصور) أن يكون له موقف يرد به الاعتبار لأبناء عكار، وخصوصاً أن عكار أنصفت الوزير العريضي وشكرته على ما قدمته وزارة الأشغال من خدمات في عهده. ويضيف عنتر «إننا أبناء بيئة محافظة، لها عاداتها وتقاليدها، لكننا نعرف أن زمن جرائم الشرف والأخذ بالثأر ولى»، ويذكّر أبناء الجبل بأنهم أكثر من يعرفون كيف تدوّر الزوايا، وكيف يمكن أن «نغض الطرف قليلاً عما يسمى ثوابت» يقول ذلك، غامزاً من قناة الزعامة الدرزية ممثلة بوليد جنبلاط الذي أتقن «فنون تبديل المواقف». والجدير بالذكر أن أبا أيسر كان قد فقد ابنته منذ سنة ونيف، واختفى خبرها لأسابيع، ثم تبين لاحقاً أنها تزوجت. وفي هذه الأثناء، عقد الرجل أكثر من مقابلة متلفزة، تعمد في خلالها إفساح المجال لعودة ابنته إلى حضن العائلة مهما كان سبب غيابها، ويختم بقوله «فعلت ذلك رغم أن لنا في جرود عكار تقاليدنا وعاداتنا، كما هي الحال لدى إخواننا في الطائفة الدرزية».

حتى عصر أمس، كان رئيس بلدية حرار خالد اليوسف يتابع أحوال ربيع ميدانياً في مستشفى رفيق الحريري الحكومي في بيروت، وكان أبناء البلدة يتهيأون لاعتصام احتجاجي في ساحة حرار بعيد صلاة التراويح، ويتداولون بإجراءات أخرى بانتظار ما ستؤول إليه مجريات التحقيق في القضية.

اللافت أن الجريمة الموصوفة جاءت بعد أسبوع ونيف على حادثة تعنيف أسري قتلت في سياقها رولا يعقوب في بلدة حلبا. والحادثة أثارت استياء أهالي حلبا، فرفعوا الصوت عالياً أمام ما اعتبروه محاولة لتمييع القضية، عبر الحديث عن السماح للزوج بالمشاركة في دفن رولا قبل أن يفصل القضاء في الأبعاد الجرمية للعنف الذي قام به. وكان القاضي المكلف بمتابعة القضية قد التقى نهار الاثنين الماضي الأطباء الشرعيين الذين كشفوا على الضحية، وسرت معلومات عن أن الاتجاه هو نحو اعتبار الوفاة ناجمة عن انفجار أحد شرايين الدماغ، بسبب تشوه خلقي، لا علاقة له بما لوحظ من كدمات ناجمة عن «التعرض للضرب بآلة حادة». لذلك تقيم منظمات وناشطون من المجتمع المدني نهار الأحد المقبل تحركاً في ساحة حلبا، استنكاراً للحادثة وللمطالبة بإقرار قانون حماية النساء من العنف الأسري.

----- ------

ومن بيرصور كتب فارس ملاعب في الأخبار:

عندما رَسم جزارٌ على باب بلدتي



أهل الجبل، أهل الذين عُرفوا بنصرة الحق والشجاعة والحكمة يقف اليوم شبان وشابات هذه الضيعة (بيصور) أمام الجريمة. يشعرون للمرة الأولى بخليطٍ من الخجل والاشمئزاز والحيرة. نحن تربّينا على قناعة وفخر بانتمائنا الى ضيعتنا. نزهو بتعدديتها الفكرية التي اكتسبتها من جراء قربها من المدينة وأغنتها بالاختلافات الدينية والحزبية والفلسفية والفنية، حتى باتت ضيعتنا مدينة تستضيف مختلف الأفكار وتؤوي أصحاب أكثر المشاريع التطورية جرأةً.

قرأنا على صفحات شبكات التواصل الاجتماعي عبارات تزيد من غضبنا وحنقنا. عبارات مثل: «أرض الشهامة وأمّ الشهداء! يا عيب الشوم! ذلك الأرعن نكّس رؤوسنا. تلك ضيعتي، وعلى مداخلها كتب وما انفك يكتب تاريخنا». وكتب آخر «بتّ أخجل بهويتي اللبنانية بعد ما حصل...» وثالث تذكر ميخائيل نعيمة الذي لطالما اعتبر رمزاً روحياً لأبناء هذه الضيعة: «إن الشرف الرفيع الذي لا يسلم من الأذى حتى يُراق على جوانبه الدّم، لا شرف ولا رفيع». هذه هي ضيعتي، وهؤلاء هم ناسها، ناس قالوا: «ما حصل لا يمثل ضيعتي وأبناءها، ما حصل هو جريمة همجية قبلية ذكورية مرفوضة ومدانة على جميع الصعد، نحن تمثلنا ضيعتنا أمّ الشهداء بفنانيها وشعرائها، بمثقفيها وموسيقييها، بالمهندسين والأطباء، بالعمال وبخامات الأهل الطيبة والنظيفة. ندين ما حصل. نتضامن مع أوجاع الشاب المعتدى عليه ومع حق الفتاة في الاختيار وحقها في الحرية».

اختلفت الآراء وردات الفعل، لكن موقف أهل هذه الضيعة بات واضحاً بعدما صوّر المجتمع برمته على أنه مبني على الهمجية والإجرام. أهل الضيعة يرفضون أن تؤدي جريمة، اقترفها شاب معروف من قبل الأهالي بعدم توازنه النفسي والاجتماعي، إلى جعلها عذراً لإعطاء صورة متخلفة عن ضيعتهم. صورة تعب أهلها للوصول بها الى مستوى ثقافي واجتماعي متطور، ومقابلتها بجرائم أكل القلوب التي تنجرّ إليها أحزاب سياسية.

يأخذ اللبنانيون، ولا سيما أهل الضيعة، هذه الجريمة المخزية كعبرة: أن شخصاً وحيداً لا يمكن أن يمثل مجموعة ولا بأي شكلٍ ولا منطق ولا دين، فدين هذه الضيعة مبنيّ على المحبة والتسامح والحكمة في التصرف. ففي أقصى درجات تعصبه، يلجأ الأهل إلى استشارة العقلاء في البلدة وحكمهم عند مواجهة هكذا موقف مع ابنتهم.

---- ----

أين ردينة ملاعب؟



Click here to find out more!

«إذا ثبت مقتل ردينة ملاعب على أيدي أهلها، كما تداولت الأخبار، فسنعلن عن تحرك وطني ضخم ضد هذه الجريمة. ننتظر تأكد الخبر. يا رب يحمي ردينة وكل امرأة لبنانية». بهذه العبارات، انطلق عشرات الناشطين والناشطات في حملة عبر شبكات التواصل الاجتماعي للمطالبة بالكشف عن مصير ردينة وحمايتها من وحشية أسرتها. وأنشأت مجموعة منهم صفحة على «فايسبوك» تحمل عنوان «أين ردينة ملاعب؟».

كتبت المجموعة أن «ما حصل من اعتداء وبتر عضو ربيع الأحمد جريمة ضد الإنسانية. ما حصل من احتجاز لردينة ملاعب من قبل أي جهة كانت، ولو كانت هذه الجهة عائلتها هو أمر مرفوض ﻷنها ليست قاصراً وهي متزوجة شرعاً الآن بربيع، والأهم هو أن أدياننا السماوية جميعاً دعت الى حرية المعتقد ولا إكراه في الدين. القتل والاختطاف والاحتجاز جرائم يجب إنزال أقصى العقوبات بمن ارتكب هذه الجرائم، ويجب أن يتحرك نواب المنطقة والمجتمع الأهلي وأهالي المنطقة ضد أي إفلات من العقاب للقتلة». وعرّفت هذه المجموعة عن صفحتها بأنها «ليست لإدانة أبناء أي طائفة ولا لإدانة أبناء أي منطقة، فالجريمة التي حصلت لا تمثل أبناء طائفة بأكملها ولا أبناء منطقة بأسرها، بل هذه حملة للمطالبة بضمان حياة ردينة ملاعب وحريتها الشخصية كامرأة لبنانية من حقها اختيار حياتها الشخصية وفقاً لقناعتها». وكتبت المجموعة أيضاً «منذ وقوع الحادثة وحتى اليوم، لا أحد يعرف مصير ردينة ملاعب! فهل تعرضت هي أيضاً لأي شكل من أشكال العنف من قبل عائلتها؟ من يضمن أن لا يصيب الفتاة أي أذى؟ لذلك أطلقنا هذه الحملة لإنزال أشد العقوبات بمرتكبي الجريمة بحق ربيع ولحماية ردينة من مصير مجهول».

(الأخبار)

----- -----

وكتب محمد نزال في الأخبار:

كيف سيتصرّف القاضي إزاء الجريمة؟



كم مرة عالج القضاء جريمة سادية تتضمن «بتر إحليل» الضحية؟ لا أحد يذكر. المسألة غير مألوفة. حسناً كيف سيتعامل معها اليوم وهي تحمل أبعاداً دينية واجتماعية؟ بالتأكيد، ليس الحرج في أصل الفعل، الجرم، بقدر ما هو في الحيثيات المرافقة لهما، التي لا تبدأ من العائلة ولا تنتهي مع الطائفة.

آخر ما يتمناه قاض أن تُحال عليه قضية كهذه. فهنا لا يكفي النص لتحديد العقوبة، ومسرح الجريمة لبنان. بلد الحسابات والاتصالات والواسطات. البلد الذي إن كان فيه الجاني درزياً، مثلاً، فسيُفهم العقاب، ولو كان بالقانون، عقاباً لكل الدروز ومعتقداتهم وعاداتهم وتقاليدهم. البلد ذاته إن كان فيه المجني عليه سُنيّاً، مثلاً، أو مسيحياً أو شيعياً، فستجد من هو على أهبة الاستعداد لزج الطائفة برمتها في الجرم. هكذا يتحوّل الجرم في ظل نظام «العشائر» الطائفية الى جرم «مبرر». ولكن هذه المرّة يأتي مصبوغاً برموز «الرجولة». لن تجد قاضياً يحب أن يرى ملفاً كهذا على مكتبه.

«الجناة سيُعاقبون حتماً. لقد أوقفنا اثنين منهم، من أشقاء الفتاة، وما زالت القوى الأمنية تبحث عن ثلاثة فارين أو متوارين عن الأنظار». هذا ما أكده القاضي المعني لـ«الأخبار». القاضي الذي بدا «مشمئزاً» من نوعية الجرم، ولكن مع ذلك «لازم نخفف وما نأجّج».

الفاعل من طائفة والمفعول به من طائفة أخرى، وبالتالي يصبح حتى القضاء يتحدث عن «ضرورة التهدئة». ذاكرة القاضي خالية من جرم مشابه، فتراه يقول: «يا حرام هالبلد لوين رايح». تخيّل مشهد التلذذ بالجرم، لا مجرد فعله، يدفع القاضي، ومعه كثيرون من اللبنانيين الذين يقيمون في بلاد الخوف، إلى الشعور بالصدمة من وصول هذا «الضيف الخبيث» إليهم. حتماً توجد لدى القضاء المئات، وربما الآلاف، من القضايا المؤرخة بسني الحرب الأهلية. تلك الحرب التي شهدت على فظاعات الإخوة بعضهم بحق بعض. لكن يُسجل اليوم أن ثمة سلوكاً، السادية أقل صفاته، آخذاً في الانتشار أخيراً في لبنان ومحيطه.

لن يكون مستغرباً تدخل مرجعيات سياسية لـ«ضبضبة» القضية، ولإجراء اتصالات مع القضاء ــ وذلك لعدم الذهاب بعيداً في القانون والعقاب. لكن القاضي المعني يؤكد أن هذا: «لن يحصل... أقله معي». القاضي هنا لا يمون إلا على نفسه، ولهذا يتحدث فقط عن نفسه، لأنه يعلم أن القاضي الزميل، أي قاض آخر، لا يمكن المراهنة على ثباته. هكذا هم قضاة لبنان، غالباً، في كل القضايا.

الرواية الأمنية لما حصل مع ربيع، ابن عكار، تبدأ مع بداية الشهر الجاري. قررت الفتاة أن تذهب معه «خطيفة». هو من مواليد عام 1974. أما هي فمن مواليد عام 1994. الفرق بينهما 20 عاماً. ربما حاول البعض اللعب على وتر هذا الفرق، لتبرير أذية الشاب بوحشية، لكن فاتهم أن الفتاة ليست قاصراً، بل عمرها 19 عاماً، وبالتالي لا ولاية لأحد عليها. طبعاً هذا في اعتبار شخصها أمام القانون، أما في عرف الطوائف ــ القبائل، فتلك حكاية أخرى. مسألة لا تمت إلى المدنية بصلة. يمكن أي أحد قول أي شيء، اليوم، باستثناء التماس العذر لفعل ــ جرم كهذا.

أهل الفتاة ذهبوا، بعد غياب ابنتهم، إلى مخفر سوق الغرب وتقدموا ببلاغ. لاحقاً، وبعد مضي أيام على بلاغهم، عرف أقارب الفتاة أنها موجودة مع الشاب الذي تزوجها، ويسكن معها في منطقة البوار. استطاعوا خداعه، وأقنعوه بأنهم يريدون «الصلحة»، فأتوا به إلى بلدة بيصور. ضربوه وعذبوه، ثم قطعوا إحليله، قبل أن يرموه في ساحة البلدة، وهو غارق في دمه وفاقد للوعي. اللافت، بحسب الأمنيين، أن العائلة التي ارتكبت الجرم «ليست من ذوي السوابق الجرمية».

الفعل كان، إذاً، رد فعل «هستيرياً»، أو هكذا يحاولون تصويره. لقد ابتدعوا سابقة فعلاً. كان لافتاً أن كثيرين من المعنيين بالتحقيق، من الرجال، كانوا يضحكون عندما يصل الحديث إلى لفظة «الإحليل».

أحد رجال الأمن، من المعنيين، قال: «هذه أبشع من جريمة قتل، لأن هذا الرجل الآن بلا إحليل، فهو بمثابة الميت، وبصراحة أخشى اليوم من رد فعله».

هذه نظرة لا تحتاج إلى تنظير، معروفة في الشرق، وربما في الغرب وإن بنسبة أقل. إذاً «لقد علّموا عليه». المجتمع هنا، للأسف، يحكم على رجل بالموت لمجرد فقد «عضوه». من قال إن مجتمعاً كهذا هو قدوة؟ تلك حكاية أخرى.

إلى ذلك، يُذكر أن الفعل الموصوف للجريمة المذكورة ينطبق على المادة 557 من قانون العقوبات، التي تتحدث عن عقوبة الأشغال الشاقة المؤقتة 10 سنوات على الأكثر، وذلك «لكل من أقدم قصداً على ضرب شخص أو جرحه أو إيذائه، وأدّى الفعل إلى قطع أو استئصال عضو أو بتر أحد الأطراف، أو إلى تعطيل أحدهما أو تعطيل إحدى الحواس عن العمل أو تسبب في إحداث تشويه جسيم، أو أية عاهة أخرى دائمة أو لها مظهر العاهة الدائمة». هكذا، لم يفت القانون ذكر «البتر». كذلك لا يرد فيه، هنا، أي تبرير أو تخفيف تحت حجّة «الشرف». نحن، بامتياز، أمام جريمة «بلا شرف».

جريمة بيصور: المأساة والنكتة  جوي سليم 18\7\2013 | السفير  لا يجهل القيّمون على الإعلام المرئي والمسموع في لبنان، أنّهم يساهمون في تشكيل الرأي
جريمة بيصور: المأساة والنكتة جوي سليم 18\7\2013 | السفير لا يجهل القيّمون على الإعلام المرئي والمسموع في لبنان، أنّهم يساهمون في تشكيل الرأي


تتداول بيصور رواية مضادّة سيقدّمها أهل ردينة إلى القضاء (مروان طحطح)
تتداول بيصور رواية مضادّة سيقدّمها أهل ردينة إلى القضاء (مروان طحطح)


تعليقات: