البديل النقابي الديمقراطي وتحّدي التغيير

لمنظمات النقابية في لبنان تتعرض لحملات واسعة من التدخل في شؤونها لداخلية والهيمنة على قرارها
لمنظمات النقابية في لبنان تتعرض لحملات واسعة من التدخل في شؤونها لداخلية والهيمنة على قرارها


تعيش الحركة النقابية اليوم تدهوراً متفاقماً في إستقلاليتها وديمقراطيتها وفعاليتها، فالمنظمات النقابية تتعرض لحملات واسعة من التدخل في شؤونها لداخلية والهيمنة على قرارها، وهي عاجزة عن حماية نفسها وعن حماية أعضائها وحماية حقوقهم ومكتسباتهم وتحقيق مطالبهم ورفع مستواهم المهني والإقتصادي والإجتماعي. وهي غائبة عن المشاركة والمساهمة في وضع السياسة الإقتصادية والإجتماعية للحكومات اللبنانية، وغير قادرة على تفعيل مشاركتها في الهيئات الثلاثية التمثيل إلى جانب الدولة وأصحاب العمل، وليس لديها القدرة على التأثير في تشكيل الحكومات وطريقة عملها، أو في الضغط على الأحزاب والهيئات لتبني مطالب عمالها، بل وأكثر من ذلك أصبح الإتحاد العمالي العام، الذي يمثل الحركة النقابية رسمياً، ضحية للهيمنة والإنقسامات السياسية والطائفية والفئوية في البلاد.

إن غياب الممارسات الديمقراطية داخل المنظمات النقابية وتهميش آليات التواصل والأنشطة وبرامج التدريب النقابي وتدني نسبة الإنتساب والمشاركة في صفوفها ساهم في انعدام استقلاليتها وفعاليتها، وساعد على تعشش الفساد في بعض زواياها ومفاصلها، وغابت الشفافية المالية عن قيودها، وهو ما زاد من إتساع الهوة بينها وبين العمال وعمق من أزمتها الداخلية وعزلها عن الهموم المعيشية والمطلبية لأعضائها.

إن إقتصار التحركات المطلبية كردات فعل مستمرة على الأزمات المعيشية والحياتية التي يواجهها العامل في القطاعين العام والخاص، وغياب الرؤية الإقتصادية والإجتماعية والبرامج النقابية المطلبية الموحدة للنقابات والإتحادات النقابية، شجع أصحاب النفوذ المالي والسياسي والطائفي في الإجهاز على آخر أمل للطبقة العاملة بإنتاج حركة نقابية ديمقراطية وفاعلة قادرة على التأثير والمساهمة في تحقيق تنمية حقيقية شاملة تعيد الإعتبار للقطاعات الإنتاجية الزراعية والصناعية، وتعيد بناء الإقتصاد الحقيقي بدل الإقتصاد الريعي والمالي الذي فرض قسراً على لبنان.

ما العمل؟

إن الحركة النقابية مدعوة اليوم أمام الضغط المعيشي الهائل، وأمام التدخلات الخارجية في شؤونها، وأمام الترهل والإهتراء وتفشي الفساد في بنيتها التنظيمية، إلى الإعتراف بضرورة إعادة بناء هيكليتها التنظيمية وممارسة أرقى المعايير الديمقراطية في علاقاتها الداخلية والخارجية، والعمل على رفع نسبة الإنتساب والمشاركة في صفوفها، والتشبيك الواسع مع كافة هيئات المجتمع المدني والمنظمات والإتحادات النقابية الإقليمية والدولية. وإذا كان هذا البرنامج الإصلاحي يتطلب مزيداً من الوقت والتحضير والمتابعة، فما على الإتحاد العمالي العام والمنظمات والإتحادات النقابية سوى المبادرة إلى فتح حوار نقابي شامل تشارك فيه كافة القوى النقابية الديمقراطية من كافة القطاعات والمؤسسات والإدارات العامة والخاصة، بهدف رسم خارطة طريق نقابية واضحة من أجل إعادة بناء الثقة بالنقابات ووضع الخطوط العريضة لعناوين مطلبية نقابية شاملة، والإتفاق على برنامج لتحركات وأنشطة تؤدي إلى تحقيق المطالب وتعيد الحياة والنكهة النضالية الوطنية للحركة النقابية، وتلغي حالة الإغتراب التي تعيشها مع جماهيرها وعمالها.

البديل الديمقراطي

ماذا إذا فشلت الدعوة إلى فتح حوار نقابي بين كافة القوى النقابية؟

وما هو موقف القوى النقابية الأساسية التي لم تزل مترددة في إتخاذ موقف جذري مما يحدث على الساحة النقابية؟

هل هناك بديل ديمقراطي عن الإتحاد العمالي العام؟

هذه الأسئلة وغيرها الكثير تطرح بمرارة في اللقاءات والندوات وورش العمل النقابية، ولكنها لم تجد لغاية اليوم الترجمة الفعلية للرد عليها، بالرغم من كل المحاولات الحثيثة والجادة التي تقوم بها مجموعة من القوى والشخصيات النقابية المعروف عنها غيرتها وحرصها على العمل النقابي بما هو رافعة للعمل الوطني الحقيقي الذي يتجاوز مختلف الإنقسامات العامودية التي تنخر بنية الوطن وتهدد وحدته وتطوره وتطور نظامه السياسي والإجتماعي والإقتصادي.

إن المسؤولية الكبرى في تحريك عجلة التغيير الديمقراطي في الحركة النقابية اللبنانية تقع على عاتق القوى النقابية المؤمنة بالتغيير، والتي تؤمن بأن الخطاب النقابي هو النقيض تماماً للخطاب الفئوي والطائفي السائد، وبأن التغيير يجب أن يطال كامل الهيكلية النقابية ومنظومة القوانين التي ترعاها، وبما يكفل حرية التنظيم النقابي وفق معايير العمل الدولية والوطنية.

إنه التحدي الحقيقي الذي يواجه المناضلين النقابيين والذين أفنوا زهرة شبابهم بالنضال من أجل حركة نقابية ديمقراطية ومستقلة، وهو التحدي ذاته الذي يواجه جيل الشباب الواعد والمؤهل للدخول إلى ميادين العمل والباحث عن مساحة حرة يمارس فيها قناعاته بعيداً عن القيود السياسية والطائفية. وفي خضم كل ذلك تبقى الأنظار شاخصة إلى النقابات والإتحادات النقابية الديمقراطية ذات التمثيل النقابي الواسع لأخذ المبادرة والإمساك بزمام الأمور وقيادة التغيير الحقيقي الذي يبدأ اليوم ومن حيث نقف تماماً. فهل هناك من هو قادر على مواجهة هذا التحدي وتحمل المسؤولية الوطنية الكبرى في ذلك؟ لنعمل ونرى...


أحمد حسّان

عضو الهيئة الإدارية في المركز اللبناني للتدريب النقابي

تعليقات: