نازحو شبعا: إفطارنا ليس بيدنا.. وأم محمد، تجاعيد نزوح

نازحة تحضر وجبة رمضانية لأطفالها في شبعا (طارق أبو حمدان)
نازحة تحضر وجبة رمضانية لأطفالها في شبعا (طارق أبو حمدان)


«قصدت مع زوجي سوق الخان الشعبي عند الطرف الغربي لحاصبيا، بهدف التزود بالخضار واللحمة والقليل من الحلويات وبأسعار مقبولة»، تقول النازحة من حلب عفيفة النوري. تضيف: «لقد خاب ظنّنا عندما وجدنا أنّ تجار البسطات الصغيرة استغلوا رمضان، وعملوا على رفع الأسعار وبنسبة راوحت بين 10 و 20 في المئة. فرق كبير بين الأسعار في سوريا ولبنان، فكلفة إفطار لبناني يعادل كلفة خمسة إفطارات في سوريا. لكن ليس في اليد حيلة وعلينا التكيف مع هذا الواقع الأليم».

عملت إحدى الجمعيات الخيرية اللبنانية بالتعاون مع بلدية شبعا، على توزيع مساعدات تموينية لمناسبة شهر رمضان، يقول النازح من ريف دمشق عبد الله اللقيسي القابع في إحدى غرف جامع البلدة الذي يضم أكثر من 50 عائلة.

وتقول زوجة عبدالله يسرى: «لقد سررنا في تأمين وجبات رمضان لفترة أسبوع تقريباً، لكن ما تحويه المساعدات يقتصر على المعلبات وبعض الحبوب إضافة إلى الشاي والزيت، أما اللحمة فلم تتوافر وكذلك الفروج، وإن توافرت فبكميات محدودة ولا نملك براداً لحفظها، والغاز المتوافر صغير الحجم ولا يصلح للطبخ، ونلجأ إلى موقد الحطب في أكثر الأحيان. لقد بات رمضان هماً على النازحين، في ظل هذه الظروف المعيشية الصعبة التي نعيشها».

وتشكو النازحة أم محمد خيرية البشويش من إدلب، وهي تسكن مع أطفالها الخمسة في مرأب سيارة لا تتعدى مساحته الـعشرة أمتار مربعة، وليس فيه مطبخ، وقد اختارت زاوية المرأب لتضع فيه غازاً صغيراً وبعض أواني الطبخ.

تقول: «إفطارنا بسيط ويقتصر على طبخة واحدة، مما توفره كرتونة الهيئة العليا للإغاثة، وأختار في أكثر الأحيان المعكرونة فهي لا تحتاج وقتاً كثيرا لتُطهى، وهكذا أوفر الغاز».

«لم يغير رمضان من طعامنا»، يقول النازح ابو داود جاد الغربلي من ريف حلب، «فما كنّا نأكله في الأيام العادية سيبقى ذاته في رمضان. فإمكاناتنا المادية معدومة، والمهم بالنسبة إلينا أن نأكل لنعيش فحسب». ويشير النازح من إدلب عبد الحكيم الزيريان إلى أنّ «تحضير وجبة إفطار واحدة لخمسة أشخاص يكلف بين 30 و40 دولاراً أميركياً، وهناك وجبة السحور أيضا كلفتها بحدود الـ20 دولاراً، وأنا أتقاضى يومياً عن عملي في إحدى مزارع الدجاج، مبلغاً لا يتعدى الـ20 دولاراً، فكيف سنتمكن من اجتياز مصاريف هذا الشهر، في ظل العوز والفقر المستشريين، علماً أنّ العائلة بحاجة إلى مصاريف».

لا تملك النازحة سوسن الصفيدي من بيت جن مالاً، وليس عندها أي مردود مادي. سوسن التي قضى زوجها منذ نحو سنة، تعيش مع أطفالها الخمسة في غرفة صغيرة معتمة، وحياتها مرهونة بالمساعدات التي تقدمها الجمعيات المحلية والدولية ومن الخيرين الذين يشفقون على حالها.

تقول: «لا يمكننا شراء أي شيء في رمضان، إفطارنا معلبات السردين والبيض مع فنجان شاي. ليته يكون آخر رمضان نمضيه خارج بلدنا».

..

.

أم محمد.. تجاعيد نزوح

كانت الحاجة الثمانينية أم محمد صالحة العميري، مسمّرة على ظهر بغل منهك، قبل أن تحط رحالها في جنعم عند الطرف الشرقي لبلدة شبعا، طلباً للأمن والأمان. أم محمد الهاربة مثل كثيرين من بلدتها المنكوبة بيت جن، عند المقلب الشرقي لجبل الشيخ، بدت مربكة وخائرة القوى، فهي لم تتوقع يوماً أن تضطر لسلوك طريق النجاة الوعرة والصعبة المسالك هذه.

تقول: «لقد أمضينا أكثر من سبع ساعات في مرتفعات جبل الشيخ المكللة بالثلوج، حيث نسمة البرد القارس تنخر العظام. إنها فعلاً رحلة العذاب المتمادي في بلدنا المجروح».

ترفع أم محمد يدها المثقلة بالهموم، لتلقي السلام على من كان في انتظارها والقافلة التي ضمّت أكثر من 23 مواطناً، معظمهم من النساء والأطفال.

«لا أنشد سوى الهدوء والسلام»، تردّد بصوت خافت، وقد سارع مسعفان من الصليب الأحمر إلى مساعدتها في النزول عن ظهر البغل، لتسير بخطى مبعثرة إلى صخرة محاذية، وتجلس لترتاح من عناء السفر المضني، وكاد البغل يوقعها عن ظهره أكثر من مرة.

في ثغرها الكلام الكثير، لكنّها لا ترغب في التحدث إلا مرغمة وبعد إلحاح السائل. «لا ينفع الكلام في مأساة كهذه» تردد، الدمار. القتل. التهديم. الحرائق. الجرحى. الصراخ. عذاب الأطفال. العوز. المرارة. لقد بدلوا الأمن والأمان والحياة الهانئة، بأزيز الرصاص ورائحة البارود والفوضى القاتلة، هنا مع الثوار ابناء وأحبة وهناك مع النظام ايضاً أعزاء نحترمهم.

ام محمد الممدودة القامة القاسية البشرة، أشبه بلوحة صخرية، تخفي في أخاديدها المجعدة، مآسي ما مرت به من شقاء الأيام والسنين، لتضاف الى هموم وويلات الحرب الحاقدة، التي طالت كل شيء من دون رحمة، فباتت عن حق تجسد ذلك الوضع الغريب، لبلد تميز بالأمن والاستقرار ولشعب لم يعرف البغضاء والطائفية يوماً. تسأل ولا تعرف من يعطيها الجواب: إلى متى سنبقى في دوامة العذاب المثقل بالهموم، متى تنتهي الحرب؟ هل سنعود يوماً إلى قرانا التي باتت خراباً، لكنها تتنفس الصعداء للحظة لتقول: لينل كل من جنى على بلدنا عقاب الآخرة، وإن الله على كل شيء قدير.

أم محمد لحظة وصولها إلى شبعا (طارق أبو حمدان)
أم محمد لحظة وصولها إلى شبعا (طارق أبو حمدان)


تعليقات: