سرقة السيارات في لبنان.. حرفة متقنة وتجارة رابحة

سرقة السيارات في لبنان.. حرفة متقنة وتجارة رابحة تنفذها عصابات متخصصة تنتشر في مختلف المناطق
سرقة السيارات في لبنان.. حرفة متقنة وتجارة رابحة تنفذها عصابات متخصصة تنتشر في مختلف المناطق


تلعب مؤسسات ما يعرف بـ«تصنيع واستنساخ لوحات السيارات» دورا أساسيا أيضا في عمليات السرقات والتزوير

بيروت:

«الرجاء من سارق سيارة (نيسان باترول) لون خضراء، التواصل مع صاحبها من أجل إعادتها لقاء مبلغ ضخم».. هكذا اختار مصطفى النشار مناشدة سارقي سيارته عبر وضع إعلان مرفق برقم هاتفه أمام منزله في طرابلس شمال لبنان، طالبا منهم و«بكل لباقة» إعادتها له مقابل مبلغ من المال بعدما فقد الأمل في إمكانية الحصول عليها عن طريق الجهات المختصة. وإذا كان خبر السرقة هذا ليس بالشيء الجديد أو الغريب، فأن يختار صاحب السيارة شراء سيارته وأن يدفع مقابل ذلك مبلغا من المال هو بالتأكيد ليس بالأمر العادي أو المعهود إلا في لبنان حيث «طقوس» سرقة السيارات أصبحت حكرا على بعض اللبنانيين بعيدا عن أدوار فاعلة للجهات الأمنية. انطلاقا من هنا كانت خطوة النشار «السلمية» تجاه السارقين، وهم الذين اعتادوا أن يقوموا بالاتصال بصاحب السيارة طالبين منه دفع المال مقابل استرجاع سيارته. لكن يبدو أن حظ النشار السيئ أوقعه في أيدي سارقين «أكثر طمعا» من المعتاد، فما كان منه إلا أن قدم العرض بنفسه؛ فبعد مرور ثلاثة أيام على فقدان سيارته ذات الدفع الرباعي، اختار أن ينشر إعلانا على مقربة من منزله. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «رغم علمي بعدم إمكانية استعادتها، فإنني بلغت القوى الأمنية عن اختفاء سيارتي لحظة اكتشافي الأمر، لرفع المسؤولية عن نفسي في حال تم استخدامها لأي أمر مشبوه وكذلك عن الأوراق الثبوتية التي كانت موجودة في داخلها».

ويلفت النشار إلى أن ظاهرة سرقة السيارات في منطقة الشمال بدأت تنتشر بشكل كبير في الفترة الأخيرة، كاشفا عن أنه خلال 3 أيام تمت سرقة سيارتين من النوع نفسه، أي «Jeep»، وكان قد سبقهما سرقة نحو 10 سيارات، 3 منها يستخدمها أصحابها في رحلات «Offroad»، وينتسبون إلى ناد خاص يجمعهم في طرابلس. لذلك فإن قيمة الواحدة منها تكاد تكون مضاعفة عن ثمنها الحقيقي الذي يبلغ 18 ألف دولار، نظرا إلى التحسينات المضافة إليها التي تميزها عن غيرها، بحسب النشار.

وفي حين تتشابه عمليات سرقات السيارات في لبنان التي تحولت إلى تجارة رابحة مستهدفة الحديثة منها والقديمة، دون أن توفر شركات تأجير السيارات. وتتعاون على تنفيذ السرقات، عصابات ومافيات كبيرة وصغيرة لبنانية وغير لبنانية، تتمركز في مناطق لبنانية محددة، على رأسها «بريتال» في بعلبك. ويخضع تسويق السيارات المسروقة بدوره لوسائل عدة؛ فالبعض يفاوض لإعادتها إلى أصحابها على دفع مبلغ من المال، والبعض الآخر يبيعها على شكل «قطع» دافنا بذلك فعلته، فيما يكون مصير قسم من السيارات التصدير إلى الخارج. وهو الأمر الذي كان رائجا بشكل كبير قبل بدء الأزمة السورية، بينما تراجعت وتيرته هذه الفترة بشكل ملحوظ.

وليس غريبا مثلا أن أحد اللبنانيين وجد سيارته المسروقة تسير في شوارع تركيا بعد أشهر عدة على سرقتها.

ووفق إحصاءات قوى الأمن الداخلي اللبناني التي حصلت عليها «الشرق الأوسط» فقد سجل سرقة 90 سيارة خلال الفترة الممتدة بين الأول من شهر يوليو (تموز) الحالي عثر على 19 منها فقط، بينما تمت سرقة 67 سيارة في الفترة نفسها من العام الماضي، عثر على 22 منها.

كذلك، فالحادثة التي تعرض لها (عمر ح) أيضا منذ خمسة أشهر، تختصر بدورها خفايا عمليات السرقة التي تحترفها عصابات في مختلف المناطق اللبنانية. ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «عند اكتشافي أن الحافلة التي أستخدمها في نقل البضائع قد سرقت، أبلغت القوى الأمنية التي تعامل عناصرها مع الأمر بإهمال وقالوا لي إذا كان حظك جيدا فستجدها مركونة في مكان ما أو يتصلون بك لتعاود الحصول عليها مقابل مبلغ من المال. ولم أكن أتوقع أن أستطيع استعادتها. لكن بعد أسبوع تلقيت اتصالا تبين أن مصدره الأراضي السورية يطلب مني دفع مبلغ من المال لاستعادة الحافلة. عندها لم أبد تجاوبا مع العرض، نظرا إلى معرفتي المسبقة بالاحتمالات التي قد أتعرض لها، إذا تفاوضت معهم أو قابلتهم، من بينها القتل. لكن بعد ذلك أخبرني صديقي أن هناك شخصا يقوم بدور (المندوب) بين السارقين وأصحاب السيارات شرط أن يحصل على رقم الهاتف السوري الذي تم الاتصال منه. وافقت على الأمر شرط أن لا أقابل أي شخص من الطرف الآخر، وقد قام هذا المندوب بالمهمة على أكمل وجه من دون أن أعرف هويته الحقيقية، مشترطا الحصول على مبلغ 500 دولار بينما حصة السارق بلغت 1000 دولار أميركي». وأكد عمر أنه لم يخبر القوى الأمنية بتفصيل ما حصل، مكتفيا بالقول إنه وجدها مركونة في منطقة معينة.

ويلفت عمر إلى أنه وجد سيارته موضوعة في مكان ما على الحدود السورية - اللبنانية، بعدما تم تجريدها من معظم مقتنياتها الأساسية. وهنا يشير إلى أنه من خلال أخبار السرقات التي تنتشر يوميا يبدو أن هناك «مخبرين» لكل عصابة في منطقة معينة، يقومون بالبحث والتفتيش عن نوع السيارة التي يحتاجها رؤساء هذه العصابات، وهم يؤمنون طلبهم بعدما تتم مراقبة السيارات بشكل يومي، لافتا إلى أن السيارات القديمة مثل الحافلة التي سرقت منه، تتم سرقتها لاستخدامها في جرائم أو عمليات سرقة أخرى، بينما تلك الغالية الثمن يتم تصديرها أو ابتزاز أصحابها لبيعها لهم. وهذا ما يؤكد عليه أيضا مصدر أمني لـ«الشرق الأوسط»، لافتا إلى أن التقنيات والتعقيدات التكنولوجية قد تحول في بعض الأحيان دون القدرة على الاحتفاظ بالسيارة المسروقة.

ويكشف عمر عن أن أكثر عمليات سرقة السيارات، تتم في الليالي التي يكون فيها التيار الكهربائي مقطوعا، وخصوصا مساء السبت الذي يليه يوم عطلة.

كذلك، تلعب مؤسسات ما يعرف بـ«تصنيع واستنساخ لوحات السيارات» دورا أساسيا أيضا في عمليات السرقات والتزوير على حد سواء، وذلك من خلال إزالة اللوحة الأساسية للسيارة المسروقة ووضع لوحة أخرى، ليتم فيما بعد توجيهها نحو الهدف الذي ستستعمل لأجله.

ولأن السيارات الفخمة تكون عادة مصدر جذب بالنسبة إلى السارقين، فكان أحد ضحاياهم في عام 2009 نجل ولي عهد دبي الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، وذكر التقرير الأمني حينها أنه في منطقة صوفر في جبل لبنان اعترض مسلحون بمسدسات وبنادق رشاشة السيارة وقام أحد المسلحين بقيادتها بسرعة وفر بها شرقا باتجاه وادي البقاع (شرق لبنان). وفي حين نفى المصدر الأمني أن تكون عمليات السرقة مغطاة من قبل بعض الجهات السياسية، وإن كان بعض الذين يقومون بها تابعين لها، لم ينف الخبر الذي أشيع منذ فترة من أن بعض الشخصيات التابعة لجهة سياسية لبنانية معينة، عمدت إلى شراء عدد من السيارات اكتشف بعد ذلك أنها مسروقة.

مع العلم أن «بلدة بريتال» في البقاع المعروفة بأنها معقل سارقي السيارات، ذاع صيتها ليس فقط في لبنان بل حتى في الدول العربية، وتحولت إلى محور أساسي في كثير من البرامج الكوميدية والمسرحيات التي تنتقد الوضع الأمني اللبناني. ورغم أنه يسجل بين حين وآخر تنفيذ مداهمات أمنية في هذه المنطقة تنجح في مصادرة عدد من السيارات المسروقة في هذه المنطقة، إلا أن واقع القضية يأخذ أبعادا سياسية وأمنية وعشائرية «بعلبكية».. الأمر الذي يجعل القوى الأمنية غير قادرة على السيطرة على الوضع أو الحد من هذه الظاهرة بشكل نهائي. وفي هذا الإطار، يلفت المصدر الأمني إلى أن معظم عمليات السرقة تتم في مناطق جبل لبنان، بينما يتم إرسال معظم السيارات إلى مناطق بقاعية أو تصديرها إلى خارج الحدود، مؤكدا أن القوى الأمنية تقوم بمهامها بناء على معلومات وبلاغات تصل إليها، كما تقوم بتنفيذ مهمات دورية تنجح خلالها في إلقاء القبض على عصابات محترفة وأهمها في منطقة «بريتال» البقاعية. وهنا يلفت إلى أن عصابات كبيرة ومتخصصة تخطط لهذه السرقات بينما المنفذون هم في معظمهم من الشباب الصغار الذي يحصلون مقابل فعلتهم على المخدرات أو مبالغ زهيدة.

كذلك، كان لـ(سامي ك)، وهو صاحب شركة لتأجير السيارات، تجربة مع عصابات سرقة السيارات، فبعدما استأجر أحدهم منه السيارة بأيام قليلة، اتصل به لابتزازه وليخبره بأن عليه دفع 15 ألف دولار أميركي مقابل استعادة سيارته. ولأن سامي كان قد تعرض لضرب الاحتيال نفسه منذ ثلاث سنوات ولم يتمكن من استعادة السيارة، قرر هذه المرة مجاراة السارقين ولقاءهم في منطقة بريتال، حيث يؤكد لـ«الشرق الأوسط» أنهم استقبلوه بالترحاب وقدموا له القهوة، لكنهم رفضوا تخفيض المبلغ أكثر من 300 دولار، بحجة أنهم يريدون تغطية أتعابهم.

ولأن سرقة السيارات أصبحت من الأخبار الأمنية اليومية بالنسبة إلى اللبناني الذي تأقلم مع الوضع، باتت الحيل سيدة الموقف وما يرافقها من احتياطات تبعد إلى حد ما شبح السرقة عن السيارات، وإن كان ذلك لا يعني نجاح الخطط في كثير من الأحيان. فليس غريبا مثلا أن يهمل اللبناني سيارته عن سابق تخطيط، تاركا إياها متسخة، كي لا تجذب عين السارقين، أو أن يمتنع عن شراء سيارة فخمة وإن كان يمتلك ثمنها، خوفا منه أن تلحق بمثيلاتها.

وكما فعل النشار فعل أبو أحمد مثلا، في منطقة الأشرفية، حيث أوقفه أحد الأشخاص مهددا إياه بقوة السلاح للنزول من سيارته، فما كان من صاحب السيارة إلا أن قال له: «إذا أخذتها الآن ستعود وتتصل بي لاحقا لأدفع لك مبلغا من المال، في جيبي 2000 دولار، خذها الآن واختصر الطريق علي وعليك». وهو الأمر الذي وجد فيه السارق ربحا أيضا. بينما اختار لبناني من منطقة في جبل لبنان أن يحمي سيارته من خلال ركنها في وسط الموقف الخاص بمنزله، وحرص على أن يحيطها بسيارتين قديمتين موجودتين لديها قاطعا بذلك الطريق أمام السارقين للقيام بمهمتهم، لكن في اليوم الوحيد الذي نسي أن ينفذ الخطة نفسها بعدما كان قد عاد باكرا إلى البيت، كان له الطامعون بالمرصاد وخسر سيارته.

تعليقات: