كبار السن في بلدة الطيبة: يتعكزون على السنين

عصرونية النساء على \
عصرونية النساء على \"ركيزة\" المركز في الطيبة (نبيلة غصين)


يمشون بهدوء. يتعكزون على السنين الباقية من حياتهم. يستجدون من أيامهم أملاً بدقائق جميلة. هم كبار قرية الطيبة، ومسنوها، التي حفرت شجرة العمر في وجوههم وأيديهم جذوراً رقيقة.

كبار القرية أصبحوا اليوم كالأحجار النادرة، فما عادت ساحات القرى التي لطالما سرقت ضحكات طفولتهم، وخبأتها بين أزقتها تعج بهم. وما عادت الجلسات أمام الدكان تحتفي بوجودهم، إنما باتت تقتصر على قلة قليلة منهم، بعدما كانوا يملؤون المكان، يجتمعون في ساعات العصر، يجلسون على حجارة صخرية أو على ما يسمى بـ«الركيزة». وهي عبارة عن مقعد من الإسمنت. تضاءلت تلك التجمعات، فبات كل واحد أسير منزله وأسير نمط جديد من الحياة لا يشبهه البتة.

ذلك النمط الجديد، وما يرافقه من تبعات مؤلمة لتلك الفئة العمرية، كان محط اهتمام للعديد من الجمعيات. فبرزت في الأعوام الأخيرة مسألة الاهتمام بكبار السن من خلال افتتاح دور للعجزة ونواد ومراكز متخصصة. لم يقتصر ذلك المدينة، بل خصصت بعض القرى رعاية للمسنين، ومنها الطيبة ـــ قضاء مرجعيون، حيث تم افتتاح ناد للمسنين فيها منذ نحو سنتين. وهو «نادي العطاء الترفيهي».

يقع النادي على التلة مطلة على واد سحيق، يبعد عن ساحة القرية نحو ربع ساعة بالسيارة. لذا تم تكليف أحد أعضاء البلدية بنقل المسنين من وإلى لنادي كل يوم. يتألف النادي من أربع غرف، وباحة أمامية مسقوفة. إحدى القاعات خصصت للأنشطة اليومية، غرفة تستخدم كعيادة للإشاف الصحي، وغرفتا نوم للاستراحة والاستلقاء.

في قاعة المحاضرات اجتمعت المسنات وكأنهن في فسحة مدرسية بين حصيتن. أمهات وجدات وبنات كبرن عازبات. ناقشن خطة عمل النادي للأسبوع المقبل. وحددن معاً مواعيد النشاطات الخارجية. في عيونهن حماسة الشباب. في ضحكاتهن روح الأطفال.

راجعن سوية المحاضرة التي أعطاها طبيب حول مرض السكري. إحداهن شرحت الحركات الرياضية التي تعلمنها. أخرى تحدثت عن الرحلة المقبلة التي سيقمن بتنظيمها.

كالطفل الموعود بشراء لعبة أو بالخروج من المنزل، تقول الحاجة زينب عربيد «لما بيكون عنا رحلة ما منام كل الليل، منفيق بكير ولما نرجع منضل نخبر عن الرحلة شي شهر». أما الحاجة صباح قازان فتعتبر أنه قبل افتتاح المركز كانت تمضي وقتها أسيرة المنزل. أما اليوم فقد أتيحت لها فرصة التعرف إلى أبناء قريتها، «من زمان كانوا الناس يفوتوا عن بعض يزوروا بعض كان في محبة وإلفة، اليوم العالم بتلفن لبعضها عالتلفون وبتعرف أخبار بعضها».

تجلس الحاجة مريم مرمر في إحدى الزوايا، تشارك بابتسامتها وبإيماءة من رأسها بين الحين والآخر. هي أم لخمسة شبان سافروا جميعهم خارج البلاد. نشاطات المركز استطاعت تعويضها عن الفراغ الذي خلفه غياب أولادها ووفاة زوجها، فهي تجتمع مع أترابها وتستفيد من النشاطات اليومية.

تشرح مديرة المركز قازان أن «الهدف من إنشاء النادي هو الاهتمام بالكبار. وذلك بعدما لمسوا انعدام التفاعل الإجتماعي لهذه الفئة العمرية، فغالباً ما تكون حياتهم مفعمة بالنشاط والحيوية خلال فترة تربية الأولاد. وما إن يتزوجون ويغادرون منازهم حتى يشعر الأهل بالفراغ. وتداهمهم الأمراض وتـــــقل حركتهم حتى يصــــبح خروجهم من المنزل نادراً جــداً، من هنا كــــانت فكرة النــــادي».

وتوضح فتوني أن المركز «كان مخصصاً للذكور والإناث، إلا أن الرجال لم يتجاوبوا مع الفكرة كثيراً، لذا يقتصر الحضور اليوم على السيدات فقط».

يبدأ البرنامج اليومي من الساعة الثامنة والنصف صباحاً، يشمل المحاضرات الطبية، والأشغال اليدوية، والحصص الرياضة وغيرها. وتعتبر فتوني أن «المركز أتاح للعديدات اللقاء بأصدقاء الطفولة. وهنا نتحدث على الحاجة نايفة عواضة، التي قمنا بزيارتها لاحقاً في منزلها لأنها كانت متغيبة.

استقبالها كان كـ«استقبال الأهل الأعزاء». لم تبارح الحاجة نايفة القرية منذ ولادتها، حتى خلال فترة الاحتلال كانت تقوم بخبز «المرقوق» وبيعه للدكان. إلى أن استبد بها المرض وبقيت قبل إنشاء النادي بنحو سبع سنوات أسيرة حيطان منزلها. استطاع النادي إخراجها لرؤية الناس من جديد. وهناك التقت عواضة بأصحاب لم تلتق بهم منذ أكثر من ثلاثين سنة.

نبيلة غصين

< المقال السابق

تعليقات: