الحدود الجنوبيّة.. هدوء

تطل نقطة \
تطل نقطة \"اليونيفيل\" عند المدخل الشرقي لبلدة العديسة على حيز كبير من فلسطين المحتلة (كامل جابر)


لا يزيد منسوب التهديدات التي تطلقها إسرائيل حيناً تجاه لبنان، أو تلك التي تطلقها الولايات المتحدة الأميركية ضد سوريا، وما يمكن أن يعكسه تنفيذ التهديد بضربها على الجبهة الجنوبية اللبنانية، أو يُنقص، من وتيرة الحياة اليومية «شبه الروتينية» للمواطنين الجنوبيين المقيمين في القرى الحدودية الممتدة بين مرجعيون وبنت جبيل، وصولاً إلى الناقورة وشرق صور. إذ ثمة إجماع بينهم، على أن شيئاً لم يتبدل على الأرض، إن لجهة حشود إسرائيلية، لم يلحظوها، أو استنفار للمقاومة يمكن معاينته بالعين المجردة.

حتى أن المتفجرات المتنقلة في لبنان، لم تأخذ كثيراً من اهتمامهم أو تشكل لهم عامل قلق وخوف «فأجواء هذه المنطقة هي قروية بامتياز، ولا يمكن لغريب أن يتسلل بينهم، إذ إن «الكل هنا يعرف الكل»، يقول ربيع شيت من كفركلا.

من قرية إلى قرية في المنطقة الحدودية، تتردد عبارة «الوضع هنا أفضل من العاصمة بيروت». ويؤكد الأهالي أن عائلات عديدة تركت بيروت، والضاحية الجنوبية تحديداً، في أعقاب التفجيرات وتزايد التهديدات الأميركية لسوريا، ولجأت إلى قراها الجنوبية «لإحساس عام يسود هنا في المنطقة الحدودية، أن الأمن مستتب، وأن لا مواجهات عسكرية محتملة في ظل التهديدات غير الجدية، أو المضطربة، التي تصدر عن أميركا وحلفائها، وحتى عن العدو الإسرائيلي»، والكلام لعبدالله عبود من العديسة.

في كفركلا يتوزع أصحاب المحال التجارية المنتشرة على طول الطريق بين مدخل البلدة الشمالي ومدخلها الجنوبي الشرقي، أمام متاجرهم. ففي أيام الأسبوع، قبل عطلة نهايته، لا زوار للمنطقة أو «متسوقين» من خارجها يمكن أن يفعّلوا الحركة التجارية فيها، أما الزراعة فهي معدومة منذ سنوات طويلة. وما كانت تدره عليهم «بوابة فاطمة» أو الحدود المكشوفة على وسط البلدة، من زوار كانوا ينشطون دورة الحياة، فقد أخمدها الجدار الإسمنتي المرتفع الذي أنشأه جيش العدو في العام 2012، فاستعاض الزوار بمحطة بديلة عند مدخل العديسة، تطل على جزء كبير من سهل الحولة والعديد من المستعمرات المكشوفة.

«لا نعتقد أن الجنوب سيكون مفتوحاً على مواجهات عسكرية قريبة، أما ما نسمعه من تهديدات فهي تحاول أن تحصد أثماناً سياسية أكثر منها عسكرية» يقول أحد أصحاب متاجر كفركلا من عائلة برّو (معظم من تحدثنا إليهم في كفركلا رفضوا ذكر أسمائهم). أما حسان برّو الذي يبيع أحذية «أوروبية» (بالية) فيعتبر «بثقة بالغة» أن «أميركا طول عمرها كذابة»، ويتحدث عن انه «في عدوان تموز 2006 بقيتُ هنا ولم أترك البلدة، وهكذا سنفعل لو حصل عدوان ما. لكن يقيناً عندي اليوم، أننا نحن (المقاومة) سندخل إلى مستعمرة المطلة وربما أبعد من ذلك، إذا وقعت حرب أو مواجهات». لا ينفي برو ما تعانيه الحركة الاقتصادية من ركود ملحوظ، «بسبب تراجع فرص العمل في المنطقة الحدودية، ومحدودية مداخيل الناس».

يذهب «أبو أكرم» علي حسين شيت بعيداً في توصيف حال الأهالي في ظل تزايد التهديدات «من هنا وهناك»، إذ إنه «لا توجد دولة بمعنى الدولة في كفركلا وفي المنطقة الحدودية بأسرها، ومع ذلك فلا مشاكل بين الناس تعكر صفو حياتهم أو تشكل قلقاً مستمراً، لكن جميع بيوت البلدة، التي يقيم فيها حالياً نحو 9000 فرد من أهلها، مترامية أمام مواقع العدو، والناس إذا ما حصل عدوان، لا خيارات أمامهم في النزوح، بسبب التحريض المذهبي الذي أقفل مناطق لبنانية كانت مفتوحة خلال عدوان تموز 2006 بوجه أبناء الجنوب، فضلاً عن أن خيار النزوح نحو سوريا لم يعد قائماً، إذ يكفيها ما يحصل فيها وعليها».

تطل نقطة الجنود الاندونيسيين العاملين في إطار «اليونيفيل» عند المدخل الشرقي لبلدة العديسة على حيز كبير من فلسطين المحتلة (هي واحدة من ثلاث نقاط للفرقة الاندونيسية تنتشر على مدخل العديسة قبل حاجز الجيش اللبناني)، تحولت هذه النقطة محطة للزائرين أو العابرين، لمراقبة الأراضي الفلسطينية في سهل الحولة، أو لالتقاط صور تذكارية مع جنود الأمم المتحدة. أكثر ما يفعله الجنود هو المبادرة إلى إلقاء التحية على العابرين أو ممازحة «الضيوف». أما رشاشات آلياتهم المركونة إلى جانب الطريق، فهي مغطاة ومسدلة.

«أصلا لا دور لهؤلاء الجنود أو غيرهم من جنود الأمم المتحدة غير المراقبة»، تقول «غادة» صاحبة «استراحة بلو لاين» (الخط الأزرق)، التي تقع في الجهة المقابلة لنقطة «اليونيفيل». وتؤكد «أن هؤلاء الجنود لا يمكنهم أن يفعلوا شيئاً إذا ما اعتدت إسرائيل على مناطقنا. وبرغم ما يتردد من تهديدات بضرب سوريا، وإمكانية حصول مواجهات بين المقاومة والإسرائيليين فلم نلحظ أي استنفار لهم أو حتى إعادة انتشار». أما ما حكي عن إطلاق صفارات إنذار في المستعمرات الإسرائيلية بعد إطلاق صواريخ على نهاريا (22 آب الجاري) «فلم نسمع منها لا في مسكاف عام، ولا في كفرجلعادي أو المطلة، أو غيرها من المستعمرات الإسرائيلية القريبة من منطقة مرجعيون، حتى أننا لم نر أي حشود أو تحركات غير اعتيادية لجنود العدو أو آلياتهم». وتشير إلى أن أقاربها حضروا من بيروت إلى المنطقة بعد تزايد تهديدات المتفجرات المتنقلة أو العدوان الأميركي المحتمل على سوريا.

ينفي علي رمال وجود «قلق متزايد عند الأهالي من عدوان إسرائيلي محتمل إذا حصل عدوان على سوريا». يلفت إلى أن «الجوّ هنا أكثر من طبيعي. الدوريات الإسرائيلية على الطريق القريبة لم تتبدل، إذ ثمة دورية كل نحو خمس ساعات». ويرى أن الإسرائيليين «منصرفون هذه الفترة، إلى قطاف مواسم التفاح على طول الطريق قبالة سهل الخيام وكفركلا والعديسة، فضلاً عن اهتمامهم بالموسم السياحي».

تنبض بلدة حولا بسكانها القاطنين طوال أيام السنة، وكذلك بالآتين في «موسم» الصيف. لا تعكر «التهديدات صفو الحياة ها هنا، فلطالما اعتدنا عليها» يقول المهندس طارق مزرعاني ويشير إلى أن حولا تعيش أجواء نشاطات صيفية مختلفة، لم ينغصها غير المتفجرات التي تحصل في مناطق متعددة وتحصد ضحايا أبرياء».

لم تترك التهديدات المختلفة أثرها على «عجقة» ميس الجبل، ولا على زحمة السير في شارعها الرئيسي الذي يوصل منطقة مرجعيون ببنت جبيل. ويؤكد الأهالي أن عائلات من البلدة، تقيم في بيروت حضرت إلى «هنا» بعد تفجير «الرويس». ويلفتون إلى أن البلدة شيعت (الأسبوع الفائت) أحد شهداء متفجرة الرويس موسى خليل القاروط البالغ 55 عاماً. أما محيبيب جارتها «فتعيش أجواء أكثر أمناً من أي منطقة في لبنان» يقول هاني جابر وينقل توقعات أهالي البلدة «في عدم حصول أي عدوان أو مواجهات، لأن الوقائع على الأرض لا تشير إلى تغييرات يفترض أن تسبق المواجهة أو العدوان». وقد فقدت البلدة أحد أبنائها الشهيد محمد دياب جابر في متفجرة الرويس.

«بدأ المغتربون من أبناء الخيام، الذين أتوا لتمضية الصيف هنا، بحزم حقائبهم، لأنهم غير مضطرين لمعايشة أجواء القلق التي تحصل من خلال التفجيرات أو التهديدات»، يقول المربي حسين صادق. ويشير إلى «إجراءات احترازية تقوم بها البلدية وبعض القوى الحزبية في مواجهة السيارات المفخخة، إذ إن الخيام تشكل في فصل الصيف تجمعاً بشرياً كبيراً، مما لا يمنع الحذر». لا يبدد صادق «تخوف الأهالي من وقوع مواجهات عسكرية، إذا ما حصلت ضربة أميركية مبالغ فيها لسوريا، ومع ذلك فإن أبناء الخيام يرون في بلدتهم أكثر أماناً لهم من العاصمة بيروت، لا سيما أن شهيدة من البلدة سقطت في متفجرة الرويس، هي الشابة بتول أحمد ديب عواضة (20 عاماً) التي كانت تعمل في محل لبيع الاحذية هناك».

إلى أهالي الخيام الذين يتزايد عددهم مع قدوم فصل الصيف وعطلته، تستقطب البلدة نحو 1500 مهجّر سوري، استأجر بعضهم على شكل جماعات وعائلات بيوتاً عند أطرافها، فيما أقام البعض الآخر في خيم نصبوها عند تخومها الشرقية والجنوبية القريبة من سهل «سرده والعمرة» جار الوزاني.

إن الإجراء الأكثر إزعاجاً لأبناء المنطقة وتحديداً لأصحاب السيارات المتنقلة على طول الطريق الحدودية (الرئيسية)، ما قامت به البلديات من زرع لـ«مطبات» لا تعدّ ولا تحصى، باتت تسبب العديد من حوادث السير والأعطال والازدحام، وتزيد من وقت انتقالهم. إذ يكاد بعض المطبات لا يبعد أكثر من مئة متر عن الآخر. وقد تفشت هذه الظاهرة بشكل غير مسبوق في أكثر من بلدة لا سيما في كفركلا والعديسة وحولا وميس الجبل وبليدا.

تعليقات: