الموافقة على نقل الدعوى من القاضي عيد \"اغتيال الحريري من دون محقّق\"

القادة الأمنيون الأربعة: توقيف دون توجيه تهمة
القادة الأمنيون الأربعة: توقيف دون توجيه تهمة


قرّرت محكمة التمييز أمس قبول طلب نقل الدعوى من يد القاضي الياس عيد إلى قاضي تحقيقٍ عدلي آخر يعيّنه وزير العدل لاحقاً، من دون وجود نص قانوني يلزم الوزير بمهلة زمنية محدّدة لتعيين القاضي الجديد، الذي من المنتظر أن يطّلع فور تسلّمه مهماته على أكثر من 120 ألف صفحة من التحقيقات، وآلاف التسجيلات والوثائق والإفادات

ظهر أمس، قرّرت الغرفة السادسة الجزائية في محكمة التمييز، برئاسة القاضي رالف رياشي وعضوية المستشارين القاضيين بركان سعد ومالك صعيبي، قبول طلب نقل ملف التحقيق في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري و22 آخرين، الذي يتولاّه القاضي الياس عيد، والذي تقدم به عدنان الذهبي، والد مازن الذهبي الذي استشهد مع الرئيس رفيق الحريري، بواسطة وكيله المحامي محمد مطر. وقرّرت المحكمة قبول الطلب للارتياب ونقل الدعوى من القاضي عيد إلى قاض آخر يعيّن وفقاً للمادة 360 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، التي تنص على أن يقترح وزير العدل اسم القاضي الجديد، ثم يصدر قراره بتسميته بعد موافقة مجلس القضاء الأعلى.

طلب نقل الدعوى

وكان المحامي محمّد مطر قد تقدّم بتاريخ 12/7/2007 بطلب نقل الدعوى الرقم 3/2005 (المتعلقة باغتيال الرئيس رفيق الحريري و22 آخرين) والعالقة أمام المحقق العدلي القاضي الياس عيد، «للارتياب المشروع في حياديته». ورأى مطر في طلبه أن بعض التعليقات والتحليلات الصحافية والآراء المتعلّقة بالطلب الذي كان قد تقدّم به هو إلى محكمة الاستئناف في بيروت يوم 27/6/2007 لردّ المحقق العدلي، «تثبت بما لا يرقى إليه الشك أن ثمة ما يشير إلى عدم حياد مرتقب في التعاطي بالملف، ولا سيّما أن طلب رد المحقق من بعض فرقاء النزاع من شأنه أن يوجد ارتياباً مشروعاً لدى موكّله في مدى حياد المحقق العدلي وفي حسن سير العدالة».

ومن الأسباب التي ذكر المحامي مطر في طلبه أنها تدعو إلى الارتياب، استفادة القاضي عيد من «منحة بنزين هي عبارة عن 300 ليتر مخصصة له شهرياً من المديرية العامة للأمن العام، وذلك منذ بدء عهد اللواء جميل السيد». مضيفاً أن شقيق القاضي عيد، الدكتور جوزيف عيد، بصفته طبيب عظم، متعاقد منذ نيسان 2003 بموجب اتفاق رضائي مع مكتب الشؤون الإدارية في المديرية العامة للأمن العام، واستمر في عمله حتى سفره إلى كندا نهاية عام 2006.

كذلك ذكر مطر أن القاضي الياس عيد «طلب في مذكرة ملاحظاته على طلب الرد إلزام طالبي الرد بتعويض شخصي»، معتبراً أن هذا الأمر «ينشئ خصومة قضائية».

الأمن العام و«منَح» البنزين

وبعد تقدّم المحامي مطر بطلب نقل الدعوى، أرسلت الغرفة السادسة الجزائية في محكمة التمييز كتاباً إلى المديرية العامة للأمن العام «لتأكيد أو نفي ما إذا كان القاضي الياس عيد قد استفاد من منح مقدّمة من الأمن العام لكميات من البنزين خلال عام 2004، وما إذا كان قد تسلّم هذه الكميات؛ وفي حال الايجاب، تحديد ما هي أسباب استفادة القاضي عيد من منح البنزين هذه ومن قرّرها، وما إذا كان الأمر يتم من دون علم المدير العام للأمن العام أو من دون موافقته؟».

وطلبت المحكمة من الأمن العام تبيان ما إذا كان عيد لا يزال يستفيد حتى اليوم من أي منَح بنزين أو قسائم من الأمن العام، وفي حال الايجاب، طلبت المحكمة تحديد الأسباب. وفي القرار ذاته، قرّرت المحكمة وقف السير في الدعوى موضوع النقل إلى حين النظر في الطلب المقدّم إليها.

رد الأمن العام على محكمة التمييزويوم 27/7/2007 جاء جواب المديرية العامة للأمن العام على كتاب محكمة التمييز الذي وردها عبر وزارة الداخلية، وذكرت فيه أن القاضي الياس عيد قد استفاد عام 2004، من قسائم محروقات المديرية العامة للأمن العام، بمعدل 300 ليتر شهرياً. وذكر رد المدير العام للأمن العام اللواء وفيق جزيني، أن «التخصيص بالمحروقات وتوزيعها يخضعان لقرار المدير العام للأمن العام، ولا يتم تخصيص قسائم المحروقات أو توزيعها إلا بقرار منه، مع العلم أن سبب استفادة القاضي الياس عيد يعود لتقدير المدير العام». وذكر جزيني أن عيد كان لا يزال يستفيد من قسائم المحروقات حتى شهر تموز 2007، وبالمعدّل ذاته. وقد أرفق المدير العام للأمن العام ردّه بنسخة عن صفحات السجلات التي ورد اسم القاضي عيد فيها. وتبيّن هذه السجلات أن القضاة الذين استفادوا من قسام محروقات الأمن العام خلال عام 2005 هم: عدنان عضوم (حتى أيار 2005)، خليل أبو رجيلي (ابتداءً من حزيران)، فوزي داغر (حتى حزيران)، نصري لحود (حتى تشرين الأول)، جوزيف معماري، طانيوس الخوري (حتى حزيران) والياس عيد إضافة إلى مدّعي عام التمييز (ابتداءً من حزيران).

وخلال عام 2006، تظهر سجلات الأمن العام استفادة القضاة الآتية أسماؤهم: جوزيف معماري، والياس عيد ومدعي عام التمييز. وخلال عام 2007، استفاد القضاة جوزيف معماري والياس عيد ومدعي عام التمييز إضافة إلى القاضي أنطوان البريدي الذي ورد اسمه ابتداءً من شهر أيار 2007.

وبعدما تبلّغ أفرقاء الدعوى ومدعي عام التمييز والقاضي الياس عيد طلب نقل الدعوى وردّ الأمن العام، قرّرت المحكمة يوم 31/7/2007 وقف السير في الدعوى المتعلقة باغتيال الرئيس رفيق الحريري وآخرين حتى صدور قرار مخالف عنها.

وعن قرار محكمة التمييز، الذي لم يكن فرقاء الدعوى قد تبلّغوه رسمياً أمس، ذكرت مصادر قضائية لـ«الأخبار» أن المحكمة قبلت بعدد من الأسباب التي ذكرها المحامي مطر في طلبه، وبناءً على ذلك، قبلت طلب نقل الدعوى من القاضي الياس عيد.

عازوري: استمرار الإفراغ القضائي

من جانبه، رفض وكيل اللواء علي الحاج النقيب عصام كرم التعليق على القرار المذكور لأنه لم يطّلع عليه أمس. أمّا وكيل اللواء جميل السيد، المحامي أكرم عازوري، الذي رفض التعليق على مضمون القرار الذي لم يكن قد تبلّغه بعد، فذكر لـ«الأخبار» أن قرار نقل الدعوى من القاضي عيد هو «استمرار في سياسة الإفراغ القضائي التي يجري العمل بموجبها منذ حزيران الماضي». وقال عازوري إن القانون لا يحدّد مهلة لتعيين محقّق عدلي جديد، ولا ينص على مهلة على المحقق الجديد أن يلتزمها لبت طلبات إخلاء السبيل التي تقدّم بها وكلاء الضباط الأربعة على مدى العام الماضي. ورأى عازوري أن وكلاء الدفاع عن الضباط الأربعة «انتصروا عندما لم تعد هناك آلية للاستمرار بتوقيف موكليهم سوى نقل الدعوى من قاضي التحقيق».

--------------------

بنزين

خالد صاغية

من الصعب أن يصدّق المرء أنّ القاضي الياس عيد قد نُحّي عن ملف التحقيق في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري و22 آخرين، بسبب... «بونات» من البنزين!

لكنّ قضية نقل الدعوى المتعلّقة باغتيال الحريري قد كشفت لنا (راجع ص 7) أنّ المديرية العامة للأمن العام تمنح قسائم محروقات لعدد من القضاة، بينهم مدّعي عام التمييز! أمّا كيف يتمّ ذلك؟ فبصورة قانونية جداً، إذ تعطي القوانين المدير العام للأمن العام الحق في تخصيص قسائم محروقات وتوزيعها، وأنّ سبب هذا التخصيص يعود لتقدير المدير العام، وتقديره وحده.

إذاً، تشكّل مادة البنزين في الجمهورية اللبنانية قناة الوصل بين السلطات التي يُفترض أنّ نظامنا «الديموقراطي» قائم على الفصل في ما بينها. هكذا تتواصل مديرية تابعة لوزارة الداخلية التابعة بدورها للسلطة التنفيذية مع الجسم القضائي التابع للسلطة القضائية، عبر مئات الليترات من البنزين.

أمّا المدير العام للأمن العام، في أيّ عهد، فيصبح مضطرّاً، حفاظاً على التواصل مع السلطات كافة، أن يصرف جزءاً كبيراً من وقته لتقدير عدد «بونات» البنزين الواجب توزيعها على عدد من المواطنين والقضاة و... إلخ. ومن المرجّح أنّ هذا العبء الملقى على كاهل المدير العام للأمن العام، ملقى أيضاً على كاهل مسؤولين آخرين في الدولة، يضطرون هم أيضاً للدخول في حسابات «البونات»، وفي أسئلة وأجوبة من نوع: «قدّيش بتعمل بالتنكة، معلّم؟»

تعليقات: