أساليب مبتكرة في السرقة «حروب المياه» على أسطح بيروت

 يمكن المواطنين أن يلجأوا إلى «شركة المياه» لإزالة الاعتداءات على تمديداتهم (محمد شرارة)
يمكن المواطنين أن يلجأوا إلى «شركة المياه» لإزالة الاعتداءات على تمديداتهم (محمد شرارة)


لا أحد يموت من أجل المياه. لكن الصراع تحقق، ولا سيما مع الانقطاع المتكرر للمياه. صار شغلاً يومياً. تتأزم حالة المياه في الصيف، في بيروت تحديداً. لا تهدأ حركة الصهاريج في الشارع. كأن لكل مواطن صهريجاً. وفهم شبكة المياه في البنايات ليس هيناً أيضاً. خزان كبير تحت الأرض، للبناية كلها. وخزان تحت لكل بيت، ومثله فوق السطح. وإمدادات متداخلة وكثيرة. لا يمكن فهمها بغير الاستعانة باختصاصي. كأن المياه تحتار أين تَصب. ورحلتها إلى الخزانات تأخذ، في الحالة المثالية، وقتاً بين طبقة وأخرى، وفي الغالب، لا تكفي ولا تلتزم بدوامها. فتفرغ الخزانات قبل أن تصل المياه، وغالباً ما يحصل عطل هنا أو ينفجر قسطل هناك. يشتري الناس المياه. وهو أمر مكلف طبعاً. لكن الخيارات الأخرى موجودة. لا تكلف، ربما، إلا قليلاً. اسرق جارك. ولا تنس، بعدها، ألا تترك خزانك مفتوحاً. ركّب له قفلاً متيناً. وراقب توصيلاته يومياً. هذه توصيات وإرشادات. وهو ما يمكن أن يُستنتج بعد قراءة هذه الحوادث الثلاثة التالية، والتي حصلت في أحياء متفرقة من بيروت، الشهرين الماضيين. ويمكن تعميمها، في الغالب. إنها حروب مياه في بيروت. لكنها غير معلنة، تقريباً.

ضمير حي

السرقة من خزان إلى خزان أبسط العمليات. لا تحتاج إلا إلى إبريق مياه، أو سطل تقدر على حمله بعد تعبئته. لكنها، مقارنة بغيرها، ربما هي الأخطر، ومخيفة أيضاً، إذ يضطر الجار، الذي قرر أن يأخذ من خزان جاره، أن يصعد بنفسه الى السطح. لا يمكن، في الغالب، إقفال الخزانات البلاستيكية المدورة. وهي، تقريباً، الأكثر استعمالاً في بيروت. هكذا، تُفتح بسهولة. يُفضل، كما في تجربة أصحابها، أن تنفذ هذه المهمة في آخر الليل أو عند الفجر. تقل في هذه الأوقات الحركة في البناية. وكن سيدات في شقة واحدة. تكررت هذه العملية أكثر من مرة. ثلاث يصعدن عند انقطاع المياه. يخترن الخزان. لكنهن، في دليل إلى ضمير حي، يتجهن إلى الخزان الممتلئ. وربما، لأنه أسهل طبعاً. ثم يفرغن الابريق في خزان شقتهن. وإلى آخره.

حصة الجار

تجد، دائماً، أفراداً يحبون المساعدة. وهذا ما حصل. الرجل يملك كثيراً من المياه. وهو لا يحتاج إليها كلها. عياره أوسع من غيره. وهذه مشكلة قائمة بذاتها، تقريباً. وهو يعرف أن جيرانه يعانون من أزمة مياه. اقترح على بعضهم أن يوزعوا في بينهم ما يفيض عنه. وافقواً طبعاً. وكانت الأمور تسير كما يفترض. اكتشف صاحب العيار، بعد وقت أن أحد الجيران يغش. وهو يأخذ أكثر من حقه، ويحرم غيره مما اتفقوا عليه. لم تمر المسألة من دون مشكل خفيف. لكن لم يمت أحد. وقرر في الأخير، قطع «المعونة المائية». لكن الجار الذي أخذ حصة غيره من قبل، لم يمل. وقد جرّب أن يقنع مَن كانوا يأخذون من جارهم، بأن يستمروا في استجرار المياه منه بطريقة أخرى. سأله، مَن أخبرنا هذه الحادثة وقبل أن يرفض، إذا كانت هذه الطريقة بعلم صاحب العيار. لكن حقاً، «ليس بالضرورة أن يعرف»، كما قال.

شبكة على الشبكة

قطع المياه عن الجار عملية سرية، تقريباً، لكنها تحتاج إلى خبراء. قطعت المياه، في هذه الحادثة، كلياً. لكنهم قبل ذلك، كانوا يحاولون أن يفرضوا تقنيناً محدداً على صاحب الخزان المسروق. هكذا، ركبت شبكة على الشبكة. وصار ممكناً تحويل المياه قبل وصولها إلى الخزان. وهذه تستعمل عند اللزوم. لم تعرف وجهة القسطل. لكن المياه كانت تصل إلى البناية، وتمتلئ الخزانات الأخرى. لذا، استعان صاحب الشقة بسنكري لفحص شبكته. قيل له إن ما يعطل وصول المياه إليه، ربما تسربها من مكان ما. لكن السنكري اكتشف الشبكة المضادة. وكان لا بد من إزالتها لتصل المياه إلى الخزان. لم يعرف بعد، صاحب الحادثة، مَن ركّبها، لكنه يقول إن مفتاح السطح لا يملكه غير الناطور. وهذه تفاصيل أخرى من حروب المياه.

الشركة والمخفر

لا ينكر الموظف في شركة المياه في فرع الجعيتاوي في الأشرفية، حصول اعتداءات مثل هذه. وهو، باعتباره موظفاً رسمياً، لا يكثر من تجاوبه. يقول إن القانون لا يسمح له بالتصريح، من دون إذن. لكن، حتى في تصريحه، يجب ألا ننسى أنه موظف رسمي. يقول إن الشكاوى تصل إليهم دائماً. لكن أبرز الاعتداءات تكون باشتراك شقتين في عيار واحد من أجل تقسيم القسط السنوي بينهما، أو أن يسرق جار حصة جيرانه، من دون علمهم، من بئر البناية، عبر تركيب إمدادات إضافية. ويمكن للمواطنين أن يلجأوا إلى الشركة «التي تزيل الاعتداءات فوراً»، كما قال. لكن أيضاً، في قضايا سرقة مياه كهذه، «يمكنهم أن يلجأوا إلى أقرب مخفر».

تعليقات: