مواسم الهجرة من سهل مرجعيون

إنتاج السهل تدنّى إلى 31% من إمكانياته بسبب الاحتلال والاعتداءات الإسرائيلية (أرشيف)
إنتاج السهل تدنّى إلى 31% من إمكانياته بسبب الاحتلال والاعتداءات الإسرائيلية (أرشيف)


يعاني سهل مرجعيون، أو سهل الخيام، من هجرة مزارعيه بسبب أزمة الزراعة والسياسات غير التنموية. اللون الاخضر الذي يطغى على السهل ليس سوى «خدعة بصرية»، فهذا السهل الذي يؤمن معيشة معظم أبناء القرى والبلدات المحيطة به،لم يعد ينتج سوى أقل من 31% من إمكانياته

في وسط قضاء مرجعيون، يمتد سهل واسع خصب يزيد طوله على 9 كلم، تجاوره قرى وبلدات: القليعة وبرج الملوك وكفركلا والخيام وبلاط ودبين وإبل السقي. الشريحة الأكبر من أبناء هذه القرى والبلدات كانوا يعيشون على زراعة السهل التابع عقارياً لبلدة الخيام، إلا أن عدم احترام تنظيم الاراضي وحماية الاراضي الزراعية وتنميتها... سهّل زحف الابنية نحوه، على غرار ما حصل في أراض زراعية كثيرة في لبنان.

نحو 25 مليون متر مربع من الأراضي الخصبة، إضافة الى ملايين الأمتار الأخرى الصالحة للزراعة ( بينها 2350890 متراً مربعاً في أراضي بلدة الخيام وحدها) في منطقة «الوطى والسرداب»، جنوب ــ شمال السهل، تزرع اليوم بشكل عشوائي، غير منظّم، وتخضع لتجارب المزارعين المتعددة، في الوقت الذي تبدو فيه الأراضي الفلسطينية المحتلة المجاورة للسهل أشبه بجنّة خضراء، مليئة بالأشجار المثمرة المتعددة الأنواع.

يرتفع السهل 450 متراً عن سطح البحر، ويبلغ متوسط هطل الامطار السنوي فيه 875 مليمتراً، وترويه عدة ينابيع أهمها نبع الدردارة غربي الخيام ونبع عين القصير، نبع الخربة في برج الملوك، ونبع الميدان، وينابيع أخرى صغيرة في بلدة كفركلا.

عدد كبير من المزارعين اليوم اضطروا الى ترك السهل، وابتعدوا عن قراهم، بحثاً عن أعمال أوفر دخلاً، في حين قصد السهل العديد من أبناء المناطق الأخرى، لا سيما من البقاع، وقرى وبلدات بنت جبيل ومرجعيون، أدخلوا زراعات جديدة، تبدو أكثر جدوى، فتنتشر اليوم زراعات التبغ والأشجار المثمرة من الزيتون واللوزيات والآفوكا والجوز والخضر والحبوب، بينها القمح (10 ملايين متر مربع). في الحصيلة، تراجع عدد مزارعي السهل من بلدة الخيام الى 40 مزارعاً فقط، و70 مزارعاً من القرى الأخرى، بحسب إحصاء بلدية الخيام، إلا أن مصدراً في وزارة الزراعة يقول إن «عدد المزارعين الفعليين اليوم من بلدة الخيام لا يزيد على سبعة مزارعين فقط»، ويشير الى أن إنتاج السهل تدّنى الى 31% من إمكانياته بسبب الاحتلال والاعتداءات الاسرائيلية منذ عام 1967. وقد عانت الزراعة في سهل مرجعيون من مشكلات متعددة، أبرزها غلاء سعر الأسمدة، وانعدام فرص التمويل عامة وفي الزراعة خاصة، وانتشار بعض الامراض التي تصيب المزروعات، وغلاء الأدوية وعدم توافرها في معظم الاحيان، إضافة الى انعدام الارشاد الزراعي، وضيق السوق الاستهلاكي والمنافسة.

يتذكر كبار السن في بلدة الخيام «كيف كان أبناء البلدة جميعاً يعتاشون من خيرات السهل، حتى سبعينيات القرن الماضي، عندما عمد الاحتلال الى تهجيرهم جميعاً، وارتكاب مجزرة راح ضحيتها أكثر من 50 شهيداً، من الذين قرروا البقاء والمغامرة». بعد الاجتياح الاسرائيلي لبيروت في عام 1982، عاد بعض أبناء البلدة اليها، وعملوا مجدداً في الزراعة، لا سيما في زراعة الحبوب والخضر، في ظلّ غياب الدولة وقمع الاحتلال. بعد التحرير، لم يتغيّر شيء، بقيت الدولة غائبة بالكامل، وظل المزارعون يواجهون الاهمال، باستثناء مدّ بعض أنابيب الريّ الى جزء من أراضي السهل من قبل جهات مانحة، وظلوا يعانون من تدني الانتاج بسبب عدم القدرة على التسويق، وانتشار الأمراض الزراعية.

,strong>لغرق بالمطر... والوعود

يُعتبر نبع الدردارة من أهم مصادر المياه لري السهل، إلا أن منسوب مياهه ينخفض أواخر الصيف الى حد كبير، بحسب رئيس بلدية الخيام عباس عواضه، الذي بيّن أن «حفر بعض الآبار الارتوازية أدى الى جفاف نبع الحمام، الذي كان يعتمد عليه بشكل كبير في ريّ أراضي السهل»، وأشار الى أن «البلدية عمدت بالتعاون مع بعض الجهات المانحة الى مدّ الأنابيب لري نحو نصف أراضي السهل من نبع الدردارة، وهذا ساهم في ترشيد استخدام مياه الري، والتحكم فيها». ولفت الى أن «تأمين المياه ساهم في توجه بعض المزارعين الى زراعة أشجار الفواكه»، مؤكداً «ضرورة الاهتمام بتشييد الخيم الزراعية، التي لا وجود لها في أراضي السهل، لمواجهة مشكلة التسويق».

70% من أراضي السهل لا تزال طرقاتها ترابية، تمنع المزارعين من الوصول اليها شتاءً، ولا توجد خنادق لتصريف المياه، فتغرق الأراضي بمياه الأمطار، ما يهدد المواسم الزراعية، ويزيد من الأمراض الزراعية الفطرية. ويقول رئيس مركز الارشاد الزراعي في مرجعيون فؤاد ونسة، إن «المزارعين بحاجة الى برك لتجميع المياه، لري المزروعات صيفاً، إذ يخلو السهل من هذه البرك»، وبيّن أن «إنشاء الخنادق لتصريف المياه يحافظ على جودة الموسم، ويسمح بتجميع المياه في برك صغيرة أو كبيرة، تؤمن الري صيفاً»، في حين أن الأراضي الزراعية المجاورة والبادية للعيان، داخل فلسطين المحتلّة، تحيطها البرك من كلّ حدب وصوب. ويلفت ونسه الى أن «وزير الزراعة حسين الحاج حسن وعد المزارعين بإنشاء بركة لتجميع المياه، شرط تأمين المكان المناسب لذلك، كما أن مجلس الوزراء وافق، منذ عامين، على تأمين الدعم المالي للمزارعين الذين يلجأون الى زراعة حبوب العلف التي يستخدم إنتاجها لإطعام الحيوانات، بمعدل 50 ألف ليرة عن كل دونم مزروع، الأمر الذي يساهم في تنويع المزروعات، وتخفيض المنافسة»، لكن يبدو أن ذلك لم يحصل، بحسب مصدر مطّلع، يقول إن «14 مزارعاً، زرعوا أكثر من مليوني متر مربع بحبوب العلف، لكن الوزارة لم تدفع لهم ما هو مقرّر، الأمر الذي ساهم في عدم تقدم هذه الزراعة، إذ كان متوقعاً أن يصل عدد مزارعي العلف الى 100 مزارع، رغم أن الوزارة دفعت ما يجب عليها لمزارعي العلف في البقاع وعكار، والسبب يعود الى إهمال أحد الموظفين المعنيين».

ويشير المصدر الى «أن أراضي واسعة من السهل تصل اليها مياه الصرف الصحي، غير المكرّرة، بسبب وجود معمل قديم لتكرير المياه المبتذلة، لكنه غير صالح ويعود تاريخ وجوده الى أكثر من ثلاثين عاماً، تصل اليه مياه الصرف الصحي من مدينة مرجعيون، والتي تختلط بمياه بعض الينابيع المتصلة بنبع الدردارة، حيث توجد بركة تتسع لـ12000 متر مكعب، وتُستخدم بشكل رئيسي لريّ مزروعات السهل، وهذا من شأنه زيادة الأمراض التي تصيب المزروعات وتضرّ بالإنتاج الزراعي، وتساهم في تدني عدد الزبائن». ولفت إلى أن «بعض المزارعين طالبوا بمعالجة هذه المشكلة لكن من دون جدوى».

غياب الدعم

يشدّد المزارعون على أن «المشكلة الأساسية تتعلّق بعدم القدرة على تسويق الإنتاج، وبتحكم تجّار الخضر في الأسعار، فيفرضون علينا بيع منتجاتنا بأسعار متدنية».

لم يعد جورج الحاصباني (القليعة) يشكو من ندرة المياه، بعد أن وصلت إليه أنابيب الريّ التي قدمتها مؤسسة «أفزة» الايطالية بالتعاون مع بلدية الخيام، بل يشكو من «بيع الانتاج بأقل من كلفته، فالدولة لا تدعم إنتاجنا»، ويشير الى أن «ثمن كلغ القمح نبيعه لسوق الجملة بأقل من 500 ليرة، بينما يصبح سعره في البقاع وعكار 900 ليرة، حتى إن حقولنا تغرق بالمياه، بسبب عدم تجهيز أراضي السهل بقنوات لتصريف المياه، وهذا يؤدي الى تدني الانتاج، أو القضاء عليه عند ارتفاع منسوب الأمطار، كما حصل منذ عامين». ويشير الحاصباني الى «تراجع زراعة الخضر واللوزيات، بسبب المنافسة وتحكم التجار في الأسعار»، لذلك يطالب «بتأمين برادات كبيرة لحفظ الخضر والفواكه، والتمكن من بيعها لاحقاً بأسعار مقبولة، أو مساعدتنا على إنشاء الخيم البلاستيكية للتمكن من الانتاج في أوقات متعددة».

يذهب المزارع الياس سلامة الى ضرورة تأمين «سوق خاص بأبناء المنطقة، للتخلص من تحكم التجار في الأسعار، فالمنطقة كبيرة، ويضطر أبنائها الى شراء الخضر والمنتجات الزراعية من صيدا وصور، ونحن مضطرون الى إرسال منتجاتنا بسرعة الى أسواق صور وصيدا، لعدم وجود بردات لحفظها، وهذا يؤثر في سعر المبيع».

تعمد وزارة الزراعة، عبر مركز الإرشاد الزراعي، الى تقديم الاستشارات والأدوية مجاناً للمزارعين، إضافة الى المصائد، كما تلجأ، بالتعاون مع البلدية، الى فحص التربة وزيت الزيتون، وتوجيه المزارعين إلى طرق المعالجة من الأمراض، بحسب ونسه، الذي بيّن أن الوزارة تقدم رخص النقل المجانية للمزارعين، مؤكداً أن الأرباح الحقيقية من الزراعة لا يجنيها إلا كبار المزارعين، من أصحاب الحيازات الكبيرة، الذين يتحكمون في الأسعار، وينافسون المزارعين الصغار، لذلك فإن «تأمين برادات لحفظ الخضر والفواكه يساهم في دعم صغار المزارعين وتشجيعهم على الزراعة».

يرى أحد المزارعين أن المساعدات التي تقدمها المنظمات الدولية بهدف خدمة المزارعين الفقراء، تذهب لمصلحة القيمين على التعاونيات الزراعية المرخصة، مبيناً أن «معظم هذه التعاونيات مسجلة بأسماء وهمية لخدمة بعض المنتفعين الذين يحصلون على الآليات الزراعية المختلفة، التي لا يستفيد منها المزارعون الفقراء، وهذا ما حصل أيضاً بالنسبة إلى المبيدات المكافحة للأمراض الزراعية التي تم توزيعها على البلديات التي عمد بعضها الى توزيع جزء منها على المزارعين، ليذهب الجزء الأكبر لخدمة المنتفعين بعد بيعها في السوق السوداء».

تراجع بعض المزارعين عن زراعة أراضيهم، سمح للعديد من أصحاب رخص التبغ باستثمار جزء من أراضي السهل، وهذا دليل، بحسب الحاصباني، على أن «زراعة التبغ باتت هي الأكثر فائدة، لكونها تحظى بدعم مؤسسة الريجي، من حيث تصريف الانتاج، لكن هذه الزراعة تحتاج الى الرخص التي لا يمكن الحصول عليها اليوم، وهي باتت حكراً على أصحاب الرخص القديمة، من غير أبناء البلدات المحيطة بالسهل، الذين كانوا يتباهون بزراعة الخضر والحبوب ولم يحصلوا سابقاً على رخص التبغ».

تغيب الزراعة المحمية (الخيم) بالكامل عن منطقة السهل. فبحسب الإحصاء الذي أجرته بلدية الخيام، لا تزيد نسبة الزراعة المحمية في البلدة على 0,0007% فقط، في الوقت الذي بيّن فيه مصدر مطّلع أن «تعاونية الخيام الزراعية حصلت، منذ عامين، من إحدى المنظمات الدولية، على خيمتين بلاستيكيتين كبيرتين، تتسعان لأكثر من 2000 متر مربع، ولم يتم استخدامها حتى الآن».

تعليقات: