شكرالله كرم.. بإنسانيته المعلنة كان رافضاً لوثنيات الممارسة الكهنوتية

في ذكرى استشهاد الدكتور شكرالله كرم الذي بإنسانيته المعلنة كان رافضاً لوثنيات الممارسة الكهنوتية
في ذكرى استشهاد الدكتور شكرالله كرم الذي بإنسانيته المعلنة كان رافضاً لوثنيات الممارسة الكهنوتية


منذ سبع وثلاثين عاماً وأصداء تلك الكلمات تتردد في مسمعي، كلمات بسيطة تختصر سيرة حياة لإنسان عاش في هذه الأرض عشقها وأحب كل من عليها.

" كيف أطمئن وحولي آلاف البائسين؟ إذا تركتهم،من يقرأ ميزان الحرارة ومن يسمع نبضات القلب؟ لم يبقى عندي أكثر من ذلك أعطيهم، أفيحقّ لي أن أمنعه؟ "

رحلة عمر تختصرها هذه الكلمات ببساطتها، بعفويتها، بصدقها، بشفافيتها.وككل ولد يغار من إيثار أحد عليه، كان الناس مصدر غيرتي.الناس العاديون.طالما أحسست أنه يعطيهم أكثر منّا.لهم وقته وإهتمامه، ولأمورهم عنايته، ولقضاياهم شغفه.أما لي فنظرة رضى وإيماءة حنان.كان هذا زادي وكانت هي مكافأتي.

سأكتفي اليوم بأن أسرد عليكم ومضات من علاقة فكرية بيني وبينه، بعضها نصح وإرشاد وبعضها حوار ونقاشات، أقرُّ بأنها عدّلت لي آراء ومواقف، كما أعتقد أنها أثرت عنده بآراء ومواقف.

بإنسانيته المعلنة كان رافضاً لوثنيات الممارسة الكهنوتية، سألته مرَّة وأنا دون سن المراهقة عن رأيه في الأديان ولما هي تختلف؟ ولما نحن لا نمارسها ولا نتقيّد بشعائرها؟ أعطاني الإنجيل،الكتاب المقدّس بعهديه الجديد والقديم والقرآن الكريم لأقرأهما، وعندما إنتهيت من ذلك، طلب منّي قراءة كتاب تاريخ الأديان للكاتب الكبير"أش.ج.ولز" وقال بعد أن تقرأ فيها كلها نتناقش.كم كان لتلك القراءات من أثر في نفسي، وكم وسعت أفقي وزادت علمي وثقافتي وكم أقنعتني بفكره ومواقفه.الأديان جميعها تأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر، كلها تبشّر بالمحبة وقبول الآخر، كلها تحترم الحياة الإنسانية وتثمن الروح. فهل فيما نحن عليه، نفني الجهد والعمل والساعات الطوال لنشفي إنساناً مريضاً؟ فبأي حق يزهق البعض تلك الأرواح، وأي إله عن ذلك يرضى؟

في الفلسفة القديمة أعجب بكونفوشيوس لحكمته وبأرسطو لمنطقه، التواضع والتسامح والمحبة رآها سمات المسيحية والفكر والنهج والشريعة روح الإسلام، في تاريخ العرب لم ير للإمام عليّ ندّاً، لا في الشجاعة ولا في الإستقامة أو الإقدام أو العدل. أما في الفكر المعاصر، فتأثر بإنجلز وماركس وبالفلسفة الديالكتيكية لكليهما.رأى فيها إنصافاً للضعفاء ورفعاً للغبن عن الفقراء وإحقاقاً للمساواة في المجتمعات.

أما عن الحقد الطبقي، فكانت بيننا نقاشات، كنت أقول له أن تعاطفك مع المحرومين ينبع من شعور إنساني وإيمان بالحق، أما الحاقد فيعميه الحسد وتحدوه الإثرة، فما أن يحصل عليها حتى يصبح ظالماً.الحقد لا يبني مجتمعاً الحقد يهدم، أما المحبة فتبني. وكانت لنا أمثلة مما تقدّم، سواء على مستوى الأفراد أو الإيديوليجيات أو الأنظمة، تهاوت وإن أسس زيفاً لغيرها سيتهاوى مهما الزمن طال.

إحترم المرأة وقدّر دورها وساواها بالرجل وآمن أنه إذا لم تنصف وتعطى حقّها فنصف المجتمع سيبقى مغيباً عن التقدّم والرقيّ.

أما في تاريخ العرب المعاصر فكانت لنا حوارات عن جمال عبد الناصر والناصرية، كنت أرى فيه بطلاً لأحلام شبابي في العزّة والكرامة، وهو وإن وافقني رأيي وتطلعاتي لكنه لتعلقه بالديمقراطية والحريات كان يأخذ على حكمه غلبة لقمع أو لإستخبارات.

لم يلتق مع أحمد الأسعد إلا عندما وقف الزعيم الوائلي ضد الأحلاف الإستعمارية كحلف بغداد والدفاع المشترك فرافقه في أكبر وفد لبناني قصد الشام للترحاب بالقائد العربي الكبير عام 1959 وكان قبلها بعام، رغم إضطراره للراحة بعد عملية جراحية في الكلية راضياً عن إنضمامي للثورة حتى إذا ما عجز الجيش المنقسم آنذاك عن إعتقالي لحماية أهل إبل السقي وراشيا ومحاولتهم الضغط عليه أو إغتياله أو إلقاء القنابل على المنزل من قبل زمر مؤيدة لتلك الأحلاف، فلما عجزوا وواجههم أهل الخيام بوقفة واحدة حامية ومؤيدة تراجعوا وعقدنا سلاماً مع القادة العسكريين وعدت أنا لمتابعة دراستي.

في كل ذلك كان راضياً وفخوراً، لم يهب السجن مرة ولم يأبه للسلطة وأصحابها مرة رغم الدسائس والإفتراءات التي شاهدت بعضها بأم العين، كدسّ المناشير في أروقة المنزل لتبرير الإعتقال، كان يخرج بعدها أشدّ عزيمة وأقوى شكيمة محاطاً بعطف الناس ومحبتهم وهم طالما إفترشوا المساحات حول البيت حتى يطلق سراحه.

وأكبّ كل حركات التحرّر والنهضة، أعجب بشعرائها وأدبائها، كانت قصائد العراقي الثائر " محمد مهدي الجواهري" في الشام أو في بيروت مدعاة إعجابه نحفظها معاً عن ظهر قلب، نترقب ذكرى صديقه " عدنان المالكي " لنستمع إليها.

خلفت غاشية الخنوع ورائي ... ... وأتيت أقبس جمرة الشهداء

قف بي فلست اليوم أرثي راحلاً ... ... أيهان عرس رجولة ببكاء؟

وقال قبلها في بيروت:

باق وأعمار الطغاة قصار ... ... من سفر مجدك عاطر موّار

حتى يصف البلاد بما يصح بعد أكثر من نصف قرن:

خويت خزائنها لما عصفت بها الشهوات والأسباط والأصهار

في المجال نفسه قال يائساً: "لقد عشت الحروب وابتليت بآثارها، كانت لي أحلام وأماني إنتفضت على الباطل وثرت على الجبن وأحببت وطني وشعبه، تألمت لآلامه ورغبت برفع الضيم عنه لكن الواقع المؤلم كبح جماح أحلامي، وأمانيّ بالتغيير الأفضل تحطّمت، فأبناء أمّتي تعوّدوا الذّل وارتضوا المهانة، تبلدت عقولهم بالطائفية والإقطاع والإستغلال الشرس فعبثاً تصرخ مستنهضاً كنافخ في رماد أو قابض على الريح.أيستحقّ الحياة شعب يقبل بحكم اللصوص ويرضى بإذلال الشرفاء ويضطهد مصلحيه؟"

وفي كل ذلك كانت فلسطين قبلته وإستيطانها طعنة في خاصرته وتشريد شعبها ألماً في وجدانه،أقام في منزله مشفىً ميدانياً لكلء جراحهم، وقصد بوابات الجدار عارضاً خدماته حتى لا يحتاج المرضى علاج المغتصب، كان هاجسه دوماً لبنان وجنوبه وأهل جنوبه خوفاً من ترحيل غادر أو إحتلال جائر، حتى كان للعدو ما أراد مزّقت نصال حرابهم خاصرته، نزف حتى الموت، تفرّق الناس البسطاء، تشتّتت جموعهم، هاموا على غير هدى، فاحت رائحة الموت، تجبّر الغزاة، سلطوا الشذاذ لأكثر من عقدين ناءت هذه الأرض الطيبة تحت إرهابهم حتى كان الخامس والعشرون من أيار عام ألفين يوم التحرير، يوم المقاومة المجيدة والمقاوميين الأبطال، إلى ان تحقق حلمه في رسالته الأخيرة صبيحة السابع عشر من شباط عام 1977 : "سيطلع فجر وقد إرتاحت الأرض من مغتصبيها".

اليوم وبعد سبع وثلاثين عاماً على رحيله، أصداء تلك الرصاصات ما زالت تعبث في جسد الوطن، تمزّقه مذاهباً وطوائف وفوق هذه وتلك مصالح وأهواء، التخلّف والعصبيات تشدّنا بقوة إلى الوراء، الحريات تتهاوى على ضفاف بحر هادر من التطرف والتكفير، الآخر لا وجود له لا لرأيه ولا لحقه ولا حتى لحياته، العنف والقتل يفتكان والجهل والهمجية يسودان.أهذي خير أمة أخرجت للناس؟

كتب لي يوماً معبّراً عن إحباطه من ذاكرة التاريخ يقول: "إن اللذين بنوا المدنية ورفعوا صرحها وأعلوا شأن الإنسان فكثيراً ما أهمل التاريخ أسمائهم، وإن أنصف ذكرهم فبأسطر قليلة في زاوية ما. من إكتشف النار ومن إهتدى إلى القمح ومن عرف الحديد؟ من أول من كتب الحرف؟ من يعرف أسماء الذين إخترعوا أو إكتشفوا سوى المتخصصين في العلوم.لكن سواد الناس يعرفون أسماء السفّاحين من مثيري الحروب وهواة القتل".

ليعود إلى تفاؤله ويقول في مكان آخر: "إن العوالم التي تغذّي الأنانية وتحرّك غرائز الشرّ وتمجد القتل صائرة إلى زوال، طال الزمن أم قصر".

وها أنا بينكم اليوم أسمع صوته ينادي: إن ابتعدت فكل ديار تؤمن لك السرور قريبة وكل مكان أنت فيه سعيد جوار، وكل إنسان أنت تحب حبيب.تكفيني زهرة على جدث في زاوية النسيان إن متّ فاعلم إن مررت بقبري لترقصن عظامي فرحاً ويستحيل ترابي عطراً وزهوراً.

الخيام 22 شباط 2014

..

(كلمة ألقاها الدكتور كرم كرم في الندوة التي أقيمت بذكرى استشهاد والده الدكتور شكرالله كرم بدعوة من نادي الخيام الثقافي الإجتماعي)

كلمة عزت رشيدي "شكرالله كرم"

كلمة صبحي القاعوري "شكرالله كرم.. ذاك الأسطورة"

كلمة د. يوسف غزاوي "شكرالله كرم.. نبيّ الأطبّاء"

كلمة المحامية وداد يونس "في ذكرى اغتيال الدكتور شكرالله كرم"

كلمة الأستاذ سعيد الضاوي "شكرالله كرم أعطى الخيام والمنطقة كل ما يملك، ليحيا لبنان العربي والديمقراطي"

كلمة الدكتور كرم كرم "شكرالله كرم.. بإنسانيته المعلنة كان رافضاً لوثنيات الممارسة الكهنوتية"

ألبوم صور النشاط الذي أقامه نادي الخيام إحياء لذكرى استشهاد الدكتور شكرالله كرم

التقرير المصوّر لتلفزيون الجديد عن ندوة نادي الخيام الثقافي في ذكرى استشهاد الدكتور شكرالله كرم

في ذكرى استشهاد الدكتور شكرالله كرم الذي بإنسانيته المعلنة كان رافضاً لوثنيات الممارسة الكهنوتية
في ذكرى استشهاد الدكتور شكرالله كرم الذي بإنسانيته المعلنة كان رافضاً لوثنيات الممارسة الكهنوتية


في ذكرى استشهاد الدكتور شكرالله كرم الذي بإنسانيته المعلنة كان رافضاً لوثنيات الممارسة الكهنوتية
في ذكرى استشهاد الدكتور شكرالله كرم الذي بإنسانيته المعلنة كان رافضاً لوثنيات الممارسة الكهنوتية


في ذكرى استشهاد الدكتور شكرالله كرم الذي بإنسانيته المعلنة كان رافضاً لوثنيات الممارسة الكهنوتية
في ذكرى استشهاد الدكتور شكرالله كرم الذي بإنسانيته المعلنة كان رافضاً لوثنيات الممارسة الكهنوتية


في ذكرى استشهاد الدكتور شكرالله كرم الذي بإنسانيته المعلنة كان رافضاً لوثنيات الممارسة الكهنوتية
في ذكرى استشهاد الدكتور شكرالله كرم الذي بإنسانيته المعلنة كان رافضاً لوثنيات الممارسة الكهنوتية


في ذكرى استشهاد الدكتور شكرالله كرم الذي بإنسانيته المعلنة كان رافضاً لوثنيات الممارسة الكهنوتية
في ذكرى استشهاد الدكتور شكرالله كرم الذي بإنسانيته المعلنة كان رافضاً لوثنيات الممارسة الكهنوتية


في ذكرى استشهاد الدكتور شكرالله كرم الذي بإنسانيته المعلنة كان رافضاً لوثنيات الممارسة الكهنوتية
في ذكرى استشهاد الدكتور شكرالله كرم الذي بإنسانيته المعلنة كان رافضاً لوثنيات الممارسة الكهنوتية


في ذكرى استشهاد الدكتور شكرالله كرم الذي بإنسانيته المعلنة كان رافضاً لوثنيات الممارسة الكهنوتية
في ذكرى استشهاد الدكتور شكرالله كرم الذي بإنسانيته المعلنة كان رافضاً لوثنيات الممارسة الكهنوتية


في ذكرى استشهاد الدكتور شكرالله كرم الذي بإنسانيته المعلنة كان رافضاً لوثنيات الممارسة الكهنوتية
في ذكرى استشهاد الدكتور شكرالله كرم الذي بإنسانيته المعلنة كان رافضاً لوثنيات الممارسة الكهنوتية


في ذكرى استشهاد الدكتور شكرالله كرم الذي بإنسانيته المعلنة كان رافضاً لوثنيات الممارسة الكهنوتية
في ذكرى استشهاد الدكتور شكرالله كرم الذي بإنسانيته المعلنة كان رافضاً لوثنيات الممارسة الكهنوتية


تعليقات: