كلنا مخطئون ‎


.. أن يكون في لبنان معلم أو مدير يعنّف تلاميذه.. ويفرغ بهم حمولة من الشحن اليوميّ ويصبّ جام غضبه على جسومهم الطريّة .. أن يكون في لبنان تلامذة يشاغبون أو يرسبون في الامتحان فيصدر بحقهم الحكم المبرم بالفلقة .. أن يكون في لبنان من يفقد أعصابه ويخرج عن طوره، أن يكون ويكون .. ليست المشكلة في النتيجة وحدها، وإن يكن البحث في الأسباب أولى .. والبحث ليس تبريراً ولكن تصويباً على حالتنا المبكية ..

يومياتنا .. واقعنا .. مشاكلنا .. الفقر، البطالة، الخوف، اليأس، التهميش، الحاجات اليومية مع قلة الحيلة، سياسة المصالح والمكاسب والحصص، المنظّرون والمحللون الخياليون، المشاكل البيتية، الزوجية، متطلبات الزوجة، جيوب الزوج المقلوبة، الحبّ الممنوع، الكهرباء المقطوعة، المياه المقطرة ( للشرب)، الفواتير والأقساط، المدارس والجامعات، الطبابة الممنوعة على الفقراء، التلزيم الدائم لقضايا العروبة، محاربة الامبريالية بالبطون الخاوية، الخطباء المروّجون لجنّة الخلد على مسامع الحالمين بالخبز، مواقع التواصل اللااجتماعي، لغة السبّ والتكفير والتخوين والتحريض..

المعلم الغاضب والمشحون بكل المذكورات، في بلد تحكمه ثقافة العنف، العنف المحيط بنا من كل اتجاه، العنف الذي نتنفسه كالهواء في كل لحظة، العنف المتجسّد بالفلقة ابن أصيل لدورة عنف يومية متكاملة ومتكررة ..

أما التلامذة الذين أوجعنا صراخهم في حفلة جنون قاسية، فهم الذين نعنّفهم ليكونوا رجال الغد وعماد الوطن، هم الذين نهب جلودهم للمعلمين محتفظين بالعظام فقد، فأي واقع يعيشونه ليفتح شهيتهم على العلم؟

أي شهية للعلم وبعض التلاميذ شاهد دائم على عنف يمارسه والده القويّ على أمه الضعيفة؟

أي شهية للعلم وهؤلاء جميعاً ضحايا العنف اليومي على شاشات تحفل بيوميات لبنان السعيدة من الانفجارات المتنقّلة، الى الاشتباكات المتجدّدة، إلى حفلات الشتيمة والسباب على برامج “الحوار العقيم”، إلى الكثير من المشاهد التي تترك في النفس والذاكرة جروحاً عصيّة على الالتئام ..

ثم تعالوا بنا إلى المناهج التعليمية التي أصبحت تأريخاً في دول العالم المتطورة، وما زالت تكرّر نفسها على مسامع أبنائنا وأبصارهم، لقد تحوَل التعليم من طرائق التلقين والحفظ و الاسترجاع ” التعليم البنكي “، إلى طرائق الفهم والتحليل والمناقشة والتطبيق والتطوير، لقد انتقل العالم المتحضّر من مرحلة التعليم بالإكراه والترهيب والعصا والفلقة إلى مرحلة التعليم بالحب، فأين نحن من كل ذلك؟

المعلم أو المدير المعنّف مخطىء ومدان وهذا لا جدال فيه، والطلاب المشاغبون الذين رسبوا في الامتحان مقصرون ، ولكنّنا جميعاً شركاء في الخطيئة، وكلنا نتشارك المسؤولية في تكريس واقع مأزوم وعنيف في بلد الضياع، كلنا مسؤولون عن الفوضى والفشل الذي يحكم واقعنا، كلنا مخطئون !..

* الشيخ محمد أسعد قانصو ..

موضوع "طرد أستاذ من جمعية المقاصد في الجنوب بعد ضرب تلامذته"

تعليقات: