الطفيل: بلدة لبنانية تحتلها المعارضة السورية

الطفيل تحت الاحتلال
الطفيل تحت الاحتلال




الطفيل البقاعية بلدة لبنانية محتلّة. البلدة التي تخلّت عنها الدولة اللبنانية منذ سنواتٍ طويلة، تحوّلت منذ أشهر إلى ملجأ لمسلّحي المعارضة، ثم النازحين السوريين الهاربين من جحيم المعارك الدائرة في القلمون. فهل ستتذكرها الحكومة اليوم؟

أن لا يأبه كُثُر، سواء حُرِّرت مزارع شبعا أو لم تُحرّر، فذلك بالتأكيد يعني أنك ستجد آخرين، كُثُراً أيضاً، لن يكترثوا لـ«احتلال» المعارضة السورية المسلّحة بلدة لبنانية. أهلاً بك في بلدة الطفيل، البقاعية. أصلاً، هناك لبنانيون لا يعلمون أنّها جزء من بلادهم حتى. ولا يعلمون شيئاً عن معاناة أهالي هذه البلدة. تقع الطفيل في أقصى جرود سلسلة لبنان الشرقية. وعلى الخريطة، تشبه أراضيها «شبه جزيرة» على شكل إصبع داخل الأراضي السورية. تبلغ مساحتها نحو ٥٢ كيلومتراً مربّعاً، أي تعادل مساحة مزارع شبعا مرتين وتزيد.

تحدّ الطفيل بلدات سورية من ثلاث جهات، إذ تقع بلدة حوش عرب إلى شرقها وعسال الورد إلى شمالها، فيما تحدّها سهول رنكوس جنوباً. أما من الناحية اللبنانية فتحاذيها حام وعين البنية والشعيبة التي تقع ضمن جرود بريتال اللبنانية. تشتهر البلدة بأشجار الكرز والتفاح ويقطنها خليط طائفي (سنّة وشيعة ومسيحيون)، إلا أن الأغلبية الساحقة ينتمون إلى الطائفة السنية.

تربط الطفيل ببريتال علاقات جيرة ومصاهرة... وتهريب. في بداية الأزمة السورية، كان مهرّبون سوريون ولبنانيون يتعاونون معاً لإدخال السلاح إلى المعارضة السورية لمواجهة قوات النظام. وقبل الأسلحة، كان هؤلاء يهرّبون المواد الغذائية والمازوت. بعد بدء عمليات المعارضة المسلحة في منطقة القلمون، باتت بلدة الطفيل تضم مستشفى ميدانياً للمعارضين، ومخازن سلاح، ومعبراً إلى لبنان. لاحقاً، وبعد انسحاب الجيش السوري من المواقع المقابلة للبلدة نهاية عام 2012، صارت الطفيل، الخالية من أي وجود للدولة اللبنانية، تحت السيطرة العسكرية التامة لكتائب المعارضة المسلحة.

في تلك الأثناء، كانت تتعرّض الطفيل لقصف الجيش السوري. وقد دفع القصف المتكرّر العديد من العائلات المقيمة فيها إلى النزوح باتجاه بلدتي دورس وبريتال. وقد استمرّت العلاقة جيّدة بين أبناء الطفيل وبريتال، حتى تسعة أشهر خلت. يومها اختُطف اللبناني ياسر إسماعيل ولا يزال مصيره مجهولاً. ومنذ ذلك التاريخ بدأت القطيعة بين أهالي بريتال من جهة وقرى الطفيل اللبنانية وعسال الورد وحوش عرب السورية من جهة ثانية. وكان قبلها قد اختُطف ثلاثة شبان من جرود بريتال عندما كانوا في أحد البساتين يشوون اللحم. تلك كانت بداية المشاكل. يومها هاجمت الشبان الثلاثة مجموعة سورية مسلّحة، أطلقت النار باتجاههم ثم اقتادتهم إلى جهة مجهولة. وخلال الهجوم أصيب أحد الشبان اللبنانيين الذي ما لبث أن توفّي. عندها اختطف شبّان من بريتال أربعة أشخاص من عسال الورد لتجري عملية تبادل للمخطوفون من الجهتين.

أعقب القطيعة التي عزلت الطفيل سقوط صواريخ أطلقها مسلّحون سوريون في اتجاه بلدة بريتال. وضُيّق الخناق عليها أكثر بعد ضبط سيارة تحمل ٢٤٠ كيلوغراماً من المواد المتفجّرة في جرود حام، ذكرت المصادر الأمنية أنّها آتية إما من سهل رنكوس أو عسال الورد.

لا توجد طريق مفتوحة من الأراضي اللبنانية باتجاه الطفيل. الطريق ترابية تُستخدم للتهريب ولا يمكن المرور عبرها إلا في سيارات رباعية الدفع. وفي الشتاء، تنقطع بسبب الثلوج. والطريق الوحيدة والسالكة إليها هي من رنكوس السورية. لا تشترك الطفيل مع باقي البلدات اللبنانية، إلا بالجنسية. ولسخرية القدر فإن ابن بلدة الطفيل إذا أراد الاتصال بأحد أقاربه في بريتال فإن المكالمة ستُحتسب عليه دولية، إذ لا شبكات هاتف هناك سوى السورية. حتى العملة المتداولة هي الليرة السورية، كذلك فإن شبكة الكهرباء التي تُغذي البلدة تصلها من سوريا.

الطريق المؤدية إليها خاضعة لسيطرة المعارضة السورية. فيما انتشرت على مشارف الطفيل، من الجهة اللبنانية، نقاط للجيش اللبناني وأخرى لحزب الله.

هكذا لم تعد الطفيل منسية فحسب، بل أصبحت محتلّة ومعزولة. يحتلّها مسلّحو المعارضة السورية، فيما هي معزولة عن لبنان بحكم الجغرافيا والإهمال، والإجراءات الامنية الرامية للحؤول دون تسلّل مسلّحي المعارضة أو مرور السيارات المفخّخة عبرها.

البلدة التي لا بلدية فيها لجأ إليها خلال الأيام الماضية أكثر من عشرين ألف نازح سوري بسبب المعارك في القلمون السوري. وفي حال بدأ هجوم الجيش السوري على رنكوس وعسال الورد وحوش عرب وغيرها من البلدات القلمونية، فإن التقديرات تُشير إلى أنّ أعداد اللاجئين ستفوق خمسين ألفاً. وسكن النازحون المنازل المهجورة ، فضلاً عن تحويلهم بعض المغاور في البلدة إلى منازل للسكن. ونظراً إلى أعداد النازحين الضخمة التي لا تتسع لها البلدة الصغيرة التي لا يزيد عدد سكانها على ٢٥٠٠ نسمة، عمد بعضهم إلى نصب خيم في بساتينها.

يقول أحد أبناء الطفيل أسعد شاهين لـ«الأخبار»: «تركنا مع الأهالي الضيعة منذ أكثر من سنة». يكشف الرجل الذي نزح إلى بريتال أن معظم العائلات اللبنانية تركت البلدة، مشيراً إلى أن البلدة تقطنها عائلات سورية أيضاً. وعن سبب تركها يقول: «غادرناها لأنها صارت تتعرض للقصف كثيراً بعدما دخل إليها الثوّار». ويذكر أن العائلات المعروفة هناك هي «شاهين ودقّو وصدقة والشوم والسيد والمصري». وفي السياق نفسه، تضيف سامية الشوم، ابنة مختار الطفيل علي الشوم الموجود في أبو ظبي، قائلة: «تركنا بلدتنا لأن لا إمكانية للاستقرار فيها، لكن منازلنا وأراضينا هناك». وتكشف أن والدها «ناشد الجيش اللبناني الدخول إلى البلدة وتعهّد بحمايته». تسأل كيف الحماية، فترد: «كل عائلاتنا في البلدة فداء للجيش إذا دخل، لكن الدولة اللبنانية تركت أهلنا هناك لمصيرهم من دون أن يُكلّف مسؤولوها أنفسهم عناء السؤال». من جهته، يقول أبو منصور، أحد أبناء بلدة جبعدين السورية الموجود في الطفيل حالياً، «الوضع في الطفيل أكثر من سيّئ. هناك آلاف اللاجئين الذين لا يجدون من يُطعمهم بسبب الحصار».

إن أراد ابن الطفيل الاتصال بأحد أقاربه في بريتال فإن المكالمة ستُحتسب عليه دولية

وفي لبنان، يعود ابن بريتال، شعلان فيّاض إسماعيل، في التاريخ متحدثاً عن الطفيل «جارتنا». يسترجع ذكرى والده، فياض حمد إسماعيل الذي كان أوّل من بدأ بشق الطريق عبر عين البنية إلى الطفيل عام ١٩٨١ والتي انتهت في عام ١٩٨٥. يقول إسماعيل: «كانت الطفيل لعاصم سويدان المعروف بـ«عاصم آغا»، وهو إقطاعي سوري كان لديه عشرون ضيعة مسجّلة باسمه»، مشيراً إلى أن «عاصم آغا باع أرض الطفيل لجعفر الشلبي الذي كان يملك مصرفاً. وكان له شريك يدعى جودت فلا (من الهرمل). وبعدما وقعا في عجز مالي، رهنا الأرض للمصرف المركزي». يستعيد بعضاً من ذكريات «طريق الضباب» التي باتت معبراً في ما بعد. ويقول لـ«الأخبار»: «لقد تغيّرت الطفيل اليوم بعدما باتت تحت سيطرة مجموعات المسلّحين». تسأل عن قرار هذه المجموعات وخلفيتها فيرد: «كل واحد فاتح دكّانة على حسابه. لا يوجد مجموعة واحدة وأسماء الكتائب متعددة، لكن لا وجود للنصرة فيها».

من جهته، يقول أحد مخاتير بريتال عباس مظلوم لـ«الأخبار»: «انقطع أهلها في العامين الأخيرين عن زيارتها ولقاء أهلهم بسبب الاحداث والمعارك العسكرية الدائرة في بلدتهم ومحيطها»، كاشفاً أن «العدد الأكبر منهم لجأ إلى لبنان». يذكر مظلوم أن «أهل الطفيل يشاركون في الانتخابات النيابية، لكن لا طريق مفتوحة من الجهة اللبنانية، لذلك كانت طوافة من الجيش اللبناني تحمل صناديق الاقتراع الى مدرستها ليدلوا بأصواتهم».

الطفيل محتلة ومنسية. والسؤال المزحة «وينيي الدولة؟» مشروع وحقيقي فيها. وزير الداخلية نهاد المشنوق وعد قبل أيام بعرض قضية الطفيل على مجلس الوزراء، لفتح طريق إليها من لبنان، ولإعادة الدولة إليها. فهل تستجيب الحكومة هذه المرة، أم ان مصير الوعود سيكون مشابهاً للوعود التي قطعتها الحكومة قبل نهاية تسعينيات القرن الماضي، بعد مجزرة ارتكبتها طائرات العدو الإسرائيلي بحق مدنيين في البلدة؟ الأداء في جلسة مجلس الوزراء اليوم كفيل بإظهار ملامح التوجه الرسمي.

تعليقات: