«أبو عمار» مقاوم من «الزمن الجميل»

مسن يطلق الرصاص ابتهاجا بتحرير بلدته كفرحونة
مسن يطلق الرصاص ابتهاجا بتحرير بلدته كفرحونة


يستقبلك «أبو عمار» مسؤول «الحرس الشعبي» في كفركلا بين نهاية الستينيات ومنتصف السبعينيات بحيوية لا تتسق وسنوات عمر ثمانيني وبنظرات تشي بتجربة سياسية وحزبية فائضة، لكأن الاحداث التي عايشها ما تزال مستمرة. يكفي أن يشير بيده اليمنى الى التلة الرابضة قبالة بيته: الاحتلال ما زال هنا.

المنزل المؤلف من طابقين يبعد رمية حجر عن الحدود مع فلسطين المحتلة، وهو منزل يفيض بالمعنويات والشجاعة. يدقق «أبو عمار» بأعمدة التنصت والمراقبة المرتفعة فوق المواقع الإسرائيلية. يتمنى لو انه يستطيع أن يصليها بنيران بندقية «الكلاشينكوف». حماسة تعيد «أبو عمار» إلى الزمن الجميل. إلى رواية صيف العام 1975 بالتحديد.

«وزعت الرفاق مجموعات في كمائن هي عبارة عن دشم متراصة بالأكياس الرملية، في نقاط عدة عند أطراف القرية. كانت مهمة الشباب حماية كفركلا بعد ان باغتها العدو سابقا بهجومين، الأول، استهدف تدمير موقع تابع لحزب البعث العراقي في الحارة الشمالية، والثاني، أدى الى استشهاد المناضل عبد الأمير حلاوي المسؤول البعثي في كفركلا».

كانت الساعة قد شارفت منتصف الليل. نبهتني الكلبة في تلك الليلة الى حركة ما من صوب الحدود (المطلة). اتخذت لنفسي موقعا قتاليا على سطح منزلي. لحظات ويطل جنديان اسرائيليان. تأملتهما جيدا.. فتأكدت انهما من «جيش الدفاع» وليسا من «الرفاق»، ثم تبعهما اثنان اخران، قبل أن يجلس الأربعة قبالة منزلي مباشرة. فكرت في اطلاق النار، لكنني حسبت الأمور جيدا. لحظات قليلة وتقدمت نحو البيت قوة كبيرة من المشاة قاربت الثلاثين جنديا كانوا مدججين بالاسلحة والعتاد. كنت احمل سلاح الكلاشينكوف وقد ربطت مخزنه بمخزنين آخرين إضافة الى قنابل يدوية. لم اكن اعلم ان القنابل تقتل الا حين بادرت ورميت واحدة نحو الجنود، فأصيب من اصيب وقتل من قتل منهم وراحوا يولولون في كل اتجاه. سريعا اتبعت القنبلة الاولى بثانية في غضون ثوان قليلة.. قبل ان افرغ ما بحوزتي من رصاص على الجنود، وبعدها فتحت ابواب جهنم من السماء والأرض على منزلي، فاضطررت للانسحاب الى دشمة مموهة خلفه.

كان العدو قد شرع بلملمة خسائره وسحب قتلاه وجرحاه بعد ان فجر منزل احد رفاقي في ظل قصف كثيف طال الاحياء السكنية في كفركلا، لنكتشف لاحقا ان منزلي تم تفخيخه لتفجيره بعد عودتي وباقي الرفاق اليه.. لكننا كنا بالمرصاد وقمنا بتفويت الفرصة عليهم.

ساعات قليلة، واذ بالعدو يدفع بعشرات لا بل مئات الجنود الى كفركلا. حملة تمشيط واسعة تخللها دهم للمنازل والمحلات. حتى الملاجئ التي احتضنت النساء والأطفال والعجزة اقتحموها بحثا عني وعن رفاقي. اقتادوا عددا من الرجال بالدبابات والمروحيات الى شمال فلسطين المحتلة وقد قارب عددهم عشرة رجال».

حسن عقيل حمود (أبو عمار») من مواليد العام 1935، شيوعي شاهد على احتلال فلسطين في العام 1948 وكان في طليعة من استقبلوا النازحين الى القرى الأمامية في الجنوب. ترك قريته الحدودية الى بيروت في العام 1976 بعد السيطرة عليها من قبل جماعة العميل سعد حداد قبل ان يعود اليها في العام 1982 بعد احتلال اسرائيل للعاصمة بيروت، لتعاني عائلته ظروف الاعتقال، فافتتح ابنه البكر عمار مع اخرين مقاومين معتقل الخيام في العام 1985 قبل ان يزج بابنه الاصغر جهاد لمدة 5 سنوات في المعتقل نفسه.

حكاية «ابو عمار» واحدة من حكايات كفركلا القرية التي يرث ابناؤها النضال والمقاومة مثلما يرثون زراعة التبغ وحقول الزيتون.

تعليقات: