لبنان مشكلة الولاء الوطني؟


ليست المشكلة في لبنان انتخاب رئيس بالثلثين او بالنصف زائد واحدا، ولا في صعوبة اختيار رئيس توافقي يؤيده الجميع وانما في طبيعة المجتمع اللبناني المفتقر دائما الى السلام الداخلي والتصالح مع النفس ولذلك يبقى لبنان دائما مفتوح على التوتر والاهتزاز الملجوم بتسويات واذا كان اسس التصالح مع النفس والهدوء الداخلي يرتكز على الايما ن بالله اولا والمودة مع الاقربين والمودة والرابط القوي مع اهل البيت والاقارب فان اللبنانيين وبصراحة يفتقرون الى هذه الثلاثية الذهبية فهم منقسمون شيع وطوائف طغى فيه الولاء الطائفي والحزبي على حساب الايمان الوطني وان لبنان وطن نهائي لجميع ابنائه كما ورد في مقدمة الدستور اللبناني التي بقيت مجرد جملة انشائية ليس الا، لان المشهد اللبناني منذ تاسيس لبنان في العصر الحديث هو مشهد مضطرب يتحدث عن تعايش بين اللبنانيين وليس عن مواطنيين لهم حقوق وعليهم واجبات تجاه الوطن فكلمة تعايش التي عبرت عن صيغة 1943 بعد نيل لبنان استقلاله عن فرنسا اساسا كانت تعبيرا يحمل التباسات كثيرة من خلال القول ان المجتمعين على ارض لبنان من طوائف متعددة ارتضوا التعايش فيما بينهم والتعايش في مفهومه يختزن بذور الرفض للقاء الطوائف فيما بينها والاستمرار تحت صيغة الدولة الواحدة اذا ما وجدت احدى الطوائف ان ميزان القوى الداخلي قد اختل لصالح اخرى او وجدت ان الصيغة التي قامت لم تعد صيغة عادلة وملائمة للواقع وعلى هذا الاساس الحروب الداخلية في اكثر من مرحلة في تاريخ لبنان وكان الجنوح الطائفي احيانا نحو طرح صيغة الفيدرالية او الكونفدرالية على حساب الدولة القومية، وكأن لبنان الصغير الذي لاتتجاوز مساحته ال 10452 كلم وبعد د سكانه الثلاثة ملايين قادر على تحمل كيانات مجهرية سبل حياتها مرتبطة بالخارج وباللعب على التناقضات المذهبية فلبنان الان بصورته وواقعه الحالي يكابد ويعاند لكي يحافظ على كينونته فهو بلد غير منتج خسر مكانته الاقتصادية نتيجة الحروب والصراعات المسلحة ولم يعد منطقة جذب استثماري وبصريح العبارة يعيش على المساعدات وبعض القطاعات المحلية والتحويلات من الخارج والعالم في ظل العولمة اذاب الكيانات و الدول الصغيرة التي باتت تسعى الى التكتلات والمحاور والاحلاف السياسية والاقتصادية لحفظ راسها ومكانتها فكيف سيكون حال دول الطوائف عندئذ في لبنان ؟ فحين تاسس لبنان اعطيت طوائف امتيازات على حساب طوائف اخرى في صيغة عرجاء شعر البعض فيها بالبعض في موازاة امتيازات للاخرين الى حد الاستئثار بالمناصب والوظائف الاساسية في الدولة والتي عرفها الزعيم اليساري الراحل كمال جنبلاط بالمارونية السياسية بعدما اخذ الموارنة الرئاسة الاولى والحصة الاكبر في مجلس النواب ومجلس الوزراء والوظائف الحساسة في الفئة الاولى بينما تقاسمت الطوائف الاخرى ما بقي من مناصب وفق توزيع غير متساو جعل الشعور بالانتماء للوطن واهن والدافع الى تحسين موقع الطائفة بين الطوائف هو الاساس وقد اجبرت الحرب الاهلية عام 1975 والتي استمرت 15 عاما اللبنانيين على اعادة النظر بصيغة العام 1943 التي رجحت كفة الثنائية المارونية السنية في النظام السياسي اللبناني مع ملاحظة اولوية للطائفة المارونية فيها فكان اتفاق الطائف في اواخر العام 1989 الحركة التصحيحية في النظام اللبناني حبث حد من الامتيازات المارونية ليزيد من حصص السنة والشيعة وباقي الطوائف الاخرى ونرافق هذا الاتفاق مع مناخ سياسي بلغ فيه العصر السوري في لبنان اوجه حيث كان الامر الناهي في تركيب المعادلات الداخلية اللبنانية مما ولد حركة اعتراضية على الصيغة الجديدة اعطت هذه الحركة عنوانا لها الخطأ في الممارسة والتطبيق وفي موازاة ا الاعتراض المسيحي الماروني على خسارة رئيس الجمهورية امتيازاته التي كان يتمتع بها لم يكن السنة راضين تماما عليها وهو ما يحاولون اليوم عبر مجلس الوزراء تعزيز مكانتهم في الوظيفة العامة وقد لقي ذلك اكثر من انتقاد من مجلس المطارنة الموارنة الذي يعتبر اعلى مرجعية مسيحية في لبنان والذي تحدث عن اسلمة للوظائف من جهتهم الشيعة لم يعودوا يقبلون ان يعاملوا وفق معادلات السابق فهم الان طائفة مسلحة قوية تواجه اسرائيل وبالتالي يجب على الاخرين قراءة الامر من هذه الزاوية، ولذلك صدرت مؤخرا اكثر من اشارة من قبل الشيعة حول الانقلاب على المناصفة في النظام اي المناصفة بين المسيحيين والمسلمين لصالح المثالثة اي ياخذ الشيعة الثلث والثلثين الباقيين تتقاسمهما الطوائف الاخرى وهو ما عد انقلاب على اتفاق الطائف وخلخلة للتوازن التوافقي اللبناني على اية حال سيطرت احدى الطوائف في لبنان على الوظائف لايعني بالضرورة ان الطائفة ككل تصبح هي المستفيدة لان هناك جماعة تنتمي الى الطائفة تحكم باسمها وتستحوذ على الامتيازات بينما الاخرون يتحملون وزر الممارسة الخاطئة للذين ياكلون الحصرم بينما الاخرون يضرسون وقد ولدت هذه المعادلات الطائفية الغريبة العجيبة ما عرف بالترويكا الرئاسية اي ان الامر بين ايدي الرئاسات الثلاث الجمهورية ومجلس النواب والحكومة مجتمعين ولكن التطورات السياسية التي شهدها لبنان بعد اغتيال الرئيس الحريري في عام 2005 فرطت تلك المعادلة بعدما تشظت الترويكا بحيث اصبحت رئاسة الجمهورية في صف المعارضة وهي المفترض وفق الدستور ان تكون حكما بين اللبنانيين وايضا رئاسة مجلس النواب بينما اصبحت الحكومة ورئاستها في صف الموالاة او في الطرف المواجه للرئاستين الاولى والثانية وعلى الرغم من ان الانقسام البارز حاليا على الساحة اللبنانية يطغى عليه الطابع السياسي الا انه في جوهره انقسام طائفي خطير يهدد في كل لحظة باشتعال نار الصراعات المحلية الداخلية في ظل هذا المشهد الداخلي المتاجج يدخل الاستحقاق الرئاسي مهلته الدستورية التي تنتهي في الرابع والعشرين من نوفمبر القادم ويشتبك اللبنانيون بطوائفهم وسياسييهم بحدة لاختيار رئيس لهم ياخذ على عاتقه حسم الكثير من العناوين المرتبطة بلبنان ككيان ودور وموقع سياسي وهذه مسالة ليست سهلة وفيها من الصعوبة ما يكفي لجعل الاستحقاق الرئاسي مفصل اساسي في تاريخ لبنان لاسيما في هذه الظروف المصيرية ولذا قد يفشل اللبنانييون في اختيار رئيس حاسم قادر على فكفكة مصادر الازمة اللبنانية لكنه بالطبع ان وجود رئيس مهما كان افضل من الفراغ الذي يؤدي الى انهيار الوطن وانفلات الفتنة من عقالها

* كاتب لبناني من الخيام


تعليقات: