النبطية: المنّ القطني يقضي على الصبّار

يباس الصبار في النبطية (عدنان طباجة)
يباس الصبار في النبطية (عدنان طباجة)


أكثر من تسعين في المئة من أشجار الصبار في منطقة النبطية يبست بفعل مرض «المن القطني» أو «الحشرة القرمزية»، لا سيما في بلدة «عبّا» المشهورة بتلك الزراعة.

وقد زرع الصبار بكثافة في «عبا» منذ عقود، بهدف تسييج الكروم، فكان بديلاً من السياجات الحديدية الشائكة. ويحتوي الصبار على جميع الفيتامينات والمقويات والمنشطات كما يفيد ذوو الاختصاص، وله فوائد عديدة للجسم من بينها: معالجة الضعف الجنسي والسعال، وتنظيف المعدة من الديدان والطفيليات، إذا تم تناوله باعتدال، في حين قد يؤدي إلى الإمساك في حال الإفراط في ذلك، كما أنه يستعمل في صناعة المربيات والحلويات والبوظة والشامبو والمنظفات المنزلية والصناعية.

ويأسف رئيس بلدية عبا المهندس إبراهيم قاووق لفشل الإجراءات التي قامت بها البلدية بالتعاون مع وزارة الزراعة والمزارعين، لمكافحة مرض المن القطني عند اكتشافه قبل ثلاث سنوات، وذلك من خلال رش الأشجار بالدواء اللازم. لكن المرض كان قد تمكن من التغلغل والانتشار في جذوع الأشجار قبل ذلك بسنوات، بحيث لم يقو الدواء على قتل الحشرة في الوقت المناسب، إلى أن قضى على معظم زراعة الصبار في البلدة والمنطقة خلال الموسم الحالي، حارماً الأهالي من موارد مادية لا يستهان بها.

ويشير قاووق إلى أن البلدية كانت أرسلت صوراً وعينات عن المرض إلى وزارة الزراعة التي بدورها أرسلت أحد المهندسين الزراعيين الذي قام بمعاينة نخبة من الأشجار المريضة، ونتيجة لذلك وجد أن المرض ليس بخطير، وهو عبارة عن حشرة ليست مضرة تشبه دودة القز، وتفرز مادة من القطن على غلاف الثمرة وتحتها مادة قرمزية تشبه لون الدم، لذلك سميت بالحشرة القرمزية. ويلفت قاووق إلى أن المهندس المذكور نظم دورة إرشادية للمزراعين تضمنت إرشادات عن كيفية مكافحة المرض من خلال رشه بالمبيد الزراعي اللازم الذي أرسلته وزارة الزراعة إلى البلدية في وقتٍ لاحق، ووزعته على المزارعين لرش الأشجار به، لكن كل هذه الإجراءات لم تفلح في القضاء على هذا المرض الذي شكل كارثة للمزارعين.

تتغذى الحشرة القرمزية المسببة لمرض المن القطني على ألواح الصبّار السميكة، وتبدأ في امتصاص عصارتها، ما يؤدي إلى جفافها واصفرارها وتلفها وقد تصل إلى إتلاف الشجرة كلياً وهذا ما حصل في الموسم الحالي، كما يقول المهندس الزراعي محمد الأخرس، الذي أوضح أن سبب ظهور الحشرة يعود إلى عوامل وأسباب عديدة منها: فقدان العدو الطبيعي لها أو تقلّص عدده، وهي من عائلة الدبابير، لكن حجمها أصغر بكثير، كما أن استخدام الأدوية اللازمة مع الزيت الصيفي المعدني الفعال لمكافحة تلك الحشرة لم يعطِ النتائج المطلوبة خلال الأعوام الثلاثة الماضية، بسبب الأخطاء التي ارتكبها المزارعون أثناء الاستعمال، في غياب فريق الاختصاصيين الذي كان يجب مواكبتهم.

ويلفت الأخرس إلى أنه كان من المفترض البدء بمكافحة الحشرة القرمزية قبل نضوج ثمار الصبّار، وذلك من خلال طريقة الرش المصحوبة بضغط الماء القوي، للتخلص من أكبر قدر ممكن من الحشرات، بعدها يعاد الرش بطريقة التبخير بعد نحو أسبوعين، لكن لم يحصل أي شيء من ذلك، ما ساهم في استفحال المرض وانتشاره.

ويوضح رئيس مصلحة الزراعة في النبطية المهندس هادي مكي أن أسباب مرض الحشرة القرمزية لا تزال غير معروفة، وقد تكون نتيجة لعوامل مناخية أو بيئية أو وبائية،لافتاً إلى أن المصلحة وزعت كميات من دواء «الزيت المعدني» المقاوم للمرض على البلديات التي بدورها وزعتها على مزارعي الصبار لرش مواسمهم بواسطتها خلال الأعوام الثلاثة الماضية.

وينصح مكي المزارعين باستئــصال أو حرق الصبار اليابس بسبب المرض لكي تتم إعادة معالجته بالزيت المعدني بعد تفريخه مجدداً، لافتاً إلى أن من بين أسباب تفشي المرض هو صعوبة الوصول إلى المناطق الجغرافية الموجودة فيها أشجار الصبار جراء وعورة المسالك المؤدية إليها.

وتحتل زراعة الصبار التي ورثها أهالي عبا عن أجدادهم وآبائهم مساحات واسعة من أراضي البلدة البعلية والجبلية الصخرية، بحسب المختار حسن معلم، ما جعل من الصبار «العباوي»، لا سيما «البراوي» الذي يعيش في البرية صباراً مميزاً بنكهته الطيبة وطعمه اللذيذ، لافتاً إلى أنه من أسباب تفوّق الصبار على الزراعات الأخرى أنها تبدأ الإنتاج بعمر ثلاث سنوات، وينتج الدونم الواحد منها نحو 200 كيلوغرام، ويبدأ قطافها في بداية شهر تموز وينتهي في بداية شهر أيلول. ويشير المزارع خليل ترحيني إلى تراجع زراعة التبغ التي كانت تعتبر الزراعة الأساسية لهم على مدار السنين، لكنها وصلت إلى حد الانقراض بعد أن تفوقت عليها زراعة الصبار والزيتون لإنتاجهما الوافر وقلة كلفتهما المادية، بينما العكس تماماً بالنسية لزراعة التبغ، مطالباً بالتعويض على مزارعي الصبار الخسائر التي أصابتهم، باعتبار الوباء الذي حل بزراعتهم يصنف في عداد الكوارث الطبيعية كالزلازل والفيضانات التي تستدعي التعويض عليها.

ويقدر المزارع حسين فحص الإنتاج السنوي للبلدة من الصبار بمئات الأطنان التي يبلغ ثمنها عشرات الآلاف من الدولارات التي خسرها المزارعون، بحيث كان متوسط دخل كل مزارع يبلغ نحو خمسة آلاف دولار، ويباع الإنتاج في الأسواق المحلية وأسواق الجملة ويتراوح سعر كل مئة حبة منه بين سبعة وعشرة آلاف ليرة في البلدة، بينما تباع بعشرين ألف ليرة في الأسواق المحلية، كما تباع في الجملة في أسواق النبطية وصيدا وبيروت ومختلف المناطق.

تعليقات: