إنتاج الخروب وصناعته يزدهران في النبطية

الخروب يزرع البهجة في الجنوب
الخروب يزرع البهجة في الجنوب


مع مشاريع زراعة المشاعات ومعمل للدبس

باستثناء أشجار الخروب البرية القليلة التي تعيش في الغابات والأحراج والأراضي الصخرية في منطقة النبطية، لم تعرف المنطقة زراعة منظمة لأشجار الخروب إلا في عهد البلديات الحديثة التي نشأت أواخر تسعينيات القرن الماضي، حيث أخذت هذه الزراعة تحتل حيزاً مهماً من حملات زراعة الأشجار الحرجية التي دأبت على القيام بها منذ ذلك الحين، وتحولت بفضلها جوانب الشوارع والطرق الرئيسية والمشاعات البلدية والعامة إلى واحات خضراء تكحل عيون الناظرين، وتوفر الظل والهواء النقي والمنظر الجميل والثمر اللذيذ الذي تنتجه، ليصبح مصدر دخل للكثير من البلديات التي تعرضه للاستثمار لمن يرغب من المواطنين بطريقة المناقصة. ونظراً لازدياد المساحات المزروعة بأشجار الخروب في منطقتي إقليم التفاح والنبطية عاماً بعد عام، كان لا بد من وجود معامل لصناعة دبس الخروب، لكي تستوعب الإنتاج الناجم عن هذه الزراعة، إلى أن توفر أحدها في بلدة عربصاليم منذ فترة وجيزة، وذلك بفضل جهود «الجمعية الزراعية» في البلدة، وبتمويل من عدد من الجمعيات والمؤسسات المانحة، حيث بات مقصداً لكافة المواطنين الذين يتعاطون في زراعة وصناعة دبس الخروب وتجارته في المنطقة.

هذا المعمل هو الأول من نوعه في المنطقة من حيث حداثته وتطوره، إذ بلغت كلفته حوالي 90 مليون ليرة، وبإمكانه إنتاج مئة طن من الدبس وبنوعية عالية الجودة، كما يقول رئيس الجمعية المهندس قاسم حسن، مشيراً إلى أنه يندرج في إطار تنشيط زراعة الخروب التي كانت تتجه نحو الاضمحلال كشقيقاتها من الزراعات البعلية. ونظراً للأهمية القصوى التي توليها بلدية عربصاليم لشجرة الخروب والاستفادة من ثمرها، بادرت في العام 2002 بالتعاون مع الجمعية اللبنانية للتنمية وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية المحلية لتشجيع زراعة الخروب وإنتاج دبسه، إلى زراعة 80 دونماً من مشاعات البلدية بأشجار الخروب التي تشكل في الوقت الحالي غابة فريدة من نوعها وجمالها وإنتاجها.

البقايا مفيدة أيضاً

ويشير حسن إلى أن البقايا الناتجة من صناعة دبس الخروب يتم تحويلها إلى كمبوست زراعي أو علف للحيوانات. كذلك يجري العمل حالياً على الاستفادة من بذور الخروب في لبنان، نظراً لأهميتها في صناعة أدوية التجميل، إذ ان ما نسبته سبعة في المئة من ثمار الخروب يحتوي على البذور، ولأنه لا توجد في لبنان تقنية لتصنيعها يجري تصديرها إلى فرنسا، حيث يباع الكلغ الواحد منها بثلاثين دولاراً، بينما يشترى بدولارين ونصف دولار من لبنان، لافتاً إلى أنه يجري العمل حالياً على التعاون مع اختصاصيين في المنطقة للاستفادة من هذه البذور محلياً، كما يجري التواصل مع التجار الفرنسيين للتعامل معهم بشكل مباشر ومن دون أي وسيط لتأمين السعر العادل. «كما سنعمل على صناعة شراب الخروب المستخرج من العصارة ، وإنتاج بسكويت الخروب الخالي من السكر، إضافة إلى مسحوق الخروب الذي يستعمل بديلاً من الكاكاو»، كما يقول.

كيف تتحول الثمار الى دبس

يؤكد حسن أن الناس يتهافتون على شراء إنتاج المعمل من دبس الخروب بشكل كثيف، لتوجههم نحو الإنتاج الصحي والطبيعي، حيث نبيع الكلغ الواحد بسعر 5 آلاف ليرة، تحت اسم «دبس الجبل الرفيع» لافتاً إلى أن نتاج المعمل سيصب في تطوير صناعة الملوخية والخشب الاصطناعي في البلدة، وهو يحث كافة البلديات في الجنوب ولبنان على تشجيع المواطنين على زراعة الخروب في نطاقها، متعهداً بأن تشتري التعاونية الزراعية في عربصاليم المحصول منهم إن أرادوا.

ويشرح المواطن حسين ياسين الذي يعمل في صناعة وبيع إنتاج الخروب كيفية تحول ثمار الخروب في المعمل إلى دبس لذيذ الطعم، حيث يجري قطف ثماره بعد نضوجه وتحول لونه إلى الأسود في أواخر شهر آب، ويتم تجفيفه تحت أشعة الشمس فترة من الوقت، ثم ينقل إلى المعمل لتكون فرامة الخروب بانتظاره، وبعد فرزه وتقطيعه يعمل غربال على تنقية كسر الخروب الصغيرة والكبيرة من الشوائب، فيذهب الكسر نقياً إلى التخمير، ويحفظ في غرفة معتمة لمدة تتراوح بين شهرين وثلاثة أشهر كي يختمر جيداً، بعدها ينقع في المياه لمدة 8 ساعات لاستخراج عصارته التي يمكن تحويلها إلى شراب يفيد في أمراض المعدة، ثم يطبخ على نار البخار الذي يوفره جهاز» الشاديار» لمدة أربع ساعات ليصبح دبساً جاهزاً للبيع.

صناعة ريفية تراثية

وفي بلدة الخرايب في منطقة الزهراني التي تشتهر بزراعة أشجار الخروب في الجنوب، تعتبر صناعة دبس الخروب من الصناعات الريفية والحرفية والتراثية، وأحد معالم البلدة التي تشتهر بها لأكثر من تسعين سنة خلت، حيث كان يوجد فيها معصرتان قديمتان، لا تزال واحدة منهما تعمل حتى الآن ويديرها علي خليفة الذي يشير إلى أن دبس الخروب كان وسيبقى سيد المائدة لأهالي الخرايب لا سيما في فصل الشتاء، لكونه يبعث الدفء والحرارة والحيوية والقوة والنشاط في الجسم، لكنه في نفس الوقت يأسف لتمدد العمران والازدهار، الذي قضى على قسم كبير من أشجار الخروب في البلدة، ويهدد ما تبقى منها على مدى السنوات المقبلة.

تعليقات: