زلزال «فينوغراد» يطيح وزيراً ويصدِّع الائتلاف الحاكم

أولمرت سيغادر برضاه... أو رغماً عنه-

ماذا حذف في النسخة السرية للتقرير؟

إجماع على ضرورة استقالة إيهود أولمرت، شرط عدم إجراء انتخابات مبكرة خشية أن يصبح بنيامين نتنياهو خليفته. هذه خلاصة الموجة الارتدادية الأولى لتقرير «فينوغراد»

هز تقرير فينوغراد الساحة السياسية الإسرائيلية، وبلغ حد انشقاق وزيرة الخارجية تسيبي ليفني عن رئيسها، في الحزب والحكومة. الطامحون إلى رئاسة الوزراء كثر، في مقدمتهم ليفني نفسها، ونائب رئيس الحكومة شمعون بيريز ووزيرا المواصلات شاؤول موفاز والإسكان مئير شطريت.

وقالت ليفني، خلال مؤتمر صحافي عقب لقاء عقدته أمس مع أولمرت: «عبرت خلال لقائي بأولمرت عن رأيي بأن الاستقالة هي الأمر الصحيح من قبله»، مشددة على أنها باقية في الحكومة «ولن تعمل على إقالة أولمرت». وأوضحت أن «هذا القرار هو من يتخذه»، مشيرة إلى أنه لا يوجد في النظام الداخلي لحزب كديما آلية تمكن من إقالة رئيسه.

وعزت ليفني أسباب بقائها في الحكومة إلى «التأكد من أن يأخذ مسار الإصلاحات طريقه إلى التنفيذ»، واصفة الوضع القائم بينها وبين أولمرت بأنه ليس مسألة شخصية.

وعبرت ليفني عن إيمانها بحزب كديما الذي كانت «شريكة في تأسيسه، وأنا أؤمن بأنه ينبغي أن يبقى وقيادة دولة إسرائيل. وعندما يحين الموعد سأترشح للانتخابات». كما أكدت أن استقالة أولمرت ستؤدي إلى تشكيل حكومة بديلة من دون إجراء انتخابات عامة، في محاولة للإشارة إلى أن هذه الخطوة لن تؤدي إلى سقوط كديما من الحكم واستبداله بحزب الليكود وزعيمه بنيامين نتنياهو. ورأت أن إجراء الانتخابات في هذه المرحلة «خطأ» لأن إسرائيل «تحتاج إلى الاستقرار».

وعلق المستشار الاستراتيجي لأولمرت، طال زيلبرشتاين، على كلام ليفني بالقول إنه «لا مفر من إقالتها بعدما فعلت ما فعلت».

وكان سكرتير حزب العمل الوزير ايتان كابل قد أعلن عن استقالته من الحكومة، مشيراً إلى أنه لا يستطيع البقاء في حكومة يترأسها أولمرت.

كذلك، أعلن النائب أفيغدور يتسحاقي، بعد مؤتمر ليفني، استقالته من رئاسة الائتلاف الحكومي.

ورأت عضو الكنيست ليمور ليفنات (الليكود) أن «مطالبة أولمرت بالاستقالة غير كافية، وأن المسؤولية عن الفشل ملقاة على كاهل كل من أعضاء الحكومة وعلى كل أعضاء الحكومة الاستقالة».

وأكدت رئيسة كتلة ميرتس عضو الكنيست زهافا غلاؤون أن «كلام الوزيرة تسيبي ليفني أثبت أن كل الحكومة ينبغي أن تذهب إلى البيت».

أما عضو الكنيست آفي إيتام (الاتحاد القومي ــــــ المفدال) فقد رأى أن «محاولة دعوة رئيس الحكومة إلى الاستقالة وفي الوقت نفسه الاستمرار في ظل وزيرة في حكومته هو أمر فاسد وغير أخلاقي ويعبر عن فقدان الشجاعة والقيادة».

وقال رئيس المفدال عضو الكنيست زبولون أورليف إن «ليفني وجهت رسالة واضحة لأولمرت: أنت رئيس حكومة محدود مع وقف التنفيذ وينبغي أن تذهب إلى البيت سريعاً».

وكانت النائبة مرينا سلودوكين أول من دعا من داخل كتلة كديما أولمرت إلى الذهاب إلى البيت، وقالت له: «لا مفر، على أولمرت أن يستقيل». ولحقها ظهراً النائب ميخائيل نودلمان، لكن بعد ساعات المساء تراجع إثر حديث أجراه معه أولمرت.

وذكرت تقارير إعلامية إسرائيلية أن أعضاء آخرين في حزب كديما أعلنوا في محادثات مغلقة أن «إنهاء ولاية أولمرت هو مسألة وقت».

في المقابل، بادر كل من وزير الداخلية بارأون ورئيس لجنة الخارجية والأمن تساحي هنغبي، ووزير الشؤون البرلمانية يعقوب ادري للدفاع عن أولمرت تحت شعار أن استقالته ستؤدي إلى إجراء انتخابات عامة وإلى تتويج نتنياهو رئيساً للحكومة.

أما شطريت فقد رأى، من جهته، أنه «لا حاجة لقطع الرؤوس. لا ينبغي لكديما أن يعمل على تنحية أولمرت، لكن إذا ما استقال أولمرت فستجري انتخابات تمهيدية، ومن يرغب في التنافس فليتفضل». ودعا شطريت إلى «إظهار بعض الرأفة وعدم المسارعة إلى قطع الرؤوس، ويجب السماح للجمهور بقول كلمته».

أما وزير الدفاع عامير بيرتس فقد مثل حالة خاصة، وقال: «يمكن للحكومة أن تؤدي مهامها حتى بعد هذا التقرير» في إشارة إلى تقرير لجنة فينوغراد.

وكان رئيس حزب شاس إيلي يشاي قد التقى، في أعقاب الإعلان عن تقرير فينوغراد، المرشد الروحي للحركة الحاخام عوفاديا يوسف الذي عبَّر عن أسفه لعدم قبول اقتراح يشاي في الحكومة، خلال الحرب، لتدمير قرى لبنانية بأكملها وتسويتها بالأرض، بالإضافة إلى ضرب البنى التحتية وتخريب الشوارع وقصف شبكات الماء والكهرباء.

في هذا الوقت، هاجمت المعارضة قرار أولمرت بعدم إلقائه كلمة خلال اجتماع الكنيست اليوم لمناقشة تقرير فينوغراد. ورأت غلاؤون أن أولمرت «يبدي جبناً أخلاقياً بامتناعه عن الظهور أمام الكنيست في النقاش». ووصفته بأنه «يخشى مواجهة الانتقادات ضد الفشل الهائل الذي يتحمل هو مسؤوليته».

ورأت ليفنات أن هذا الأمر يشكل «استخفاف فاضح بالمؤسسة العليا في الديموقراطية الإسرائيلية». ورأت أن أولمرت «يهرب مرة أخرى، وهذا هروب خطير من المسؤولية، وسوف يدفع مقابل ذلك ثمناً إضافياً».

ونقلت صحيفة «هآرتس» عن مصادر سياسية قولها إن السياسة الداخلية في إسرائيل أدت إلى عرقلة خطوات سياسية عديدة، مثل إنشاء طاقم متابعة للجامعة العربية، الذي من المفترض أن يعرض على إسرائيل مبادرة السلام العربية.

لكن هذه المصادر قالت إنه ليس لديها اي علم بتأجيل زيارة وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس، المخطط لها في الخامس عشر من شهر أيار.

وكان أولمرت قد بادر في أعقاب الإعلان عن تقرير فينوغراد إلى إجراء لقاءات ماراتونية مع قادة المؤسسة الأمنية، وقد اجتمع مع رئيس الموساد مئير دغان ورئيس مجلس الأمن القومي إيلان مزراحي، ورئيس الأركان غابي أشكنازي. وطلب منهم تقسيم عناصر التقرير وتحضير الاقتراحات من أجل تنفيذ عبره.

كما اجتمع أولمرت مع ثلاثة من رجال مكتبه، رئيس الطاقم يورام توربوبيتش، والمستشار السياسي شلوم ترجمان وسكرتير عام الحكومة يسرائيل ميمون، من أجل التحضير لمشروع قرار سيعرضه على الحكومة اليوم، ويتعلق بتشكيل طاقم لتنفيذ عبر تقرير لجنة فينوغراد، برئاسة رئيس الأركان الأسبق أمنون ليبكين شاحك الذي وافق على هذه المهمة.

وسيطلب أورمت من الطاقم تقديم توصياته خلال 30 يوماً، من أجل تفعيل كل أقسام مكتب رئيس الحكومة والوحدات المساعدة من أجل تنفيذها. ويتوقع أيضاً أن تقرر الحكومة في جلسة خاصة إنشاء لجنة وزارية برئاسة أولمرت نفسه، مهمتها فحص تنفيذ استنتاجات الجزء الأول من تقرير فينوغراد.

أولمرت سيغادر برضاه... أو رغماً عنه

«معاريف» ـ بن كسبيت

المقربون من أولمرت يعرفون الحقيقة المرّة. لن يتمكن رئيس الحكومة من البقاء في منصبه بعد تقرير كهذا. عليه الذهاب إلى البيت. لقد قالوا له ذلك أمس. بوجه مهين، وعينين مطفأتين وصوت مرتجف. رجال أولمرت القلة كانوا أمس حزينين جداً: «لم نصلِّ من أجل تقرير كهذا».

الصدمة في ديوان أولمرت ثقيلة. يمكن الاستماع إلى ساعة الرمل على الحائط وهي تنفد. إنها مأساة شخصية، لكنها أيضاً قومية. صدق من قال أمس إن الانتخابات الآن تعني دفن تقرير فينوغراد. بالدفن السياسي لأولمرت، سلموا أمس، إلا أن دفن التقرير الرائع سيضيّع فرصة تاريخية لن تتكرر لتنفيذ إصلاح في إسرائيل.

في ضوء ذلك، إن إعلان أولمرت أمس رفضه الاستقالة هو لعب على الوقت. في إسرائيل، المنازعة طويلة وبشعة. أولمرت يعيش الآن منازعة مبكرة. المقربون منه يعرفون أنه إذا لم يستقل الآن، فإن اللجنة ستطيحه في الصيف، على وقع الهتافات في ساحات تل أبيب. إنهم يعرفون ذلك من التقرير. لذلك سيحاول المبادرة إلى خطوات لتطبيق التقرير، وإقامة طاقم خاص من أجل ذلك، إضافة إلى أمر صغير آخر: إيجاد خليفة في كديما «حتى لا تنتقل الدولة لنتنياهو». إيجاد خليفة يعني، بحسب أولمرت، كل من ترغبون فيه، سوى ليفني.

أولمرت جلس أمس أمام أعضاء اللجنة كالمحكوم عليه بالإعدام الذي يجلس أمام السفاح، ولا يحصل حتى على فرصة الرغبة الأخيرة. وجهه كان بائساً، شاحباً. كان ينقصه فقط الكيس في رأسه.

بعد ذلك بدأ تصفح التقرير. وفي كل صفحة كانت يقلبها كانت تلوح أمامه كلمة «فشل» صادرة بحقه. إلى أن وصل إلى الفصل السابع، وفهم حينها أنه لا يمكن العودة من تقرير كهذا. لا قيامة بعده. فهم أنه مع تأليفه هذه اللجنة وقّع على شهادة وفاته السياسية.

عندما بدأ القاضي فينوغراد أمس قراءة ملخص التقرير، ساد الصمت. بعد ثماني دقائق اتضح أن الأمر يتعلق بهزة أرضية.

ليس من السهل رؤية كرنفال الرقص على الدماء الذي بدأ أمس في محطة المنار التابعة لحزب الله. هتافات النصر التاريخي هذه صعبة الهضم، وتؤدي إلى التأمل الحزين في الجَلد المبالغ للذات الذي نمارسه، وفي حاجتنا إلى إقناع العالم العربي بأننا خسرنا هذه الحرب.

القليل من التناسبية: حزب الله، المنتصر الكبير في الحرب، يصارع الآن من أجل «النزول إلى المناطق المفتوحة جنوبي الليطاني»، وذلك بعد أن سيطر وجثم على السياج الحدودي لمدة ستة أعوام، وهو فقد أيضاً ذراعه الصاروخية الاستراتيجية، إضافة إلى 800 مقاتل. أما إيران، فإنها تغلي بالغضب على (الأمين العام لحزب الله السيد) نصر الله، الذي ما زال مختبئاً في الخندق. كل هذا لا يُحلّي الحبة المرّة التي نبتلعها. لكن لا ينبغي النسيان. يمكن أن نتباهى بأن الدولة اليهودية أنشأت لجنة تحقيق. لم نقمها لأننا خسرنا، بل لأننا لم ننتصر.

ماذا الآن؟ الأسباب التي تبقي أولمرت في منصبه بسيطة: هو أولاً إنسان. بالتالي ما زال يأمل حصول معجزة. يريد أن يعد للعشرة قبل أن يقدم على شيء دراماتيكي. ثانياً، هو يعلم أنه إذا ذهب الآن، فسيكون منفياً، مطروداً. ثالثاً، ما البديل؟ هو غير مستعد لنقل الدولة إلى نتنياهو، ولا إلى تسيبي ليفني.

ماذا حذف في النسخة السرية للتقرير؟

يقع التقرير الأصلي للجنة فينوغراد في 323 صفحة، في حين اقتصر التقرير الذي نشر على 178، من ضمنها الملاحق المرفقة. وقد تم تصنيف التقرير الكامل في خانة «سري جداً» لاحتوائه على مواد ذات حساسية أمنية ودبلوماسية، ولم تُسلّم منه سوى نسخ معدودة لكل من رئيس الوزراء إيهود أولمرت، ووزير الدفاع عامير بيرتس، وبعض المسؤولين الإسرائيليين ذوي الصلة.

واقتطعت الصفحات الـ150 من التقرير الأصلي في أعقاب رقابة مزدوجة خضع لها على مرحلتين؛ في المرحلة الأولى، بادرت اللجنة نفسها إلى حذف معطيات تنطوي على معلومات حول قدرات الجيش الإسرائيلي، وكذلك معطيات أخرى تتعلق بالعلاقات الخارجية لإسرائيل. ومن بين هذه المعطيات، وفقاً لما أفادت به تقارير إعلامية إسرائيلية، محادثات أجراها أولمرت مع مسؤولين في الإدارة الأميركية، وكذلك «رسائل وصلت من دول عربية معتدلة عبرت عن تأييدها لتوجيه ضربة عسكرية لحزب الله». كما يعرض التقرير الأصلي النصوص الكاملة لبعض الاقتباسات التي استشهد بها من إفادات بعض المسؤولين الإسرائيليين، وهي اقتباسات تم اقتطاعها في التقرير العلني.

وفي مرحلة لاحقة، قامت وحدة أمن المعلومات في الجيش الإسرائيلي، وكذلك الرقابة العسكرية، بشطب معطيات أخرى من التقرير الأصلي تتحدث عن الفشل الاستخباري. وتتحدث هذه المعطيات بالتفصيل عن المعلومات التي وردت إلى الاستخبارات العسكرية وكانت تشير إلى نية حزب الله تنفيذ عملية أسر.

(الأخبار)

تعليقات: