لبنان يستفيق أسود


تضــــارب في الأرقــــام وتقــــاذف للمسؤوليّــــات والخسائــــر بالملاييــــن

استفاق لبنان أمس على مشهد أسود قلّ نظيره، ويمكن المتجول في مختلف المناطق التي طالتها الحرائق أن يتنبأ بمستقبل هذه الأراضي التي استحالت صحراء قاحلة جرداء.

ففي المناطق الصخرية والرملية يتهيأ سماسرة الكسارات والمرامل إلى الاستفادة من الرخص الإدارية التي يمنحها الوزير حسن السبع شمالاً ويميناً ويمكن اعتبارها محفزاً أساسياً على افتعال الحرائق، وخصوصاً في منطقة جبل لبنان. أما في الغابات الحرجية، وخصوصاً التي كانت تشتمل على أشجار سنديان والملول معمرة فيتهيأ تجار الفحم للانقضاض على ما بقي منها لجمعه وتفحيمه، معتقدين أنها تجارة مربحة، فيما أظهرت التقديرات الأولية أن الخسائر الاقتصادية لهذه الكارثة ستكون بعشرات الملايين من الدولارات.

لم يصدر حتى اللحظة رقم رسمي للمساحة المحترقة، وهو أمر يقتضي تشكيل فريق تقني متخصص. لكن الأرقام تراوحت بين 2000 هكتار وفقاً لوكالة فرانس برس نقلاً عن مصدر رسمي و100 هكتار لمدير الدفاع المدني العميد درويش حبيقة، الأمر الذي يطرح من جديد إشكالية الرقم في لبنان. ولقد أشار حبيقة في إحدى التصريحات الصحفية «أنه سيتم الاستعانة بالمياه المالحة من البحر لتأمين الحاجة من المياه لإطفاء بقية الحرائق»، فيما يحذر البيئيون من مغبة استعمال المياه المالحة في مكافحة حرائق الغابات نظراً لخطرها الشديد على التنوع البيولوجي.

المدير العام لوزارة البيئة بيرج هتجيان أكد لـ«الأخبار» أن الوزارة سوف تدعي أمام القضاء المختص على مجهول في هذه الجريمة البيئية التي تُعَدّ من أهم وأخطر الجرائم على الصعيد الوطني. ورفض هتجيان تحميل وزارة البيئة أي دور في ما حصل، إن كان لجهة الإجراءات التي سبقت اندلاع الحرائق أو لجهة آلية المكافحة، ووضع وزر الأمر بالكامل على وزارتي الزراعة والداخلية. هتجيان دافع عن حملات التشجير التي سبق لوزارة البيئة أن قامت بها، لكنه نفى أن تكون الوزارة بصدد إعداد خطة جديدة للتشجير منعاً لازدواجية العمل مع وزارة الزراعة، واضعاً إمكانات الوزارة في خدمة أي خطة طوارئ تُقَرّ في مجلس الوزراء.

من جهته أكد وزير الزراعة المستقيل طلال الساحلي في حديث تلفزيوني «أن عدم تطبيق قرارات سابقة لمجلس الوزراء من ست سنوات سبب كارثة الحرائق». الوزير أخرج من ذاكرته أرشيف قرارات مجلس الوزراء التي صدرت عام 2001 حول خطة لمكافحة الحرائق قدمها استشاري فرنسي تقضي بنشر آبار وأبراج مراقبة في الأحراش. لكن التقصير والإهمال دفعا إلى عدم تطبيق مجلس الإنماء والإعمار لهذه الخطة منذ ست سنوات.

ميدانياً، نجحت الأجهزة المختصة بمكافحة الحرائق في إخماد غالبيتها، لكنها واصلت أمس مكافحة بعض الحرائق الصغيرة في الشمال وتحديداً بين بلدتي القبيات وعندقت في منطقة عكار. وطلب لبنان رسمياً المساعدة لمكافحة الحرائق من إيطاليا والأردن وقبرص. وتمكنت فرق المكافحة من إخماد النيران التي عادت واندلعت في منطقة المرغان في القبيات، واستمر تصاعد الأدخنة المتفرقة في تلة الصليب وكسارة إبراهيم خطار في منطقة المرغان، وعمل رجال الإطفاء على إخمادها بمساعدة طوافة قبرصية كانت قد وصلت عند العاشرة إلى قاعدة القليعات الجوية في سهل عكار، وقامت الطوافة بعدة عمليات بدءاً من الساعة الحادية عشرة والنصف قبل الظهر وكانت تتزود المياه من بحيرة الكواشرة القريبة.

وأفاد مصدر ملاحي في مطار بيروت الدولي عن وصول طائرتين إيطاليتين وطائرة من قبرص القريبة وأخرى من الأردن صباح أمس، فيما ذكر القائم بالأعمال القبرصي في لبنان كيرياكوس كوروس لوكالة فرانس برس أن بلاده «جهزت طائرة ثانية لاستقدامها في حال الضرورة».

رئيس جمعية الثروة الحرجية والتنمية منير أبو غانم حذر من احتمال تجدد الحرائق من جراء تطاير الأعشاب المحترقة في حال استمرار الرياح، مستبعداً أن تكون الحرائق قد بدأت بطريقة متعمدة. وقال لـ«الأخبار» إنه يرجِّح أن يكون السبب الرئيسي للحرائق هو الإهمال وليس أمراً جرمياًً». وأضاف: «مصدر هذا الإهمال لجوء المواطنين إلى إشعال نيران صغيرة للتخلص من الأعشاب الجافة في أو ما يشابه ذلك». وأضاف: «إذا احترق حرج صنوبر مرتين خلال عشر سنوات فلن ينمو مجدداً، وبالتالي نفقده نهائياً». وحمّل أبو غانم «وزارة الزراعة مسؤولية رفض توصية مجلس النواب بإنشاء مؤسسة وطنية تعنى بالغابات، ومن شأنها أن تتخذ إجراءات وقائية فاعلة بسبب مركزية القرار».

تعليقات: