هكذا ستتم عمليّة بيع رخصتي الهاتف الخلوي

المبنى الرئيسي لأحد مشغلي الخلوي
المبنى الرئيسي لأحد مشغلي الخلوي


انتهت التحضيرات لإطلاق مزايدة بيع رخصتي الهاتف الخلوي، ورجّحت مصادر وزارية أن يتخذ مجلس الوزراء قراراً في جلسة قريبة، ربما في الأسبوع المقبل، يقضي بالسير في هذه العملية على الرغم من وجود خلافات حول قانونيتها قبل صدور قانون خاص من المجلس النيابي يجيزها

تسلّم رئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة، بصفته رئيس المجلس الأعلى للخصخصة، منذ يومين الوثائق الأساسية المتعلقة بإجراءات بيع رخصتي الهاتف الخلوي، التي أعدها المجلس بمشاركة الهيئة المنظّمة للاتصالات، وقالت مصادر وزارية لـ«الأخبار» إن مجلس الوزراء سيدرس في جلسته في الأسبوع المقبل، أو الأسبوع الذي يليه، مدى ملاءمة الظروف الحالية لإطلاق هذه العملية، كما سيطّلع على رأي هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل، التي أعدّت مطالعة قانونية بناءً على طلب وزارة الاتصالات ترى أن لا حاجة الى قانون جديد يصدر عن المجلس النيابي للسير في عملية بيع الرخصتين والشبكتين وعقود المشتركين لشركات خاصة، إذ إن ـــــ بحسب ما ورد في مطالعة الهيئة ـــــ بإمكان مجلس الوزراء أن يستند في قراره الى القانون الرقم 431 الذي نظّم قطاع الاتصالات وقضى بإنشاء الهيئة المنظّمة، وأعطاها صلاحية منح الرخص، وبالتالي فإن هناك قاعدة قانونية تسمح بمباشرة عملية البيع، ما دام القانون قد أعطى صلاحيات مسبّقة في هذا الشأن للهيئة المنظمة.

إلا أن هذا الرأي يتعارض كلياً مع رأي رئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي يصر على أن قانون الخصخصة ينص صراحة على إلزامية عودة مجلس الوزراء الى المجلس النيابي لأخذ موافقته على كل عملية خصخصة على حدة، ويرى أن أي خطوة تناقض ذلك تُعدّ مخالفة للدستور والقانون، وكانت مصادر قد نقلت سابقاً عن الرئيس بري تحذيره من محاولات بيع الرخصتين من دون إقرار قانون جديد، لافتاً الى أن «هناك شركات جاهزة لشراء الشبكتين الخلويتين بموجب صفقة لحساب بعض المحاسيب والأقارب والأزلام»، مشدداً على «أن هذا الأمر سنتصدّى له بكل قوة».

ومن المقرر أن يعقد المجلس الأعلى للخصخصة بمشاركة الهيئة المنظمة اجتماعاً اليوم أو غداً لوضع اللمسات الأخيرة على الخطة المقررة لإطلاق مزايدة البيع، تمهيداً لإحالة كل الوثائق، بما فيها دفاتر الشروط، على مجلس الوزراء، وقال رئيس الهيئة كمال شحادة لـ«الأخبار» إنّ الخطة الموضوعة يمكن أن تمثّل مخرجاً من الجدل القائم حول ضرورة أو عدم ضرورة إقرار قانون جديد في المجلس النيابي، إذ إن هناك مرحلة ستسبق إطلاق مزايدة البيع، وهي تمتد حتى كانون الثاني المقبل، أي إلى ما بعد الانتهاء من الاستحقاق الرئاسي وتأليف الحكومة الجديدة، وهذه المرحلة تتعلق بإعلان الحكومة نيتها بالبيع ودعوة الشركات لإبداء الاهتمام والاطّلاع على المعلومات تمهيداً لتحضير عروضها التقنية والمالية... إي إن الحكومة الحالية ستقوم بإطلاق المرحلة الأولى، وستعلن أن تقديم العروض وبتّها لن يحصل إلّا في ظل الحكومة الجديدة.

ويتطابق كلام شحادة مع كلام آخر قاله الأمين العام للمجلس الأعلى للخصخصة زياد حايك لـ«الأخبار» إذ أشار إلى أن النقاش أفضى إلى ضرورة استغلال الوقت بمعزل عن الجدل القانوني، إذ إن هذه العملية لا بد أن تستغرق 4 أشهر كمعدل وسطي، وبالتالي بإمكان الحكومة الجديدة أن تتخذ قرارات مغايرة للحكومة الحالية، بما في ذلك العودة الى المجلس النيابي، الذي لا ينعقد حالياً، مشيراً إلى أن هناك أسباباً كثيرة تفرض على الحكومة السير بالعملية، ومنها أن هناك استحقاقاً في حزيران عام 2008، إذ تنتهي مدة تلزيم شركتي MTC و ALFA إدارة الشبكتين، وينص العقدان الموقّعان معهما على ضرورة إبلاغهما بالتمديد أو التجديد أو بخلاف ذلك، قبل ستة أشهر من هذا الموعد، أي في شهر كانون الثاني المقبل، وعليه فإن الحكومة الجديدة يمكن أن تقرر مواصلة إجراءات المزايدة، وبالتالي إنهاء العقدين مع الشركتين الحاليتين، أو اتخاذ قرارات أخرى تتناسب مع توجّهاتها، وفي كل الحالات تكون الحكومة الحالية قد أعدّت الأرضية المناسبة لأي قرار مستقبلي.

لا شك أن كلام كل من شحادة وحايك ينطلق من معطيات محدّدة، إلا أنه تغيب عنه معطيات أخرى قد تكون أكثر تاثيراً في قرار الحكومة الحالية بالمضي قدماً في إطلاق مزايدة بيع الخلوي، فهذه الحكومة التزمت أمام الجهات المانحة في اجتماع باريس 3 وأمام صندوق النقد الدولي جدولاً زمنياً محدداً لإنجاز عملية البيع قبل نهاية هذا العام، وهي مدّدت جدولها شهراً واحداً كمخرج شبه وحيد لمشكلة القانون، وسبق لأكثر من مسؤول أميركي وأوروبي أن صرّح بوضوح أن الكثير من تعهّدات التمويل الموعودة بها الحكومة مشروطة بإطلاق عملية الخصخصة، وبالتالي تحاول الحكومة أن تبعث برسالة مفادها أنها ملتزمة كلياً الشروط، طمعاً بالحصول على شهادة حسن سلوك تبرّر لبعض الدول والمؤسسات تنفيذ بعض التعهدات، وهو ما يعفي هذه الحكومة من مواجهة مشكلة تمويلية كبيرة بدأت ملامحها بالظهور في ظل امتناع المصارف عن الاكتتاب في سندات الخزينة بالليرة او بالعملات الأجنبية قبل رفع الفوائد بمعدلات كبيرة، وهي الكأس المرة التي تسعى هذه الحكومة جاهدة لإبعادها عنها لكي لا تسجّل على نفسها أنها فشلت في تأمين الاستقرار المالي والنقدي، بعدما فشلت في تأمين الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي.

وكانت الحكومة تراهن على الحصول على حوالى 600 مليون دولار إضافية من تعهدات باريس 3 في الفترة الباقية من هذا العام، إضافةً الى حوالى 177 مليون دولار فقط حصلت عليها فعلياً، إلا أن الفشل في الحصول على هذه التمويلات للخزينة سيفرض عليها اللجوء الى السوق عبر إصدارات جديدة من سندات اليوروبوندز، ولا سيما أن مصرف لبنان يضع التثبيت النقدي وتأمين الربحية العالية للقطاع المصرفي في مقدمة اولوياته، وبالتالي فهو يتشدّد في تمويل الخزينة العامة، علماً أن هذا التشدد مشروط أيضاً من صندوق النقد الدولي الذي طالب الحكومة بخفض استدانتها من المصرف المركزي.

الإجراءات وطريقة البيع

تشيع الأوساط الحكومية ان عملية بيع رخصتي الهاتف الخلوي ستدرّ على الخزينة العامة ما بين 5 مليارات و7 مليارات دولار، وعلى الرغم من ان هذه التقديرات مبالغ بها في كل الأحوال، فإن التدقيق بالآلية التي ستعتمد للبيع يرسم علامات استفهام كبيرة، ويطرح السؤال عن مصير الرسوم

كما أشارت «الأخبار» امس، فقد عقد المجلس الأعلى للخصخصة اجتماعاً برئاسة رئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة، وبمشاركة الهيئة المنظمة للاتصالات، وأقرّ الوثائق الأساسية، بما فيها دفاتر الشروط، المتعلقة بإطلاق مزايدة بيع رخصتي الهاتف الخلوي، والشبكتين وعقود المشتركين، وأحالها على مجلس الوزراء للموافقة عليها قبل المباشرة بالاجراءات التنفيذية في هذا الشهر، والتي ستتم على مرحلتين، وتستغرق اربعة اشهر.

كيف ستتم عملية البيع؟ ووفقاً لأي آلية؟

يشرح الامين العام للمجلس الاعلى للخصخصة زياد حايك في حديث مع «الأخبار» كل التفاصيل المتعلقة بالإجراءات التنفيذية على الشكل الآتي:

ستقوم الحكومة الحالية في المرحلة الاولى، من الآن حتى كانون الثاني من العام المقبل، بإقرار الوثائق الأساسية، ولا سيما دفاتر الشروط، وستدعو الشركات الى ابداء الاهتمام، على ان تفتح للشركات المؤهلة غرفة المعلومات للاطلاع على اوضاع الشركتين القائمتين وحساباتهما وأوضاع القطاع عموماً، تمهيداً لإعداد العروض التقنية والمالية للشراء، اي أن الحكومة الحالية ستكون، عبر أجهزتها المختصة، «المصفاة» التي ستحدد مَن مِن الشركات مؤهّلة للمشاركة بالمزايدة، ومن منها غير مؤهلة!

وستترك الحكومة الحالية اجراءات المرحلة الثانية للحكومة الجديدة التي ستتألّف بعد انتخاب رئيس الجمهورية الجديد، اي ستترك لها مسألة الإعلان عن المزايدة ودراسة العروض التقنية والمالية، وإرساء الصفقة على الشركتين اللتين تتقدمان بالعروض الانسب، إلا أن الحكومة المقبلة ستكون مكبّلة بإجراءات المرحلة الاولى، اي ستكون ملزمة بقبول دفاتر الشروط المقرّة ونتائج عملية تأهيل الشركات، وإلا تكون مضطرة الى إلغاء العملية برمّتها والبدء من جديد.

والمعروف أن الاستعدادات لإطلاق المزايدة بدأت في تشرين الثاني الماضي، واستمرت حتى آخر ايلول، وقد جرى تشكيل فريق عمل مشترك بين المجلس الاعلى للخصخصة والهيئة المنظمة للاتصالات للإشراف على هذه الاستعدادات، وتم تلزيم شركتي «هاف» البريطانية و«بي. دبليو. سي» بإعداد الدراسات التقنية والمحاسبية وتوحيد المعلومات المتعلقة بالقطاع وفقاً للمعايير الدولية التي تسمح للشركات المهتمة بإجراء المقارنات اللازمة...

وتقرر منذ البداية أن تعمل الهيئة المنظمة، وهي صاحبة الصلاحية ببيع الرخص، بالتعاون مع المجلس الاعلى للخصخصة، وهو صاحب الصلاحية ببيع الشبكتين وعقود المشتركين، وهذا الأمر أثار شبهات كثيرة، واتهامات بانتهاك استقلالية الهيئة، إلا أن مسؤولي الهيئة والمجلس (وهم ينتمون الى الفريق نفسه) ينفون وجود تعارض، ويحيلون الأمر الى القوانين التي اوجدت ثغراً مهمة عبر توزيع الصلاحيات بالاشراف على البيع (الرخص والموجودات) بين اطراف متعددة... وبالتالي تم فرض التعاون بين الطرفين لتفادي إجراء مزايدتين لبيع مرفق واحد.

وبحسب حايك فإن الشركات المهتمة ستكون مدعوة إلى تقديم العروض التقنية، وخطط الاستثمار والتشغيل، في المرحلة الاولى، على أن تجري المزايدة على السعر الاعلى في كانون الثاني او شباط المقبلين، وستكون علنية ويتم بث وقائعها عبر وسائل الاعلام، وكل شركة يعدّ عرضها التقني مقبولًا سيفسح لها المجال للمشاركة في مزايدة الاسعار.

وهناك شرط رئيسي في مجال الاسعار، اذ إن دفاتر الشروط تنص على ان تسدّد الشركة الفائزة ثمن الصفقة نقداً بمعدل الثلثين، اما الثلث الباقي فسيتم تسديده أسهماً في الشركة، ليتم طرحها للاكتتاب العام عبر بورصة بيروت في مرحلة لاحقة، وذلك بهدف إشراك اللبنانيين الراغبين في إيرادات القطاع، وكل شركة ترفض هذا الشرط لن يكون بمقدورها المشاركة في المزايدة.

ويقول حايك إن الحكومة لن تكون ملزمة بقبول نتائج المزايدة اذا كانت العروض المالية دون المستوى المستهدف.

ما الذي سيباع؟

ستباع الرخصتان والشبكتان وعقود المشتركين والأصول الثانوية، وبالتالي فإن الشركتين الفائزتين ستتملكان هذه الرزمة كاملة لمدة 20 عاماً، هي مدة صلاحية الرخصة... وهناك اتجاهان سيكونان حاضرين في دراسة العروض قبل إجراء المزايدة، فإما ان تكون هناك حصة للدولة من ايرادات الشبكتين بنسبة 10 في المئة، أو تأخذ الشركتان كل الايرادات من دون مشاركة اذا قُدمت اسعار تبرر ذلك... وفي الحالتين سيتم إلغاء رسم 6 سنتات الذي يسدده المشتركون للخزينة العامة عن كل دقيقة تخابر، ولن يبقى من الرسوم والضرائب الا ضرائب الدخل والارباح والتوزيع والضريبة على القيمة المضافة، ما يطرح السؤال عما اذا كانت الحكومة في وارد بيع الرسم المذكور في اطار هذه الصفقة!

ويجزم حايك أن دفاتر الشروط المعدّة لا تفرض اي شروط تتعلق بالأكلاف على المشتركين، اذ إن هذا الامر يعود الى الهيئة المنظمة للاتصالات التي ستتولى عمليات المراقبة والتدخل بعد البيع، الا أن هناك شروطاً مسبقة سيتم فرضها على الشركتين الفائزتين تتعلق بالاستثمار وتطوير الشبكتين والخدمات وتحسين معدلات الاختراق لتقارب الدول المشابهة للبنان.

كذلك يجزم أن الدفاتر لن تتضمن شروطاً تتعلق بحرية انتقال المشترك من شبكة الى اخرى من دون اي كلفة، الا أنها ستتضمن شروطاً تتصل بتكامل الشبكات في تغطية جميع المناطق افساحاً في المجال للتنافس وعدم تكريس واقع يشبه ما هو قائم حالياً حيث يتم تقاسم المشتركين بحسب نطاق التغطية الأفضل.

ويؤكد حايك أن الحكومة لن تلتزم امام الشركتين الفائزتين بعدم اصدار رخصة ثالثة في قطاع الخلوي، اذ إن كتيب المعلومات الذي سيوزع على الشركات المهتمة لن يلتزم بأي التزام من نوع تأخير أو تأجيل إصدار الرخصة الثالثة لمصلحة شركة «ليبان تليكوم» بعد تأسيسها، بل، والكلام لحايك، «هنالك أمر لا أحب ذكره كي لا أستبق الامور، إذ إن الرخصة الثالثة قد تباع أيضاً»...

تعليقات: