حاصبيا - العرقوب تاريخ وطني مشترك وصفحة محصّنة في مواجهة الرياح الساخنة

مدخل شبعا. (سعيد معلاوي)
مدخل شبعا. (سعيد معلاوي)


في كل يوم تطالعنا وسائل الاعلام المرئية والمكتوبة والمسموعة بأخبار وتحليلات عسكرية وسياسية، تتناول محور شبعا – حاصبيا – البقاع الغربي، وان الامور على هذه المحاور على غاربها، وان انفجارا عسكريا سيحصل بين ساعة وضحاها، حتى ان البعض ذهب بعيدا في توقعاته التي تؤكد ان ذلك سيحصل قبل عيد الاضحى وسمّى ذلك "غزوة الاضحى"، ووضع السيناريوات للمواجهة التي ستقع، وحتى نتائج هذه المعارك من الآن.

هذه التحليلات التي لا تستند الى الواقع الحقيقي على الارض، تدفعنا ابناء هذه الارض، في كل يوم الى ان نتوجه الى العرقوب وبلداته وقراه، من شبعا الى كفرشوبا وكفرحمام والهبارية وصولا حتى حلتا وعين عرب والوزاني، حيث يتوزع اللاجئون السوريون، فلا نرى او نلمس ما يدعو الى الخوف او التوتر كما يشاع، لسببين أساسيين: اولهما ان ابناء العرقوب عموما وابناء شبعا خصوصا يتمتعون بدرجة عالية من الانتماء الى ارضهم ووطنهم وجيشهم، ولا نعتقد ان احدا يمكنه ان يزايد عليهم بذلك. وثانيهما انهم يكنّون كل الود والاحترام لجيرانهم ابناء قرى منطقة حاصبيا، وهم الى جانبهم ومعهم في السراء والضراء، ولن يسمحوا لأي جهة كانت باستعمال بلداتهم جسر عبور للاعتداء على جيرانهم في مناطق اخرى، مثل حاصبيا والخيام ومرجعيون والبقاع الغربي وراشيا الوادي.

ولا احد ينكر ان بين اللاجئين السوريين الى العرقوب، عناصر تابعة لـ"الجيش السوري الحر" و"جبهة النصرة"، ولكن هذه المسميات ان وجدت فمن غير المسموح لها ان تمارس عدوانيتها على اللبنانيين في هذه المنطقة، لان استيعاب اللاجئين منذ اللحظة الاولى من اهالي شبعا والقرى المجاورة، حصل من زاوية انسانية واخلاقية، حيث ان الروابط الأهلية – التاريخية على طرفي جبل الشيخ تعود الى مئات السنين، ولتأكيد اصالة اهل العرقوب الاستقبال الحار الذي لقيه رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط لدى زيارته لشبعا قبل اسبوعين. وفي كل الكلمات التي القيت، كان العنوان المشترك ان علاقة شبعا بجيرانها هي خط احمر لا يمكن تجاوزه مهما كلفهم ذلك من اثمان. اما حاصبيا وقراها، فنستغرب ما يقال ان لجهة انها تعيش حالا عالية من التوتر والاستنفار، او لجهة التسلح والحراسات الليلية او غيرها.

اما الحقيقة فهي غير ذلك تماما، فالناس تعيش حياتها العادية، وهي غير قلقة من كل ما يشاع، وانه كما كانت دوما تستظل السلطة الشرعية والقانون والنظام، وهي حتى ابان الاحتلال الاسرائيلي لها طوال 18 عاما، كانت تحتفل بالاستقلال والاعياد الوطنية الاخرى في مواقيتها رغم انف الاحتلال، واليوم كما يعهدها الجميع، تأمل في الا يجربها احد لا "النصرة ولا غيرها لأن اهلها الذين قدموا عشرات الشهداء سواء في مواجهة المستعمر الفرنسي ام المحتل الاسرائيلي، لا يقبلون ان يعلمهم احد دروسا في الوطنية.

ومن خلال هذه الانتماء الابيض للوطن، فانهم لا يفرقون بين حاصبيا وشبعا والخيام ومرجعيون، وبين مواطن وآخر على امتداد الساحة الا بمدى التزامه الوطني.

اما الخوف كل الخوف فهو من العامل الاسرائيلي الذي "يجاورنا" في الجليل والجولان ومزارع شبعا، ومصلحته في زعزعة الاوضاع على هذا المثلث اللبناني – السوري – الفلسطيني.

والسؤال هو: اذا حصل مكروه لابناء طائفة الموحدين الدروز في منطقتي حاصبيا وراشيا، فهل يبقى ابناء هذه الطائفة في كل من الجولان السوري المحتل وفي قرى الجليل في الشمال الفلسطيني بمنأى مما يحصل، ام انهم سيشرعون الحدود الجنوبية لنصرة أهلهم في مناطق حاصبيا وراشيا وحماية مرجعيتهم الدينية العليا في العالم، وهي مقام خلوات البياضة، على غرار بقية الشرائح الدينية الاخرى؟


الحديث عن المعارك في العرقوب حرب نفسية

بيار عطا الله

تختلف الانطباعات التي يعود بها المرء بعد زيارته منطقة حاصبيا – شبعا – العرقوب عن تلك التي تروج لها بعض وسائل الاعلام اللبنانية والعربية اللاهثة وراء إشعال نار الفتن والحروب في تلك المنطقة واضافتها الى لائحة المحاور الحدودية المشتعلة أسوة بعرسال وبريتال وغيرها، والشعور العام لدى الاهالي في تلك المناطق ان هناك من يدفع الأمور قسراً وبالقوة الى حافة انفجار ما، في حين أن عناصر هذا التفجير المحلية اللبنانية غير موجودة وتكاد تكون معدومة على المقلب الغربي لجبل حرمون.

الشرط الاساس لإندلاع الفتنة او تسلسل التنظيمات الارهابية السورية، هو وجود بيئة حاضنة وهذا الأمر غير متوافر لأسباب كثيرة تبدأ اولاً من التنوع الطائفي الكبير في تلك المنطقة حيث يقيم السنة والشيعة والمسيحيون والدروز هناك، من دون اي توترات تذكر حتى في عز الحرب الاهلية اللبنانية. وفي البيئة السنية في منطقة حاصبيا والتي تدين غالبيتها بالولاء لـ"تيار المستقبل"، وينخرط اعداد كبيرة من ابنائها في الاسلاك العسكرية والامنية اللبنانية. ووجوده لا ينفي وجود قوى سياسية وتيارات سنية أخرى منها "الجماعة الاسلامية" ومنها المتحالف مع "حزب الله" واخرى منضوية في الاحزاب العلمانية نظير الحزبين الشيوعي والسوري القومي الاجتماعي. أما القوى والجماعات الاسلامية المتشددة، فموجودة وبنسب محدودة ولا تشكل حالاً قائمة ومميزة في النسيج السني لتلك المنطقة.

المعوق الثاني امام استدراج الفتنة هو التفاهمات الواسعة بين مكونات هذه المنطقة لا سيما الكتل الديموغرافية الكبيرة فيها. وفي اخبار النزاع الاهلي في المقلب الشرقي لجبل الشيخ توقفت مع الانباء التي وصلت عن توقف الهجمات على القرى والبلدات الدرزية السورية، نتيجة ضغوط وتحذيرات مارستها الطائفة الدرزية في اسرائيل على صناع القرار في الدولة العبرية من مغبة قيام "النصرة" والتكفيريين الذين يحظون برعاية اسرائيلية في جبهة الجولان بالاعتداء على دروز جبل الشيخ. ووقف الهجمات يعني بالدرجة الاولى تهدئة النفوس وخفض منسوب التوتر على امتداد المناطق الدرزية من السويداء الى وادي التيم.

أما العائق الثالث في مواجهة الفتنة، فيتمثل في الحشد الكبير والوقائي للجيش اللبناني في منطقة حاصبيا – شبعا والذي بلغ ذروته مع ارسال وحدات مدفعية ومدرعات ثقيلة وقوات خاصة الى شبعا وتلال العرقوب منعاً لأي محاولة للعبث بأمن المنطقة. ويتزامن هذا الحشد مع الحضور الكبير لقوات من "حزب الله" الموجودة اصلاً في تلك الجبال في مواجهة الاسرائيليين. ويضاف الى هذا الحشد العسكري النوعي دعم واسع يحظى به الجيش من الاهالي والبلديات والاحزاب في تلك المنطقة.

ويبرز المعوق الرابع امام الفتنة وهو وجود القوة الدولية والمراقبين الدوليين على جانبي الحدود وعند اعالي هضاب حرمون، ما يعني ان اي محاولة تسلل تحتاج الى المرور عبر مراكز هذه الوحدات المتأهبة على مدار الساعة والتي يشكل انتشارها جرس انذار للجانب اللبناني ويوفر فرصة للاستعداد والتصدي لأي محاولة تسلل، ولو في مراحلها الاولى.

المعوق الخامس امام الفتنة التي يحضر لها بعض الاعلام والاعلاميين، هو الطبيعة الجبلية القاسية لتلال جبل حرمون والتي يحتاج شق الطرق فيها الى جهد كبير ومنسق ولا يمكن انجازه من دون ملاحظته من القوة الدولية الموجودة في تلك التلال الى جانب الوحدات المتقدمة من الجيش او من الاهالي المستنفرين على مدار الساعة.

لهذه الاسباب المباشرة وغير المباشرة يبدو الكلام عن نزاع في منطقة حاصبيا – العرقوب مجرد حرب نفسية، تفيد منها الجماعات التكفيرية المتشددة في المعارضات السورية ويتسبب بأضرار معنوية على الجانب اللبناني، وهذا ما يجب التنبه اليه ووضع حد له.


تعليقات: