«14 آذار» والنازحون: السحر ينقلب على الساحر

الكاتب عماد مرمل
الكاتب عماد مرمل


عندما بدأ النازحون السوريون بالتدفق إلى لبنان، في بدايات الأزمة السورية، كانت «قوى 14 آذار» تتنافس على احتضانهم وفتح الأبواب لهم، لأسباب إنسانية.. وسياسية.

آنذاك، رفضت تلك القوى فكرة إنشاء مخيمات لهم، على قاعدة أن كل المنازل والقلوب مفتوحة أمامهم، ودفعت في اتجاه إصدار قرار يمنع تسليم أي مطلوب سوري في بلده الى النظام، وأقامت الدنيا ولم تقعدها على قرار للأمن العام بإبعاد عدد من النازحين من لبنان.

اليوم، لم يعد بمقدور «فريق 14 آذار» تحمل أعباء هذا الملف، لا بل إن «تيار المستقبل» وحزبي «الكتائب» و«القوات» يتقدمون خصومهم في التحذير من مخاطر النزوح وفي عدم حماستهم لاستقبال أي نازح إضافي في لبنان، بعدما تجاوز منسوب اللاجئين السوريين الخطوط الحمر.

وتؤكد شخصية بارزة في «المستقبل»، أن من يظن بأن الطائفة السنية مستفيدة من وجود أكثر من مليون نازح سوري سني في لبنان، بغية إحداث تغييرات في الديموغرافيا والأحجام لمصلحتها هو واهم ومخطئ، لافتة الانتباه الى أن مقاربة هذا الملف تتم عبر زوايا أخرى، من بينها أن النازحين استهلكوا خلال سنة واحدة من البنى التحتية ما كان مخططاً أن يستهلكه اللبنانيون خلال عشر سنوات، وبالتالي فإن السنّة في لبنان متضررون من هذا الواقع بقدر الآخرين، وربما أكثر، لأن بيئتهم كانت الأشد استقطاباً للنازحين.

ويروي وزير مصنف في خانة «المستقبل» أنه سبق له أن نبَّه خلال لقاءات مع العديد من السفراء ومندوبي المنظمات الدولية، الى أن انفلاش الأزمة السورية ـ التي يشكل النازحون إحدى أبرز مفرداتها ـ سيتسبب في محو الحدود وتعديل الخرائط، ويضيف: لم أكن أدرك حينها أن الأحداث ستثبت بسرعة صوابية مخاوفي ومشروعيتها، وما «التحالف الدولي» ضد تنظيم «داعش» سوى دليل حسي على أن شعاع الخطر أصبح يغطي مساحة واسعة من العالم.

ويؤكد الوزير ذاته أن قضية النازحين السوريين هي من وزن نكبة الشعب الفلسطيني عام 1948، ما يستدعي أن يكون التصدي لأعبائها مسؤولية عربية مشتركة، على أساس الشراكة في تحمل تبعاتها وأكلافها، وإذا كانت الشراكة في العادة تستوجب ان يقدم كل مساهم حصة، فإن لبنان قدم أغلى ما عنده وهو المصير الذي بات على المحك.

ولئن كان إنجاز إستراتيجية عربية موحدة للتعامل مع ملف النازحين يبدو متعذراً في الوقت الحاضر، إلا أن همّ النزوح جمع على الأقل لبنان والأردن اللذين توافقا على رفع ورقة مشتركة الى مؤتمر برلين المتعلق باللاجئين السوريين.

بدأ ذلك أثناء مؤتمر إعادة إعمار قطاع غزة الذي عُقد مؤخراً في القاهرة، ثم تواصل النقاش خلال اتصالات جرت بين وزيري خارجية لبنان جبران باسيل والأردن ناصر جودة، انتهت الى صياغة رؤية متكاملة تعبّر عن التقاطعات في هواجس البلدين واحتياجاتهما.

وبات واضحاً أن فكرة إقامة مخيمات على الحدود مع سوريا او في العمق اللبناني أصبحت حالياً خارج لائحة الأولويات الرسمية، بعدما تعذر تأمين توافق سياسي عليها.

وفيما يُنقل عن وزير الشؤون رشيد درباس قوله إنه ليس مستعداً للمضي في مشروع المخيمات بعد اعتراض «حزب الله» و«التيار الحر» عليه، تشدد أوساط بارزة في «8 آذار» على أن هذا المشروع لم يعد وارداً، وأن سوريا أبلغت المعنيين أنها مستعدة للتعاون في إنشاء مراكز إيواء، لا مخيمات.

وتلفت الأوساط الانتباه الى ان من السيناريوهات المحتملة أن تسعى المجموعات المسلحة في الجانب السوري من الحدود الى استغلال اي ثغرة على الحدود اللبنانية من أجل محاولة التسلل وقطع طريق بيروت ـ دمشق، مستفيدة من نقاط تواجد النازحين في البقاعين الأوسط والغربي، فكيف ستكون الحال إذا وُجدت مخيمات مكتملة العدة والعديد؟

تعليقات: