من يحمي مهجّرو الاجتياحات الإسرائيلية؟


مهجّرو 1971: المخيّمات تحميها الأونروا أمّا نحن فيحمينا الزينكو

يعاني مهجّرو الاجتياح الإسرائيلي في عام 1971 إهمال الدولة القسري وتهميش السلطات المحلية، فلا يتمتعون بحقوقهم المدنية، وكأنّهم ليسوا لبنانيين

يعيش أبو خالد في كوخ من «الزينكو» منذ عام 1978 حين تهجّر من منطقة الوزّاني إلى بلدة النجارية في قضاء الزهراني مع عدد من العائلات الجنوبيّة. أبو خالد متزوّج ولديه ثلاث فتيات وولدان، وابنه البكر خالد أصمّ منذ الولادة ويحتاج إلى فحوص شهريّة تقدّمها إحدى جمعيّات المعوّقين في المنطقة. أمّا العمليّة فتتطلب آلاف الدولارات ليستعيد خالد ابن السبع عشرة سنة السمع، و«الحال على قدّ اليد أو أقل»، فالوالد يعمل في الزراعة، وهو لم يسمع يوماً عن خدمات صحيّة أو اجتماعيّة، ولا يدرك مفهوم الدولة التي تغيّبهم قسراً، في ظل تهميش البلدية لهم.

أبو خالد هو أحد أبناء الجنوب الذين هاجروا منذ الاجتياح الإسرائيلي الأول عام 1971 إلى قب الياس، وادي خنسا، دير الزهراني ،البرغلية، المصيلح، كفروة والكفور... حتى ضاق ببعضهم الوطن فاتجهوا نحو سوريا علّهم يجدون ما يعوّضهم عنه. يكوّنون تجمعات تقوم على الزراعة وتربية الماشية، ومحرومة كليّاً من خدمات الدولة. وعلى الرغم من نقل نفوس بعضهم إلى المناطق التي نزحوا إليها إلا أنّ السلطات المحلية لا تزال تعاملهم كغرباء باستثناء أوقات الاستحقاق الانتخابي.

812 ألف ليرة لبنانيّة هي الضريبة التي تدفعها وطفة العلي لوزارة النفط، إذ الكوخ شُيّد على أملاك الوزارة، بالقرب من نهر الزّهراني بمحاذاة (شركة التابلاين) للنفط، كغيرها من عائلات تهجرت آنذاك من قضاء مرجعيون. تسكن وطفة وعائلتها عند مجرى النّهر الذي تحوّل مكبّاً للصّرف الصّحي، ولنفايات الأكواخ المشيّدة بقربه، وأكواخ الماشية الملاصقة لضفّتي النّهر. ولم يسعفهم التحرير في أيار 2000 في استرجاع الديار في قضاء مرجعيون، لكون المنطقة محرومة أيضاً من إمدادات المياه والخدمات الصحيّة والكهرباء والطرقات المعبّدة. أما أميرة التي تملك ثمانية دونمات في مزارع شبعا المحتلة، فتعيش ووالديها منذ عام 1971 في إحدى الغرف المشيّدة من «الزينكو» بمحاذاة جسر الزهراني، مع بعض الطيور بعدما فقدت الماشية خلال حرب تموز حين تعرض منزلهم إلى ثمانين غارة. وفي هذا الإطار، تشير أميرة إلى «أنّ الدولة لم تعوّض علينا، ولم يزرنا أحد من الجهات المعنية للاطلاع على أوضاعنا المأساوية، واليوم ننتظر انتصاراً جديداً لنعود إلى المزارع»، وتضيف «إنّها لا ترى وجه الدولة إلاّ في فصل الشتاء عندما تغرق البيوت في الماء ونضطر إلى وضع ألواح جديدة من الزينكو ونرغم على انتزاعها باعتبار أن الأرض ليست ملكنا، وعند جباية فاتورة الكهرباء».

وهكذا تحيا عائلات لبنانيّة كثيرة على هامش الحياة في زمن يكثر فيه الكلام على الوطن والمواطنيّة والعدل والمساواة والحقوق والواجبات ودولة القانون ومكافحة الفساد... وتتعدّد الأسباب الكامنة وراء بروز هذة العيّنات من حياة اللبنانيين وتفشّيها منذ تكوين هذا البلد، وعلى الرّغم من أنّ هذه الظواهر طبيعيّة في الحياة الإنسانيّة وسلوك الإنسان فإنّ هناك مجموعة من الأسباب العامة تندرج في إطار دور المؤتمنين على حياة من اختاروهم لتمثيلهم وأعطوهم الشّرعيّة لممارسة دورهم في البرلمان وتوفير حياة أرقى للمواطن... ناهيك عن دور مؤسسات المجتمع المدني الذين تحرّكهم بغالبيّتهم مصالحهم الذاتيّة غافلين عن دورهم الحقيقي في المجتمع. فلو يستمع خالد لخطباء المنابر ويدرك حقيقة ما يجري لحمد ربّه على ما هو عليه وتحسّر على نعمة سمعنا.

تعليقات: