حزب الله وإسرائيل: مرحلة حسن النيات

عائلة الاسير المحرر حسن عقيل مع الشيخ نبيل قاووق
عائلة الاسير المحرر حسن عقيل مع الشيخ نبيل قاووق


على الرغم من أن حزب الله وإسرائيل حرصا على إعطاء عملية التبادل التي جرت بينهما مؤخرا بعدا إنسانيا وكتعبير عن حسن نيات متبادلة تؤسس لعملية إطلاق الأسرى من الجانبين وإقفال هذا الملف إلا أن البعد السياسي كان طاغيا خصوصا وان الجانبين خرجا من حرب ضروس بينهما. ودائما وأبداً تكون الدوافع الإنسانية رأس جسر لمرحلة جديدة بين طرفين عدوين وتشيع مناخا مختلفا عن السابق.

ومن الواضح أن الطرفين حزب الله وإسرائيل اعتصما بصمت والتزما السرية في عملية التبادل الجزئية بعدما تعلما من تجارب سابقة في هذا المضمار إن السر هذه المرة إذا تجاوز الثلاثة شاع باعتبار أن الوسيط الألماني هو الثالث وقد يفسد شيوعه كل الخطوات المتصلة بعمليات التبادل بعدما تتحول المفاوضات عبر الإعلام الى حرب شروط متبادلة. اضافة الى ذلك فان حزب الله وإسرائيل على مايبدو قد تجاوزا ازمة الثقة التي كانت قائمة بينهما على خلفية طوي هذا الملف الشائك والمعقد الذي يشكل مصدر توتر بين الطرفين وتسبب بحرب تموز الماضية. ويولي حزب الله قضية الاسرى في إسرائيل اهمية كبيرة تطغى اهميتها على تحرير الارض من الاحتلال وهذا ما عبر عنه امين عام حزب الله حسن نصرالله بقوله اننا قوم لانترك اسرانا في سجون الاحتلال. وفعلا كان نصرالله حريصا على اطلاق الاسرى في نطاق حرب مفتوحة بينه وبين إسرائيل. بحيث كان حزب الله منذ تبلور قوته العسكرية في اواخر الثمانينات يركز على عمليات اسر للجنود الإسرائيليين لمبادلتهم بمعتقلين واسرى لبنانيين في السجون الإسرائيلية و المليشيات المتعاملة معها انذاك. فكانت عملية اسر جنديين في العام 1988 وتمت مبادلة جثثهما بمئات الاسرى والمعتقلين اللبنانيين والعرب. وتكرر الامر مع اسرى من جيش انطوان لحد المتعامل مع إسرائيل مرات عدة، الى ان كانت عملية الاسر الكبرى في العام 2000 وبعد تحرير الجنوب اللبناني من الاحتلال الإسرائيلي حين انقض عناصر المقاومة على ثلاثة جنود إسرائيليين في مزارع شبعا لكن الجنود قتلوا في ارض المعركة فسحب حزب الله جثثهم ويحتفظ بهم. وبعد ايام على هذه العملية نجح الحزب وفي عملية امنية معقدة في استدراج العقيد الإسرائيلي السابق الحنان تننباوم الى بيروت واسره ومن ثم مبادلته وجثث الجنود بعشرات الاسرى اللبنانيين والعرب بحيث لم يبق في سجون إسرائيل سوى الاسيرين اللبنانيين سمير القنطار ويحيى سكاف وهما اسيران اشتراك كل منهما في عملية لتنظيمات فلسطينية في تل ابيب في العامين 1977 و1979. وزاد عدد الاسرى اللبنانيين الى ثلاثة بعد اعتقال اللبناني نسيم نسر في إسرائيل بتهمة التجسس لحزب الله وهو من اب لبناني وام يهودية ويحمل الجنسية الإسرائيلية وبعد حرب تموز يوليو العام الماضي ارتفع عدد الاسرى اللبنانيين الى 6 بعد اسر ثلاثة من افراد حزب الله « افرج في العملية الاخيرة عن واحد منهم» في المواقع الامامية كما تحتفظ إسرائيل بعدد من الجثث العائدة لمقاتلي حزب الله تقول انها سحبت في حرب يوليو 13 منها الى داخل إسرائيل من جنوبي لبنان، لكن الحزب يشكك بهذا الرقم. اما الاسرى الإسرائيليون لدى حزب الله فهما جنديان اسرا في الثاني عشر من يوليو على الحدود اللبنانبية الإسرائيلية وكان اسرهما السبب لشن إسرائيل حربا على لبنان. وبالاضافة للاسيرين هناك الطيار الإسرائيلي رون اراد الذي اسقطت طائرته فوق منطقة صيدا في جنوبي لبنان العام 1986 ووقع بالاسر في قبضة حركة امل الشيعية وبعد انشقاق مصطفى الديراني المسؤول الامني سابقا في الحركة عنها في اواخر الثمانينيات فقد اثر رون اراد بعدما اعلن الديراني الذي كان بحوزته اراد انه لايعرف مصيره. وقد اختطف الإسرائيلييون الديراني من منزله في البقاع في العام 1994 الى إسرائيل لكنهم لم يحصلوا على معلومات اكيدة عن مصير اراد. لكن في عملية التبادل في العام 2004 التي خرج فيها الديراني مع مئات الاسرى اللبنانيين و العرب تعهد الامين العام لحزب الله بتزويد الإسرائيليين بأية معلومات تتوافر لديه عن اراد في اطار السعي لاقفال ملف الاسرى بين الجانبين. وعلى مايبدو ان الحزب توافرت لديه معلومات جديدة عن أراد قام بتزويد الإسرائيليين بها اثناء عملية التبادل الجزئية الاخيرة مما يعني ان المفاوضات قد انتظمت على سكتها الاخيرة وقد نشهد فصولها النهائية في نهاية العام الحالي. لكن ماذا تعني عملية التبادل الاخيرة على الرغم من جزئيتها؟ تعني اولا ان الوسيط الالماني الذي رعى عمليات تبادل بين الطرفين ما يزال فاعلا لاسيما وان المانيا حرصت على ان تسلم هذا الملف الى مسؤول الماني امني كبير. وان العلاقات الالمانية الايرانية ماتزال جيدة وكلمة الالمان لدى الايرانيين مسموعة. وفي موازاة ذلك شكلت علنية التبادل نصرا جديدا لحزب الله الذي اصر منذ اسر الجنديين على أن اطلاقهما لن يكون الا بتبادل في حين تؤكد العملية على هزيمة ثانية ليهود اولمرت الذي فشل في حرب ضروس في تحقيق هدفها الاساسي وهو اطلاق الجنديين بالقوة. وقال نصرالله بعد ساعات على عملية الأسر انه لو جاء الكون كله لن يستطيع اطلاق الجنديين الا بعملية تبادل. لكن على الصعيد السياسي تحمل العملية الكثير من الدلالات فيها اولا اعتراف إسرائيلي بحزب الله كقوة في لبنان على الرغم من ابتعاده عسكريا عن الحدود وان المفاوضات جرت معه وليس كما كان يقول اولمرت بانها ستجري مع الحكومة اللبنانية. كما ان الحزب يتطلع ابداء حسن نية في ابقاء الجبهة الجنوبية مع إسرائيل هادئة برعاية القوات الدولية والجيش اللبناني تحت مظلة القرار 1701 مفسحا في المجال اكثر للقنوات الحوارية في معالجة ملف لاسرى. كما انه اراد ويريد استثمار هذه القضية في الداخل اللبناني المنشغل بالاستحقاق الرئاسي وغيره من القضايا على خلفية الانقسام السياسي الحاد. اما بالنسبة للجانب الإسرائيلي فان اولمرت بحاجة الى الكثير من الانجازات من هذا النوع وسواه لاستعادة شعبيته المتهاوية في ظل اخفاقاته السياسية والتهم بالفساد الموجهة اليه. ومن الثابت ان عملية التبادل الاخيرة هي بداية انطلاقة لمرحلة جديدة بين حزب الله وإسرائيل>

* كاتب لبناني من الخيام

تعليقات: