حكاية.. مضحكة مبكية‎

ساحة الشهداء فس بيروت في سبعينات القرن الماضي
ساحة الشهداء فس بيروت في سبعينات القرن الماضي


في بداية عام 1975 من القرن الماضي، وقبل إندلاع الحرب الاهلية اللبنانية بأشهر قليلة، كنت ازاول العمل في احدى الشركات المتواجدة في شارع الحمراء.

وكعادتي فقد كنت اغتنم العطلة اﻻسبوعية لالتجول في ساحة البرج واسواقها ليس لأبتاع حاجتي بل لأمتع ناظري بما ارى. ..

في احدى جولاتي المعتادة، وبينما كنت متجها من ساحة الشهداء الى بناية العازارية لشراء بعض الكتب الأدبية

والشعرية المعتاد على شرائها بين الحين والاخر، واثناء جولتي وتمتع نظري بروية المحلات الفخمة وزينة واجهاتها الانيقة المليئة بأروع الموديلات التي تلفت الأنظار، علما ان اردت شراء احدها فأني احتاج لنصف راتبي الشهري، ورغم ذلك فكنت اشعر بإمتلاكها حتى ولو بالنظر... وبينما كنت غارقا في عالمي الجميل هذا إذ باصوات صفارات انذار تصدح من سيارات تابعة للقوى الامنية ومغاويرها فتحول الهدوء والسكينة الى ضجيج مزعج يصم الآذان وكأننا على وشك حرب قريبة الحدوث..

امتلكني الخوف والرهبة ولعلي اجد سببا لما ارى واسمع وعادت بي الذاكرة الى حادثة حصلت في الماضي القربب وهي محاولة إعتقال احد تجار السلاح ومهربي المخذرات الذي مازال حرا طليقا رغم عدة محاولات لاعتقاله وفشلت كل هذه المحاولات لصعوبة الوصول اليه في الجرود الوعرة....

لذا اعتقدت بان مايحدث الان هو محاولة اعتقاله من جديد وماحاصرته بهذه القوى المنتشرة وصعوبة هروبه هذه المرة..

اقتربت من الجموع المحتشدة مخترقا اياها لأصل الى الصفوف الامامية لأرى عن كثب لما سيجري..

ويالهول مارأيت: إمراءة فقيرة تحتضن وليدها الرضيع ودموعها تسيل على خدها حينا وعلى وجهه طفلها حينا آخر مشاركا إياها البكاء..

وتناهي لسمعي بأن احد اصحاب المحلات الراقية هو من اشتكى على وجود الفقيرة حرصا على السياحة..

ﻻاعرف سر الشجاعة المفاجئة التي انتابتني فتركت الصفوف الامامية من الحشود متجها اليها غير عابئ بنظرات المجتمعين التي رأيت فيها خليطا من الذهول والتشجيع مرسومة على الوجوه وكأن الزمن قد توقف لديهم .

امسكت بيد المسكينة وحملت طفلها بين يدي وتابعنا المسير مبتعدين عن الجميع حتى وصلنا مكانا آمنا بعيدا عن الاعين ..

تسللت يدي الى جيبي لتخرج ماتختزنه من نقود لاعطيها اياها محتفظا بقيمة تذكرة العودة الى مسكني بعد ان نسيت الكتب الادبية والشعرية المراد شراؤها.

ركبت بوسطة العودة وما ان جلست على مقعدي حتى انتابتني نوبة من الضحك العالي المتواصل. حتى اعتقد كل من في البوسطة بأنهم بحضرة (مجنون). .

* سهيل علي غصن - الكويت

تعليقات: