أسواق بيروت غارقة في الضائقة والفرص الضائعة!

الاسواق التجارية: \
الاسواق التجارية: \"حركة دون بركة\"!!


التجار يشكون ويلوّحون بفتح ابواب الهجرة

أسواق بيروت وتجارها تلقوا الضربة التي تكاد ان تكون القاضية· فالأوضاع الناتجة عن الاعتداءات الاسرائيلية، والحاصلة نتيجة الخلافات و"المناقرات والنكوزات" بين اهل الحكم والسياسة في لبنان، تركت اسوأ البصمات، واشدها ضرراً وخطراً والماً على ابناء العاصمة ورجال اعمالها ومستثمريها وتجارها وصانعيها·

الجميع أكلوا الضربة، باستثناء منطقة برج حمود التي ما تزال تحافظ على رونقها في الازدهار والاستقرار والتطور المعيشي والاقتصادي، لكن الحالة فيها تبقى نسبية، فالغد يبقى الأقرب إلى معرفة حقيقة ما يمكن ان يحصل ويصيب اهل المحلة ومحيطها، وبالتالي العاصمة والبلاد بصورة عامة·

فأية صورة يمكن ان يكون عليها واقع الحال في تلك المنطقة، والأسواق الأخرى الاساسية في المدينة وجوارها؟ للجواب صور عدة، وفي اكثر من منطقة· ايانيان: برج حمود انتعاش منفرد فبالنسبة لأسواق برج حمود فإنها تتميز بتطور لافت يتزايد بين فترة وأخرى· ويعود السبب الاساسي في ذلك، برأي أصحاب المؤسسات والمحلات، إلى الجهود المكثفة التي تبذلها جمعية تجار المنطقة بشخص رئيسها رجل الاعمال بول أيانيان صاحب "مؤسسة أيانيان للانارة" التي كان والده غرابيت قد انشأها في بيروت عام 1944، واصبحت لها الآن فروع في مصر، ودبي، وأبو ظبي، وايطاليا ولندن واميركا·

يقول أيانيان في حديث خاص إن السر في إزدهار المنطقة ونجاح مؤسسته يعود إلى انطلاقته الاساسية، حيث استقدم في بدايات عمله خبراء عالميين، واستعان بكبار الفنيين والمهندسين والتقنيين والعمال من ذوي الكفاءة، واستورد الماكينات والمعدات من الاسواق الاوروبية والاميركية، ووضع خطة شاملة لتطوير المؤسسة· وبذلك تعددت نشاطات المؤسسة في مجالات وقطاعات عدة، وحققت نجاحات ملحوظة انعكست تطوراً وازدهاراً لاسواق برج حمودد بصورة عامة·

ويضيف أيانيان انه كانت للمشاريع التي نفذها في بيروت والمناطق انعكاسات ايجابية واضحة على ذلك، وتركت بصماتها على كافة شوارع واسواق المنطقة، ومن تلك المشاريع يذكر نماذج منها: تحويل مكب الدورة إلى حديقة عامة، وتحويل المستديرة إلى حديقة وتجميلها بنافورة مياه استُوردت خصيصاً من المانيا - بناء 4 نوافير مياه وإنارتها عند كل من مستديرتي البترون وجبيل، وطبرجا، وساحة الشهداء في زحلة - انارة 11 موقعاً في قلعة جبيل، راشيا، المصيلحة، ساحة جونيه، وسط بيروت، مزار القديسة تيريزا في كسروان، مرفأ جونيه، سيدة بشوات، قلعة راشيا، قلعة المصيلحة، وكنيسة مار انطونيوس الكبير في الرميلة·· وكل هذه الاعمال جرى تنفيذها ضمن مشاريع سياحية، اضافة إلى مشاريع اخرى منها حديقة المنشية في زحلة، المستديرات في كل من عنجر، الميناء في طرابلس، ساحة الشهداء، عالية، البترون، بحمدون، جبيل، الغازية، صيدا، ومستديرة طبرجا·· سوليدير بخير··· الوسط بألف خير

وفي مقابل ذلك، لا ينطبق ما يقوله بول أيانيان كثيراً على واقع الحال في الاسواق والمحلات التجارية الاخرى في بيروت وضواحيها· فكثرة الجهود التي يبذلها مسؤولو الجمعيات فيها، واصحاب المؤسسات والمحلات لم تعطِ ثمارها المنشودة في التحسّن والتطور· فمنطقة الاسواق التجارية، في وسط بيروت، تعاني من تدهور وإنهيار وتراجع ملحوظين، رغم ان مطعم "بوتي كافيه" ومقهى "هاغن داز"، مثلاً، يتجهان إلى اوضاع واحوال افضل، كما يؤكد مديراهما مارون خ· وشارل ن· فيقول الاول ان الرهان يميل إلى الافضل!

لكن كلمة "الافضل" هنا لا تعني بالضرورة التحسّن، بل تشير على الاقل إلى ما يقوله مدير "بوتي كافيه" وهو "ان شركة سوليدير لن تموت، وبالتالي ان الوسط التجاري لن يموت بدوره· فطالما ان المؤسسة التي اعادت النهضة اليه باقية، فان حال التفاؤل في حاضر الوسط ومستقبله باقٍ هو الآخر"·

ويعطي مدير "هاغن داز" مثالاً على ذلك بالقول: "إذا اشعرنا رجال الاعمال والمستثمرين بأن "سوليدير" مستمرة ومعطاءة وهي بخير، فانهم سيدركون ان الوسط سيبقى بألف خير·

ومن جهتنا نشجع على ذلك، فنستمر بدعوة هؤلاء للعودة إلى الوطن، وإلى الاستثمار في الوسط، رغم ان معلوماتنا تفيد ان الحركة التجارية والاقتصادية فيه قد تراجعت بنسبة 95 بالمئة على الاقل، نتيجة ظروف عدة منها خلافات السياسيين "ومناقراتهم"، ووجود الخيم المنصوبة في محيط المنطقة، وعند مداخلها·

لكن بعض أصحاب المؤسسات والمطاعم الراقية التي استُحدثت في المنطقة التجارية خلال السنوات القليلة الاخيرة يحذرون في الذهاب بالتفاؤل اكثر من اللزوم، مشيرين إلى ان الاوضاع في الوسط، كما في البلاد عامة، لا ترتكز إلى مؤسسة دون اخرى، بل تتعلق بالظروف التي يمر بها الاقتصاد بصورة عامة وشاملة·

ويسارع هؤلاء إلى اطلاع زائريهم ومعارفهم، خاصة من الاعلاميين، على تقرير اصدرته "شبكة الشرق الاوسط للاستشارات الاقتصادية وقواعد المعلومات"، في 27 ايلول الماضي، وهو يركز على: "ان هناك تردداً كبيراً لدى اللبنانيين، في ظل ضبابية الرؤية للمستقبل حول الوضعين المعيشي والاقتصادي، وسببه بالدرجة الاولى يعود إلى ان استعمال اليورو (الاوروبي) بات ظاهرة جديدة في لبنان تؤدي إلى تآكل الاجور، وإنهيار القدرة الشرائية بالدولار، بعد ان قضت عليها الليرة اللبنانية (العملة) بصورة نهائية"·

ثم يشيرون إلى ان التقرير شمل 650 مواطناً من العاملين في "الوسط التجاري"، وهم من ذوي مداخيل متفاوتة، وخلفيات متباينة، وباتوا غير قادرين على اعالة أسرهم نتيجة صرفهم من العمل، أو عدم تقاضي رواتبهم·· الاشرفية··· واسواق اخرى

لا تنحصر تلك الظروف المعيشية الضيقة في اسواق "الوسط" فقط، بل باتت تشمل مختلف الاسواق في كافة المناطق، خاصة في بيروت وضواحيها·

فالخدمات الاستهلاكية الحياتية في اسواق الاشرفية مثلاً تراجعت بصورة ملحوظة· ويوضح انطوان عيد، رئيس جمعية تجار المنطقة التي تحضن اكثر من 700 مؤسسة تجارة وعشرات المصارف والمطاعم الراقية، ان ذلك التراجع بدأ منذ حوالى السنتين على الاقل، وذلك: "نتيجة الاوضاع الامنية والسياسية في لبنان عامة، حيث غابت المهرجانات والمناسبات الترفيهية في المنطقة، ومحيطها، علماً انها شهدت حادثتي اغتيال وتفجير كل من النائب بيار الجميل، والاعلامية مي شدياق، كما شيّعت الصحافيين البارزين جبران تويني وسمير قصير بعد اغتيالهما· ولغاية الآن، ما زالت الخدمات المعيشية في الاشرفية منخفضة بنسبة تتراوح على الاقل ما بين 30 إلى 35 بالمئة"·

ويستدرك عيد مضيفاً: "لكن رغم ذلك فان الاشرفية تسعى دائماً للنهوض مجدداً وخاصة في سوقيها الرئيسيين" وهما: "الجميزة"، و"مونو" اللذين اعتادا على حياة الترفيه واللهو والسهر·· وما إلى ذلك من "منوعات"، تعني ان السوقين ما زالا بأ فضل حال نسبياً، سواء قياساً مع الاسواق المجاورة والملاصقة، أو مقارنة مع مناطق اخرى غير الاشرفية·

ثم يلفت رئيس جمعية تجار الاشرفية إلى الايام الذهبية التي كانت تعيشها المنطقة قبل العدوان الاسرائيلي في شهر تموز الاسبق، حيث عمت مظاهر الازدهار والانتعاش كافة المؤسسات التي في مقدمتها: "سنتر صوفيل" المحاذي للمصارف والمطاعم الراقية، ودور السينما، والمصارف (بنك بيبلوس)، و(الكسندر)، والمطاعم والمقاهي ومنها "ذا شايس"، "ليسكرو"، "شترونف"، "السلطان ابراهيم"، "رودستر" و"هارديز"··· وصولاً إلى أشهر محلات الالبسة ومن ابرزها: "جي اس"، "جوزف عيد"، "متني"، "بولفاري"، "وولفورد"، و"مانغو"، اضافة إلى احدث محلات المجوهرات ومنها "مكرزل"، و"وديع مراد"··· وغيرها الكثير·

ويختم مستاءً ومستغرباً، ومتأسفاً: "تصوروا اية خدمات سياحية ومعيشية يمكن ان تقدمها الاشرفية في حال الأضرار التي أصابت مثل تلك المؤسسات العريقة والراقية"!· محطات متنقلة أما في سوق منطقة المزرعة ومحيطه، فنسمع الشكاوى نفسها، ونشاهد أضراراً فادحة مماثلة تكبدتها حوالى 265 مؤسسة تجارية، منها 74 محلاً للصاغة والمجوهرات، و5 مصارف أساسية، و3 مجمعات تجارية كبيرة هي "الديوان"، "كل شيء"، و"معرض بيضون"·· وسواها· ويلفت رئيس "جمعية تجار المزرعة" سعد الدين بعاصيري الى أن المنطقة: "شهدت نمواً وازدهاراً لافتين منذ تولي الرئيس الشهيد رفيق الحريري رئاسة الحكومة، وتحديداً خلال أعوام 1995، و1996، و1997 · لكن السوق عاد "ليموت" أكثر فأكثر تدريجياً منذ العام 2000، حيث تراجعت السيولة التي كان يتم صرفها وإنفاقها في المؤسسات، وانهارت حركة الاستثمارات التي سبق أن وصلت في زمن العزّ الى 200 مليون دولار تقريباً"·

يضيف بعاصيري: "تعدى تراجع حركة السوق بصورة ملحوظة بنسبة 50 بالمئة عما كانت عليه من ازدهار قبل اغتيال الرئيس الشهيد الحريري في 14 شباط عام 2005 "· وعند محطتنا التالية في سوق عفيف الطيبي الذي يضم أكثر من 160 مؤسسة، نلاحظ، كما يقول رئيس جمعية تجار المنطقة مصطفى سنو: "ان العديد من التجار فقدوا الأمل باحتمال تحسن الأوضاع خلال المرحلة المقبلة· بعض هؤلاء، وأنا منهم، قررنا الهجرة من لبنان والاستثمار في الخارج خاصة في مصر وفرنسا والبرازيل وكندا، مثلاً، وبالفعل فقد غادر الكثير من تجار المنطقة الى الخارج"·

وبالنسبة لأسواق شارع مار الياس في المصيطبة، التي تضم 350 مؤسسة تجارية ، و12 مركزاً مصرفياً، وعشرات المكاتب المتخصصة والمحلات، الى جانب مركز لبلدية بيروت المنشأ منذ حوالي 15 عاماً، فيرى نائب رئيس جمعية تجار المنطقة سليم حبيب: "ان الأزمة الراهنة، خاصة بعد العدوان الاسرائيلي في شهر تموز الأسبق، ما زالت تترك المزيد من البصمات السيئة، سواء على صعيد حركة الأعمال في المؤسسات والمحلات والمتاجر، أو في ما يرتبط بالتدهور المتزايد والملحوظ في الحياة التجارية السائدة· لذا، تستمر خسائر التجار، وتتزايد ديونهم، وتتراكم نفقات فواتير الكهرباء، ورسوم المياه والضرائب عليهم"·

ولا تبدو الأوضاع في سوقي منطقة بربور (المزرعة)، ومحلة معوض (في الضاحية الجنوبية) بأفضل حالاً من ذلك، فيقول رئيس جمعية تجار بربور رشيد كبي: "ان 60 بالمئة من المؤسسات التجارية في لبنان باتت مفلسة، أو في حالة افلاس غير معلن حتى الآن· لذا أوصل تجار المنطقة "التي تضم أكثر من 110 مؤسسات تجارية " معاناتهم من الظروف المعيشية العصيبة القائمة، الى كبار المسؤولين، خاصة الى حاكمية مصرف لبنان (البنك المركزي· بشخص الحاكم فيها رياض سلامة"·

ويتساءل كبي: "كيف لا تنهار خدماتنا السياحية، ولا نفقدها، طالما أننا ما زلنا نعيش انكماشاً وركوداً اقتصاديين ومعيشيين منذ النصف الثاني من التسعينات"· كذلك لا تقل فظاعة الأمور، وفداحة الخسائر في سوق معوض الذي يقول نائب رئيس جمعية تجاره عبد اللطيف جمعة ان التعويضات المقدمة الى أصحاب المؤسسات والمحلات المتضررة نتيجة الاعتداءات الاسرائيلية ما زالت خجولة، ونلاحظ أن كلامه هذا يشمل، بصورة خاصة، بعض كبريات تلك الشركات وممتلكات رجال الأعمال، ومنها محلات: "كواترو" للألبسة (مازن عودة) ، و"نيوكوبرا" للأحذية (يوسف عواضة) و"فور وارد" (مالك عواضة"، و"صالون سليم صافي للحلاقة" و"صيدلية صفا" (محمد صفا)، ·· وغيرها·

ويجمع أصحاب مثل تلك المؤسسات على القول إن التقديرات الأولية للأضرار في كل محل، والتي جرى تقديرها فرضاً وتخميناً، في السابق، لا تقل عن عشرة آلاف دولار، وبالتالي فإن هؤلاء يقدرون الخسائر المتراكمة بما لا يقل عن 25 ألف دولار للمؤسسة الواحدة، مبدئياً·

··· وباختصار أخيراً، فإن أسواق بيروت وضواحيها تعيش ضائقة مريرة، يصعب تقدير نتائجها المستقبلية، إنما يمكن القول، وفي أسوأ الحالات، ان الافلاس سيعم الجميع، وإن الاقفال سيشمل كافة الأعمال·· وبالتالي تبقى أبواب الهجرة، أو الهروب الى خارج البلاد، هي وحدها المفتوحة أمام المتضررين، وحتى الذين يخشون أن تصيبهم اضرار أخرى أفدح وأخطر في المرحلة المقبلة!!·

الاشرفية حركة بطيئة
الاشرفية حركة بطيئة


تعليقات: