هكذا تخبَّط قادة العدو في العام 1967 من أجل احتلال القدس


48 عاماً على نكسة حزيران 1967... و33 عاماً على غزو لبنان حزيران 1982

وثائق عن الجلسات الصاخبة بين هيئة الأركان والوزراء تسبق بدء الحرب

..

القدس... أوّل عاصمة عربية تحت نير الاحتلال الإسرائيلي في نكسة حزيران 1967

جنرالات هيئة الأركان يهيمنون على الوزراء ويتّهمونهم: «متردّدون وخائفون»

كيف تحوّل اقتحام البلدة القديمة في القدس إلى احتلال المسجد الأقصى وحائط البراق!

ضربة استباقية ضد مصر تجنّباً لقصف «مفاعل ديمونة» النووي

شارون يقترح حبس الوزراء وعدم إطلاق سراحهم إلاَّ بعد انتهاء العمليات

تتصاعد وتيرة التهديدات بين الكيان الإسرائيلي من جهة والمقاومة في لبنان من جهة أخرى، والتي تتزامن مع حدثين هامّين، وهما:

- الذكرى الـ48 لنكسة 5 حزيران 1967، والتي احتل خلالها العدو الإسرائيلي مدينة القدس، لتكون أوّل مدينة عربية تقع تحت الاحتلال الإسرائيلي، وما زالت.

- الذكرى الـ33 للغزو الإسرائيلي للبنان في 6 حزيران 1982، حيث احتل العدو الإسرائيلي مدينة بيروت في أيلول من العام ذاته، لتكون ثاني عاصمة عربية تُحتل بعد القدس.

في تاريخ الصراع العربي - الصهيوني العديد من المحطات، التي تعمّد الاحتلال خلالها إثارة الفتن والقلاقل لتنفيذ مشاريعه ومخطّطاته التآمرية، الهادفة إلى الشرذمة والتفرقة وبث الفتن داخل المجتمع العربي، ما بين الأقطار العربية، وأيضاً مكوّنات هذه البلاد...

وليس أدل من مقولة «فرّق تسد» لتنطبق على الكيان الصهيوني، الذي يستفيد من التفرقة، التي أضاعت فلسطين في العام 1948، وأحكم احتلالها في العام 1967، كما احتل أراضٍ عربية في جنوبي لبنان والبقاع الغربي ومزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجولان وصحراء سيناء، والتي بعضها تحرّر والآخر لا يزال بالانتظار...

وما أشبه الظروف التي نعيشها في هذه الآونة بما سبق من أحداث ومحطات هامة عمل خلالها الاحتلال على زرع الفتنة وتغذيتها، وهو ما سبق غزوه لبنان في حزيران 1982، حيث يُلاحظ أنّ ما يقوم به حالياً مشابه، وإنْ تغيّرت الأسماء والعناوين والأدوات للمنفّذين، فهم عملاء للعدو الصهيوني من أجل تحقيق مشاريعه ومخطّطاته، وفي المقدّمة منها إقامة «دولة إسرائيل اليهودية»، حيث يحتاج ترسيخها إلى إيجاد «كونفدراليات» و«كانتونات» عرقية لإعادة تقسيم ما قُسِّمَ في اتفاقية «سايكس بيكو» في العام 1916...

لكن بين نكسة حزيران 1967 وغزو حزيران 1982 واليوم تغيّر الكثير، لجهة الإرادة القوية في مواجهة الأطماع الصهيونية، والتي تتنوّع أوجهها مقاومة عسكرية وسياسية ودبلوماسية، وصموداً، والانتقال من ردّات الفعل إلى القيام بالفعل، ما أربك المحتل وأفشل العديد من مخطّطاته...

في ظل الوضع الراهن الذي نمر به تتكشّف يوماً بعد آخر العديد من المعطيات، ويُماط اللثام عن ملفات متعدّدة، ولعل في طليعتها ما كشف عنه جيش الاحتلال الإسرائيلي من بروتوكولات وثّقت نقاشات شهدها المستوى السياسي وهيئة الأركان الإسرائيلية ووزارة حربه، سبقت شن عدوان حزيران 1967 وما تخلّله وما تلاه، والظروف التي اتُّخِذَتْ ذريعة لشن هذا العدوان - وإنْ كان الاحتلال لا يحتاج إلى ذريعة لتنفيذ مخطّطاته وفق «بنك الأهداف» الجاهز دائماً لكل حدث ومناسبة ويختار منه ما يتلاءم مع ذلك.

لكن اللافت أنّ المستوى الأمني والعسكري الإسرائيلي يطغى ويقيّد ويسيطر على القرار السياسي، ويتجلّى ذلك بأنّ المسؤولين الإسرائيليين هم جنرالات في جيش الاحتلال، سواء بتنفيذ عمليات بشكل مباشر أو بقيادة عمليات، أو بجمع معلومات من أجل خدمة الكيان الغاصب، القائم على عصابات أوجدت لها دولة وهو ما يبرّر تمسّك دافيد بن غوريون خلال رئاسته للحكومة الإسرائيلية الأولى بعد إعلان قيام الكيان الإسرائيلي (14 أيار 1948)، بحقيبة وزارة الحرب، نظراً إلى أهمية الجيش، الذي كان يُعدُّ من أقوى الجيوش في منطقة الشرق الأوسط، قبل أنْ يكسر عزيمته المقاومون اللبنانيون والفلسطينيون في أكثر من موقع.

سجال بين الوزراء والعسكريين

والمفاجأة في السجالات التي جرت بين المسؤولين الإسرائيليين أنّه لم يكن مقرّراً في عدوان حزيران 1967 اقتحام المسجد الأقصى وحائط البراق، بل اقتحام البلدة القديمة في القدس، وهو ما جرى بتاريخ 7 حزيران، قبل أنْ يتم في صباح اليوم ذاته احتلال الحرم القدسي الشريف وحائط البراق.

أما أبرز الدوافع لهذا العدوان، فكانت الخشية من قصف مصري للمفاعل النووي الإسرائيلي في ديمونة في النقب، وهو ما يقضي على حلم الكيان الإسرائيلي بامتلاك قنبلة نووية.

واتخذ تحديد موعد العدوان وساعة الصفر ومجريات المعارك جدلاً كبيراً بين رئيس الحكومة - آنذاك - ليفي أشكول ورئيس هيئة الأركان في جيش الاحتلال - آنذاك - الجنرال إسحاق رابين، الذي طلب من رئيس الوزراء المبادرة إلى الهجوم فوراً وعدم تأخير الأمر لأنّه «يهدّد وجودية بقاء دولة إسرائيل».

كما إنّ وزير الدفاع – آنذاك - الجنرال موشيه ديان هدّد بقصف العاصمة الأردنية، عمّان، إذا لم يتوقف الجيش الأردني بالقتال دفاعاً عن مدينة القدس، حيث أبلت القوّات الأردنية بلاءً حسناً بمقاومة شديدة في الدفاع عن القدس.

وعُقِدَتْ جلسة للجنة الوزارية للشؤون الأمنية في حكومة الاحتلال، ضمّت 11 وزيراً بينهم رئيس الوزراء أشكول ووزير الدفاع ديان ووزير الخارجية آبا أيبان، مع رئيس هيئة الأركان رابين وقيادة الهيئة، حيث كرّر رابين «إنّ العرب يستعدون للحرب، ومن المحتمل أنْ نمر بوضع عسكري نفقد من خلاله كثيراً من الأفضليات، ومن المحتمل أنْ نصل إلى وضع لا أريد أنْ أعبّر عنه بكلمات شديدة، لكن ستكون هناك مخاطر وجودية على بقاء دولة إسرائيل».

وعرض رابين لأعضاء اللجنة أنّه «يجب القيام بضربة استباقية وتجنّب الانتظار، وإذا فقدت إسرائيل الأفضليات الخاصة بها، فإنّ الحرب ستكون طويلة وصعبة، وفيها الكثير من الخسائر بالأرواح».

وطغى على الجلسة التوتّر ووُصِفَتْ بأنّها «جلسة صاخبة»، مارس خلالها ضبّاط هيئة الأركان ضغوطاً على رئيس الوزراء من أجل «ضرورة المبادرة في بدء الحرب».

وعلّق رابين قائلاً: «أنا أشعر بأنّ الطوق العسكري والسياسي يلتف حول أعناقنا، ولست مؤمناً بأنّ هناك مَنْ يمكنه أنْ يفك هذا الطوق سوانا، وبعد أنْ انتظرنا، بينما حدّد العرب هدفهم السياسي بالعودة إلى 1948، لا يوجد لدينا أي حق في الانتظار حتى يخلق وضع يصعّب الأمور علينا، وأكثر من ذلك، الهدف الأساسي لنا يجب أنْ يكون ضربة حاسمة لجمال عبد الناصر، هكذا يمكن أنْ نؤدي للتغيير في كل صورة الوضع في الشرق الأوسط».

وفي ختام الجلسة ألحَّ رابين على ضرورة عقد جلسة للحكومة من أجل بحث طلب الجيش بشن حرب استباقية، وسأل: «أنا أفهم أنْ تُعقد الآن جلسة حكومة»، إلا أنّ أشكول ردّ عليه: «لا.. لا تُجرى الآن جلسة حكومة، وإنّما يوم الأحد».

وتحدّث خلال الجلسة رئيس جهاز استخبارات الجيش الإسرائيلي - آنذاك - الجنرال أهارون ياريف، قائلاً: «إنّ أيام الانتظار قبل الحرب هي الفرصة الأكبر لمصر، وكل إنجاز تقوم به مصر من دون مضايقة إسرائيلية من المحتمل أنْ يمنح القيادة المصرية الإحساس بأنّه يمكن المواصلة واستغلال النجاح للمبادرة بعمليات أخرى مثل توجيه ضربة استباقية لتدمير مفاعل ديمونة أو حتى ربما المطارات».

وأشار ياريف إلى أنّ «المنظومة العسكرية في مصر استكملت استعداداتها للحرب، وقد وصلت إلى مصر تعزيزات من الاتحاد السوفياتي، وكلّما تواصلت الأزمة فإنّ التأثير على هيبة الضربة الإسرائيلية سيزداد، وكذلك الأمر بالنسبة لمصداقية الردع وموقف الغرب والولايات المتحدة الأميركية في المنطقة، وهناك عدد غير قليل من الناس في المواقع المهمة في الولايات المتحدة ممَّنْ كانوا سيرون في العملية الإسرائيلية حلاً سهلاً ومريحاً، والرئيس سوف يستاء، وسيندّدون بنا، لكن إذا قمنا بالعمل بحكمة وبسرعة، فهناك بحسب تقديراتنا، احتمال بألا تكون الولايات المتحدة العقبة الأساسية أمام عملياتنا».

أما قائد سلاح الجو الإسرائيلي - آنذاك - الجنرال مردخاي هود، فعرض لاستعدادات سلاح الجو، وقدّم مقارنة بين كثير من القوّات، وقال: «إنّ مصر طلبت زيادة 40 طائرة من نوع ميغ21، وهناك موافقة من يوغوسلافيا على ذلك، وفي العام 1948 نقلنا طائرات من تشيكوسلوفاكيا إلى إسرائيل، وهذه المرّة سيكون الأمر بالاتجاه العكسي إلى مصر، وكلّما تم تقديم موعد الضربة الإسرائيلية، فإنّ ذلك سيصب في مصلحة إسرائيل، وعندها نستطيع القيام بكل مهامنا، وأنا أؤمن بأنّنا نستطيع أنْ نقوم بها حتى ولو تم تأجيل الموعد، لكن سيكون علينا أنْ نستثمر كثيراً من الجهود والوقت والخسائر البشرية من أجل تحقيق نفس الإنجاز الذي يمكن أنْ نصل إليه اليوم أو غداً».

وسأل وزير التربية والثقافة زلمان أورن حول «احتمالات الخسائر بالأرواح في صفوف الجنود الإسرائيليين في حال ضرب المطارات المصرية؟»، فردَّ الجنرال هود: «في فيتنام، عندما كانت عملية جوية مركزة، فإنّ نسبة الخسائر بالأرواح هي 4%».

وقد اتهم جنرالات هيئة الأركان الوزراء بأنّهم «متردّدون وخائفون»، ولذلك يمتنّعون عن اتخاذ قرار بشن هجوم، حيث عبّر عن ذلك الجنرال موشيه بيليد قائلاً: «ماذا ننتظر؟ ماذا جنى الجيش الإسرائيلي كي تشكّكوا بقدراته؟، اللعبة دخلت إلى وضع لا يمكن مواجهته».

شارون اقترح حبس الوزراء!

وعرضت الوثائق بأنّ أريئيل شارون بدا ساخراً من الحكومة وموقفها، وقال: «إذا أردنا أنْ نبقى هنا على مدار الزمان، فإنّه يجب علينا أنْ نشدّد على حقوقنا، وبسبب التردّد وضياع الوقت خسرنا عامل الردع الأساسي».

وقد روى بعض الجنرالات أنّ شارون اقترح حبس الوزراء في مقر القيادة، وشن الحرب والامتناع عن إطلاق سراحهم إلا بعد انتهاء العمليات.

وكان الوزراء الإسرائيليون يخشون من عدد الخسائر المتوقّعة بالأرواح للإسرائيليين فقال شارون معلّقاً: «منذ حرب 1948 لم نواجه وضعاً صعباً وخطيراً كهذا، لذلك فإنّ هذه الحملة ستشمل عدداً أكبر من الخسائر، وعلينا أنْ نقوم بذلك، لأنّه لا مفر من ذلك».

وتوضح الوثائق أنّ رئيس الحكومة أشكول أبدى خشيته من «عزلة إسرائيلية شديدة»، طالباً «المزيد من الوقت ليجنّد الحلفاء»، وتوجّه مخاطباً شارون: «هناك أهمية قصوى للخروج إلى الحرب في ظل اتفاق مع الحلفاء، أنا لا أريد أنْ تكون إسرائيل معزولة لأجيال كثيرة».

لكن الجنرال بيليد لم يقتنع بأقوال أشكول، وردَّ: «طلبنا توضيح ما الذي يدفعنا إلى الانتظار؟»، فردَّ أشكول: «إذا لم أشرح الأمر حتى الآن، فلن أشرح مرّة أخرى، علينا أنْ نُدخِل إلى أذنَيْ الرئيس الأميركي ليندون جونسون بألا يقول إنّنا خدعناه، لأنّنا قد نحتاج إليه، والنصر العسكري لن يُنهي الأمر، لأنّ العرب سيبقون هنا وسيكون علينا أنْ نحافظ على بعض الأصدقاء في العالم، من أجل بناء قوّتنا العسكرية بمساعدتهم».

وصباح يوم الأحد 4 حزيران 1967 عقدت الحكومة جلستها المقرّرة، وفي اليوم التالي اندلعت شرارة الحرب التي غيّرت خارطة المنطقة.

وتكشف الوثائق عن أنّ الحرب التي انطلقت بتاريخ 5 حزيران 1967، بدأت بشن غارات إسرائيلية مباغتة ضد قواعد سلاح الجو المصري، فأصابت 180 طائرة مقاتلة حتى الساعة 11:05، ووفقاً للمحاضر فإنّه تقرّر في مداولات بحضور ديان تحاشي مهاجمة سوريا، لكن بعد ساعة هاجم الطيران السوري طبريا ومجدو، وفي أعقاب ذلك تقرّر أنْ يهاجم الطيران الإسرائيلي أهدافاً في سوريا، فقصف 4 مطارات عسكرية.

وطرح ديان أفكاراً عدّة تتعلّق بمستقبل الضفة الغربية منها إقامة حكومة عربية مستقلة في جزء من أراضي الضفة يتبعها توحيد القدس وإلغاء اتفاقيات لجنة الهدنة التي رسمت الحدود بين إسرائيل والأردن وغيرها من الاتفاقيات.

وتضمّنت المحاضر أيضاً «جرى اشتراط احتلال الضفة الغربية بالوضع في الجنوب، وفي جميع الأحوال، تقرّر أنّ إمكانية احتلال الضفة كلها أفضل من اختراق مسار إلى جبل المشارف في القدس الشرقية فقط».

وتضمّن محضر اجتماع للجيش في اليوم الثاني للحرب، أنّه «إذا كان الوصول إلى جبل المشارف سيتحقّق في الصباح، فإنّه ينبغي احتلال الضفة حتى منطقة قمم الجبال، ومنح إمكانية للمدنيين للهروب» - أي ترحيل الفلسطينيين الخائفين من قوّات الاحتلال الإسرائيلي.

احتلال المسجد الأقصى

ووفقاً لتقارير تلقّاها قائد سلاح الجو من طياريه، بأنّه يُسجّل «هروب شامل للفلسطينيين باتجاه الأردن، وفي ساعات مساء اليوم نفسه، أبلغ الجنرال ديان قادة الجيش بضرورة التأهّب لاقتحام البلدة القديمة في القدس، وفي اليوم التالي (7 حزيران)، أصدر ديان في الصباح الباكر أمراً بإغلاق البلدة القديمة واقتحامها على ألا تقتحم القوّات المسجد الأقصى وحائط البراق، ومن ثم جرى تعيين شلومو لاهط حاكماً عسكرياً للمدينة».

وتضمّن المحضر العسكري أنّ «حشوداً فلسطينية تنزح عن الضفة باتجاه الشرق، وقبل ظهر اليوم نفسه تلقّت قيادة الجيش بلاغاً من القوّات بأنّها احتلّت الحرم القدسي الشريف، وأنّ القوّات بالقرب من حائط البراق، لكن القوّات الأردنية أبدت مقاومة شديدة في الدفاع عن القدس، فوجّهت إسرائيل تهديداً صريحاً ومباشراً إلى الأردن بأنّه في حال عدم توقّف القصف على القدس، فإنّ الطيران الإسرائيلي سيقصف عمّان، لكن مقاطع من هذا المحضر فرضت عليها الرقابة العسكرية أمر حظر النشر».

وفي اليوم التالي بدأ جيش الاحتلال الإسرائيلي يناقش خطط ترسيخ الاحتلال في الضفة الغربية، وتقرّر أنْ يحكمها حاكم عسكري، وأنْ تُقسّم إلى 6 مناطق، وأنْ يكون الحكم العسكري خاضعاً لقائد الجبهة الوسطى في الجيش.

ويتبيّن من المحاضر أنّ «ديان طرح عدّة أفكار حول مصير الضفة الغربية، بينها تشكيل حكومة عربية مستقلة في قسم من أراضي الضفة الغربية، وتوحيد القدس، وإلغاء اتفاقيات لجنة وقف إطلاق النار التي أقرّت الحدود بين الكيان الإسرائيلي والأردن في عام 1949».

في غضون ذلك، بدأ الجيش الإسرائيلي شنَّ هجماته ضد سوريا، وفجر يوم 9 حزيران، أبلغت قيادة الجبهة الجنوبية للجيش الإسرائيلي أنّ «قوّاتها أصبحت موجودة عند ضفاف قناة السويس والبحر الأحمر، وأنّ قوّاتها أكملت احتلال سيناء كاملة، وأنّ الجيش الإسرائيلي ينتقل إلى الدفاع عن الحدود المتّسعة لدولة إسرائيل في الجنوب والشرق والشمال».

وقال رابين: «بما أنّ الجيش المصري متأهّب ومستعد في سيناء فإنّ كل يوم يمر دون أنْ نهاجم سيساهم بتخندق الجيش المصري عميقاً في المنطقة، وفي حال قرّرنا ضربه سيكون الأمر أكثر صعوبة، وأعتقد أيضاَ بأنّ السوريين لن يجلسوا مكتوفي الأيدي وأنا أشعر، بل أكثر من الشعور بأنّ حلقة عسكرية وسياسية تضيّق الخناق حولنا ولا يوجد أي شخص أو جهة أخرى لتكسر هذه الحلقة من حولنا، ولا يحق لنا الانتظار حتى ينتج وضعاً أشد وأقسى إذا لم نشرع بالعمل فوراً».

وكشف عن أنّ رابين كان يهدف من الحرب إلى توجيه ضربة قاصمة إلى الرئيس جمال عبد الناصر قد تؤدي إلى تغيير وجه الشرق الأوسط، وعلّق على ذلك قائلاً: «أعتقد بأنّنا نواجه اليوم وضعاً لا مفر منه، والزمن يعمل ضدنا، فالوضع سيكون بعد أسبوعين أو ثلاثة أو أربعة أسابيع أكثر سوءاً».

ووفقاً للبروتوكولات العسكرية المنشورة، فقد اتفق قائد سلاح الجو - آنذاك - الجنرال مردخاي هود مع ما قاله رئيس الأركان، وأكد «جاهزية سلاح الجو للعمل، وأنّه لا توجد حاجة للانتظار 24 ساعة لتفعيله».

وأيّد شارون ما توصّل إليه رابين، قائلاً: «إنّ قوّات الجيش حاضرة وجاهزة كما لم تكن في أي مرّة سابقة، وهي قادرة وجاهزة لصد وتدمير الهجوم المصري، لكن التردّد أفقدنا عامل الردع الأساسي المتمثّل بخوف الدول العربية من مواجهتنا».

وقال أشكول: «يجب ألا ننظر إلى أنفسنا كغزاة قدمنا من الفضاء ففي دولة عدد سكانها 2 مليون يجب على الإنسان أنْ يسأل نفسه، وأنا لا أعترض على ذلك، فلا يوجد شيء أكثر إثارة من رؤيتكم ثائرون على الحكومة، لماذا نسمح للأيام بأنْ تمر دون أنْ نشن الهجوم؟ لنفترض أنّنا حطّمنا اليوم قوّة العدو هذا يعني أنّنا مُلزمون بأنْ نشرع في اليوم التالي بإعادة بناء قوّتنا لأنّنا خسرنا أيضا بعض قوّتنا لذلك إذا اضطررنا لأن نشن حرباً كل عشر سنوات، علينا أنْ نسأل أنفسنا هل يوجد لدينا حليف سيهب لمساعدتنا؟، أو إنّني أتحدث اليوم عن حليف لنقول له غداً بأنّنا خدعناك وجعلنا منك أضحوكة».

ومما تضمّنته يوميات العدوان التي سُجِّلَتْ في مقر القيادة العسكرية العليا للجيش الاحتلال الإسرائيلي: «بعث سلاح الجو الإسرائيلي يوم 5 حزيران 1967، تقريراً إلى هيئة الأركان العامة تحدّث فيه عن ضرب سلاح الجو المصري كجزء من عملية «مؤكدة»، وتدمير 180 طائرة مصرية حتى الساعة 11:05 صباحاً».

وأصدر وزير الجيش ديان أوامره عند الساعة 6:15 من مساء يوم 7 حزيران، بحصار بلدة القدس القديمة واقتحامها دون الدخول إلى المسجد الأقصى وحائط المبكى، وتعيين شلومو لاهط حاكماً عسكرياً للقدس.

وعند الساعة العاشرة مساءً تلقّت هيئة الأركان رسالة تقول: «المسجد الأقصى بأيدينا والقوّات قرب حائط المبكى».

وناقش الجيش أيضاً أوامر إطلاق النار باتجاه القوّات الأردنية واقتصرت الرد على النيران الأردنية فقط، وعدم المبادرة لإطلاق النار.

وأصدرت القيادة العسكرية أوامر بضرورة مواصلة إطلاق النار على الجنود المصريين الذين بقوا خلف الخطوط الإسرائيلية في حال واصلوا المقاومة، وفي ذات الوقت أمر ديان «باحتلال هضبة الجولان».

تهويد القدس

وأصدرت القيادة العسكرية الإسرائيلية يوم 11 حزيران 1967 أمراً جديداً يتعلّق بكافة الجبهات جاء فيه: «سيتحوّل الجيش الإسرائيلي إلى حالة الدفاع على طول الحدود ومناطق سيطرة دولة إسرائيل في الشرق والجنوب والشمال».

وفي اليوم التالي لأمر التحوّل إلى الدفاع بدأت سلطات الاحتلال الإسرائيلي بممارسة سياسة تهويد القدس المحتلة عبر إصدار أمر عسكري «يجب تسهيل دخول حائط المبكى».

غزو لبنان

أما بشأن الغزو الإسرائيلي للبنان في حزيران 1982، والذي حمل سم «سلامة الجليل»، فقد انطلق بتاريخ 5 حزيران، حيث احتل الجيش الإسرائيلي كل الجنوب وجزءاً من البقاع وجبل لبنان، وصولاً إلى حصار بيروت الذي استمر حتى ليل 14-15 أيلول 1982، إذ دخل جيش الاحتلال بيروت الغربية، بعدما كانت قوّات الثورة الفلسطينية قد غادرت المدينة حتى تاريخ 29 آب من العام ذاته.

وتذرّع العدو بتعرّض سفيره في بريطانيا شلومو أرغون إلى محاولة اغتيال، تبيّن لاحقاً أنّ أجهزة المخابرات الإسرائيلية هي التي خطّطت لها ونفّذتها، حتى يتّخذ العدو من ذلك ذريعةً لتنفيذ مخطّطه بالقضاء على الثورة الفلسطينية في لبنان.

وقد بدأت القوّات الإسرائيلية اجتياحها بقصف مُركّز على المناطق الساحلية في الجنوب، واندفعت قوّاتها عبر المنطقة التي كانت تنتشر فيها قوّات «الأمم المتحدة»، وأعلن وزير الدفاع الإسرائيلي - آنذاك - أريئيل شارون عن «أنّ هدف القوّات الإسرائيلية التوغّل 30 كلم، بغية إبعاد خطر الصواريخ الفلسطينية» - أي إنّ ذلك يعني إلى خطوط نهر الأوّلي عند شمالي مدينة صيدا - لكن تبيّن لاحقاً أنّ أطماع قوّات الاحتلال الإسرائيلي لم تكن كذلك، حيث دخلت إلى العاصمة بيروت لتكون العاصمة الثانية التي تُحتل بعد مدينة القدس.

وتصدّت «قوّات الثورة الفلسطينية» و«الحركة الوطنية اللبنانية» لقوّات جيش الاحتلال الإسرائيلي بما تمكّنوا من عتاد وأسلحة خفيفة متوافرة، من خلال اعتماد أسلوب حرب العصابات، حيث واجهت قوّات الاحتلال الإسرائيلي مقاومة شرسة في العديد من المناطق قبل أنْ تسقط، إلى أنْ وصلت إلى مشارف بيروت الغربية، التي طوّقتها، لكن لم تجرؤ على التقدّم أكثر، فقد استطاعت «القوّات المشتركة اللبنانية – الفلسطينية» الصمود أمام جيش حديث مُدجج بأحدث الأسلحة البرية والبحرية والجوية، ولكن تواصُل القصف الشرس أجبر القيادة الفلسطينية على التفاوض للخروج نهائياً من لبنان، حيث أُبرِمَ اتفاق يقضي بأنْ تَخرج المقاومة الفلسطينية تحت الحماية الدولية من لبنان، مع ضمان أمن العائلات الفلسطينية، وبدأوا بالمغادرة بين 21-30 آب 1982، وغادر الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات «أبو عمار» بيروت بسفينة فرنسية مع الكثير من الفدائيين، وأطلق عبارته الشهيرة: «عَ القدس رايحين... شهداء بالملايين»، واتجه إلى تونس التي كانت قد أعلنت موافقتها استضافة القيادة الفلسطينية، فيما غادر على سفن أخرى آلاف المقاتلين الذين تم توزيعهم على عددٍ من البلدان العربية.

وبعد دخول قوّات الاحتلال إلى بيروت انطلقت شرارة المقاومة، حيث كانت العملية الأولى التي قام بها المناضل خالد علوان واستهدف جنوداً إسرائيليين في مقهى «الويمبي» (24 أيلول 1982)، بعد إعلان انطلاق «جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية».

واستطاعت المقاومة الوطنية والإسلامية دحر الاحتلال، وبعد اندحاره من بيروت وجبل لبنان، اندحر الاحتلال عن مدينة صيدا بعد 985 يوماً من المقاومة وجه خلالها المقاومون ضربات مؤلمة للاحتلال، موقعين في صفوفه الخسائر البشرية والمادية، حيث أجبر على الاندحار، ولاحقاً جر أذيال الخيبة عن مناطق صور وصولاً إلى الشريط الحدودي الذي أعلن عن تحريره بتاريخ 25 أيار 2000.

في غضون ذلك، كان الاحتلال الإسرائيلي يعتقل في كل منطقة مناضلين ويزج بهم في «معتقل أنصار» ثم أفرج عن عدد منهم في الصفقة التي جرت بتاريخ 23 تشرين الثاني 1983 بين حركة «فتح» وقوّات الاحتلال الإسرائيلي، والتي أُطلق بموجبها سراح الأسرى في «معتقل أنصار» البالغ عددهم 4700 معتقل لبناني وفلسطيني و65 أسيرا من السجون الإسرائيلية، مقابل إفراج حركة «فتح» عن 6 جنود إسرائيليين أسرتهم في منطقة بحمدون خلال الاجتياح.

ونقلت سلطات الاحتلال عدداً من الأسرى وأسرت آخرين وزجّت بهم في «معتقل عتليت»، وفي عملية تبادل بين سلطات الاحتلال الإسرائيلي و»الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة»، سميت بإسم «عملية الجليل» وتمت بتاريخ 20 أيار 1985، أطلقت خلالها سلطات الاحتلال سراح 1155 أسيراً كانوا محتجزين في سجونها، منهم 883 أسيراً كانوا محتجزين في السجون المُقامة على الأراضي الفلسطينية المحتلة و118 أسيراً كانوا قد خطفوا من «معتقل أنصار» أثناء عملية التبادل في العام 1983، و154 معتقلاً كانوا قد نقلوا من «معتقل أنصار» إلى معتقل عتليت أثناء اندحار الاحتلال الإسرائيلي عن الجنوب مقابل 3 جنود كانوا بقبضة «الجبهة الشعبية» - القيادة العامة، أسروا خلال معركة السلطان يعقوب (11 حزيران 1982).

تعليقات: