أطفال نازحون.. يعملون لإنقاذ ذويهم

 في اليوم العالمي للحد من عمالة الأطفال، يستمر أطفال نازحون في العمل لرفع مدخول ذويهم (فادي أبو غليوم)
في اليوم العالمي للحد من عمالة الأطفال، يستمر أطفال نازحون في العمل لرفع مدخول ذويهم (فادي أبو غليوم)


الانخفاض الملحوظ في فرص العمل المتاحة للنازحين السوريين، وصعوبة حصولهم على إجازات عمل، بالإضافة الى تراجع التقديمات والمساعدات الدولية، كلها عوامل دفعت أعداداً من العائلات النازحة لتشغيل أطفالها في سوق العمل اللبناني، لرفع مدخول العائلة الشهري.

يقطن نازح خمسيني من ادلب في غرفة صغيرة مع عائلته، المؤلفة من سبعة أشخاص، عند الطرف الغربي لبلدة حاصبيا. يقول: «طلبت من ثلاثة من أطفالي، تتراوح أعمارهم بين التسعة و14 عاماً، العمل في بعض المعامل والمتاجر القريبة. واحد منهم يعمل في محل لبيع الخضار، والثاني في منتزه عند ضفة الحاصباني، والثالث في محطة محروقات». ويوضح النازح أن «غلة اليوم الطويل تتراوح بين 25 و35 دولاراً»، معتبراً أنه «مبلغ مقبول، يساعدنا في تجاوز جانب من المعاناة، خصوصاً في ما يتعلق بدفع بدل إيجار الغرفة. لكن أيام العمل محدودة، وتصل الى حدّها الأدنى في فصل الشتاء».

ينهض الطفل السوري حسن العمري (10 سنوات) باكراً، ليقطع مسافة نحو نصف ساعة يومياً سيراً على القدمين، إلى المنطقة الفاصلة بين مخيمه في سهل مرجعيون، ومصنع تعليب المنتجات الزراعية في سردة، حيث يعمل منذ نحو شهر بأجر يومي لا يتجاوز خمسة دولارات. أما سامر، الذي فقد والده في معارك حلب منذ ثلاث سنوات، فقد أصبح المعيل الوحيد لأفراد عائلته المؤلفة من خمسة أطفال، فيما الوالدة غير قادرة على ترك خيمة النزوح، لأنها مضطرة للبقاء إلى جانب أطفالها، ومن بينهم طفل مصاب بعاهة جسدية تمنعه من الحراك.

«رجل» البيت

يعتبر الطفل عادل اليوسف نفسه رجل البيت. يقول إنه يجهد لتأمين جزء من الحاجيات والمتطلبات، فهو مضطر لذلك بعدما خفضت الجهات المانحة من مساعداتها. يوضح: «ما أحصل عليه من راتب يسدّ ثغرة في حياتنا أنا وعائلتي المؤلفة من خمسة أشخاص، لكن نبقى في وضع حرج وضاغط في مختلف مجالاتنا المعيشية. المتطلبات كثيرة وميزانيتها تفوق بأضعاف مدخولنا. لقد كُتب علينا العوز والحاجة، وما علينا سوى الصبر على الجوع والألم حتى تتبدّل الأوضاع وتتغير، وان كان ذلك بعيد المنال في المدى المنظور».

يقصد الطفل السوري النازح سليم أسعد (8 سنوات) معظم الأسواق الشعبية في المنطقة الحدودية، وصولاً إلى أسواق البقاع، ويمضي هناك ساعات تحت أشعة الشمس مع أترابه، يتسوّلون. يقول سليم: «نرضى بالقليل، منهم من يناولني خمسمئة ليرة، لكن أكبر مبلغ لا يتجاوز الألف ليرة. وأحياناً يتحسّن علينا بعض التجار بالقليل من الفاكهة والخضار التي لم تنفق. حصيلة النهار تصل الى حدود العشرة آلاف ليرة، مع كمية مقبولة من البطاطا والخس والبندورة والخيار، تنعم بها عائلتي وتعتبرها دعماً غذائياً نفتقر إليه في نزوحنا القاسي».

نصف وجبة

يقول الفتى النازح من ريف دمشق أحمد الولي، إنه يعمل في مزرعة دجاج براتب شهري لا يتعدى المئتي دولار، لكن «بالكاد يكفي ذلك في ظل الغلاء الفاحش في لبنان، والذي يطال المواد التموينية والغذائية والفاكهة واللحوم كافة، التي نادراً ما نشتريها»، مشيراً إلى «أننا نعتمد التقنين في طعامنا، أي نصف وجبة، وهذه وسيلة باتت شائعة لدى معظم النازحين».

أما الطفلة فاطمة أبو العلي (12 عاماً)، فتعتبر أنها خسرت أربع سنوات من حياتها. تضيف: خسرنا طفولتنا في التهجير والغربة والعذاب. الطفل النازح ليس أمامه سوى تأمين ما يقتات به لتقطيع هذه الفترة القاسية التي فُرضت عليه، ومن أجل ذلك يحار في كيفية الحصول على مدخول، في ظل عدم توافر فرص عمل كافية للنازحين، مما دفع بنسبة مرتفعة من الأطفال للنزول الى الشوارع لتتسوّل. كل ذلك كي نعيل أهلنا وأنفسنا بأنفسنا».

مدرِّسون لبنانيون

توجد مدرسة في مخيم إبل السقي، مؤلفة من خيمة كبيرة افتتحتها «الأمم المتحدة» منذ أشهر، لكن نازحين يقيمون في المخيم يقولون إن المدرسة «افتتحت لتوظيف لبنانيين من أصحاب النفوذ في التدريس، برواتب تصل إلى 1500 دولار»، مشيرين إلى أن «راتب مدرّس شهري واحد، يكفي مصروف عشر عائلات نازحة».

ويلفت بعض النازحين إلى أنهم تقدموا باعتراض، وطلبوا توظيف مدرّسين من النازحين الذين يحملون شهادات عالية تمكنهم من التدريس، لكن «المعنيين رفضوا طلبنا وأصروا على قرارهم. لذلك، فإن عدد الطلاب في مخيم إبل السقي، الذي يضم اكثر من ثلاثمئة طفل، لا يتجاوز الخمسين طالباً، لأننا ندرك ان تدريس أطفالنا بهذه الطريقة تضييع للوقت ونهب لأموال مخصصة أصلاً لإغاثتنا».

خوف واستغلال

أظهرت دراسة أعدتها «اليونيسيف» حول الأطفال أن «أطفال الشوارع في لبنان، ومعظمهم من النازحين السوريين، معرضون لخطر الاستغلال الجنسي والمضايقات من قبل المارة، فضلاً عن الأطفال والأشخاص البالغين الآخرين الذين ينافسونهم، كما أنهم عرضة للإهمال من قبل والديهم، ويعيشون في خوف دائم من التعرض للاعتقال من قبل الشرطة ومن عقوبة التغريم أو الحبس، بسبب مخالفتهم قانون العمل في لبنان».

وضربت تقلبات الطقس في لبنان وموجة الحر الأخيرة، الأطفال النازحين، إذ سُجل إصابة العشرات في تجمعاتهم، بأمراض تتوزع بين التهابات وسعال، تترافق مع ارتفاع الحرارة، وفق رئيس «مؤسسة عامل الدولية» الدكتور كامل مهنا.

يقول مهنا إن «المؤسسة وضعت متابعة اوضاع النازحين الصحية ضمن اهتماماتها اليومية، فالوضع الصحي للأطفال النازحين مأساوي فعلاً. هناك انتشار للقمل والسيبان، بالإضافة إلى أمراض جلدية، وتوجد بينهم حالات إعاقة متعددة بحاجة الى عناية خاصة».





تعليقات: