«تاريخ حاصبيا وما اليها» للكاتب غالب سليقة

الكاتب والمؤرخ غالب سليقه، عضو في المجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز (عن منطقة حاصبيا) والمدير السابق لمدرسة الفرديس الرسمية لمدة 44 ع
الكاتب والمؤرخ غالب سليقه، عضو في المجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز (عن منطقة حاصبيا) والمدير السابق لمدرسة الفرديس الرسمية لمدة 44 ع


كثيرون الذين يرغبون كتابة التاريخ بغية كشف الحقائق وتدوينها ومن ثم تسليط الضوء على اشخاص كانت لهم ادوار فاعلة في حياة بلادهم ومجتمعاتهم... لكنهم قليلون الذين يملكون الامكانيات الحقيقية في كتابة التاريخ، سيما وانهم اذا ارادوا ذلك، يصطدمون امام دقة الارقام والتواريخ، وامام دقة تحديد اسماء الاشخاص وهوياتهم لما في ذلك من تشابك من جهة وحذر من جهة اخرى، انطلاقا من مقولة اساسية «لا تاريخ بدون تأريخ»... وغالب سليقا من هؤلاء القلائل في اقتحامه الجريء لمعركة كتابة التاريخ - كتابة من اهملها التاريخ - عينت بها «حاصبيا»، فقدم لنا كتابه الجديد:

«تاريخ حاصبيا وما اليها، امارة وتراثا ومقامات حتى نهاية الحرب الكونية الثانية».

لم يكن «تاريخ حاصبيا وما اليها» وليد صدفة عند كاتبه غالب سليقة، بل كان فكرة بدأت تنمو في ذهنه منذ عام 1989 عندما بدأ يكتب مقالاته «من صدى التاريخ» في مجلة «صدى حرمون» (1) خلال اكثر من سنتين، حيث وجد في نفسه قدرة وميلا في كتابة تاريخ حاصبيا ووادي التيم، كما وجد فيه قراء صدى حرمون - وعن غير قصد - مرجعية وثائقية لتاريخ تلك المنطقة، لما كان يكتبه في هذا الصدد...

وهكذا كانت الانطلاقة، وهكذا ولد كتاب «تاريخ حاصبيا وما اليها». وان ما دفعني للكتابة عن هذا الكتاب، ليس مرافقتي لدرب كاتبه ولما تجمعني به من زمالة وصداقة ومعايشة مشتركة لتطلعات مستقبلية فحسب، بل لأني وجدت في كتابه ميزات توقفت عندها لأقدمها للقارئ الكريم علني اف صاحبه جزءا من حقه...

ومن تلك الميزات:

1- السبق التاريخي:

نعم لقد كان «تاريخ حاصبيا وما اليها» سبقا تاريخيا مهما بالنسبة لنا كأبناء تلك المنطقة حيث - وقبل غالب سليقه - لم يقدم احد بعد على كتابة تاريخ لحاصبيا. بالرغم من ان حاصبيا وجوارها كانت غنية بالاحداث التاريخية، وخاصة الاحداث التي كان لها دور عظيم في تاريخ لبنان والعرب كالثورة السورية الكبرى عام 1925، وحرب الـ 1860 وغيرها... مع العلم ان بعض الكتاب والادباء امثال الاب حنا حردان وسلام الراسي وفيليب حتي وحليم تقي الدين وسامي ابو شقرا وغيرهم كانوا يكتبون في كتبهم عن حاصبيا، انما بشكل عرضي، كونها مادة تاريخية «دسمة» لا يمكن تجاهلها. من هنا كان كتاب غالب سليقة عن حاصبيا اول كتاب عن تاريخ حاصبيا يتصدر المكتبات ليصبح مرجعا تاريخيا لكل من يريد الكتابة عن حاصبيا.

2- المحطات التاريخية المهمة:

ان ما يتضمنه الكتاب من محطات تاريخية لها اهميتها في تاريخ لبنان والعرب على حد سواء، قد اعطى الكتاب قيمة تاريخية ووثائقية مهمة، حيث سلط الكاتب الضوء عليها بشكل مركز ومن ثم ازال عنها بعض الغموض شهادة للتاريخ والحق، ومن تلك المحطات:

- ظهور الدعوة التوحيدية واسباب عدم دخولها حاصبيا (2)، ثم الصعوبات والمحن التي واجهتها.

- المحنة الكبرى بعد نهاية الحاكم بأمر الله (3).

- معركة الاقحوانة سنة 1029 م قرب طبريا في فلسطين (4)

- محنة انطاكية سنة 1032 على يد نصر بن صالح بن مرواس (5)

- محنة الوادي جوار حطين 1043 م (6)

- معارك سهل الخان وزيتون المخاصة سنة 1173 م التي خاضها الشهابيون ضد الصليبيين وانتصروا بها (8).

- وصول المغول الى وادي التيم سنة 1283 (9)

- موقعه شويا بين الامير علي الشهابي وشقيقه احمد (10)

- معركة عنجر واشتراك آل شهاب واهالي وادي التيم بها سنة 1633 (11)

- معركة سوق الخان 1633م (12)

- خراب حاصبيا سنة 1660 على يد احمد باشا الكوبري (13)

- وليمة نبع الحاصباني سنة 1706 ودهاء مخايل غبريل اوصلا الامير حيدر الحاصباني الى حكم جبل لبنان (14).

- موقعه مرج العيون عام 1744 م (15)

- موقعه وادي الحجير عام 1771م (16)

- موقعه حاصبيا سنة 1790م (16)

- دخول ابراهيم باشا وادي التيم وحاصبيا سنة 1832 (18)

- حصار السراي الشهابية في حاصبيا من قبل شبلي باشا العريان سنة 1838 (19)

- معركة وادي جنعم وابراهيم باشا يقتحم شبعا وشبلي العريان لم يستسلم الا بالتفاوض سنة 1838 (20)

3- الوثائق التاريخية

ان ما زاد الكتاب غنى واهمية هو اعتماد كاتبه على كثير من الوثائق والمخطوطات التاريخية حيث نقلها كما هي فكشف بالضوء عن معلومات لها قيمتها واهميتها التاريخية.

ومن تلك الوثائق:

- وثيقة الاميرين سليمان وسلمان المعني الى محمد العبيد وهي كناية عن وصية «لأن معن في ابل السقي» كتبت على رق النحاس سنة 1071 م (21)

- رسالة من الشيخ حسن الهجري شيخ عقل جبل الدروز آنذاك الى الشيخ حمد قيس قاضى المذهب في حاصبيا سنة 1300 هـ (22)

- حجة بيع شرعية لصالح وقف البياضة في حاصبيا عام 1318 هـ (23)

- رسالة من الشيخ علي الفارس من حرفيش (بفلسطين) الى شيخ البياضة آنذاك ابو حسن علي رعد سنة 1924 م (24)

- رسالة بخط المعلم كمال جنبلاط الى مشايخ البياضة سنة 1944 م (52)

- رسالة بخط الشيخ محمد ابو شقرا شيخ عقل الدروز الى البياضة سنة 1949 (62)

- رسالة من المؤرخ سعيد فرنسيس الى شيخ البياضة مهنا حسان سنة 1954 م (27)

4 - لمحات تاريخية عن قرى قضاء حاصبيا:

لقد اراد المؤلف من خلال اعطائه لمحة تاريخية

- ولو بإيجاز - عن كل قرية من قرى القضاء، تعريف القارئ عليها سكانيا واجتماعيا وعائليا وتوزيعهم حسب الطوائف، كما انه لم ينس التعريف عن بعض رجالات تلك القرى والتذكير بهم وبمواقفهم امثال:

- الست نايفة جنبلاط شمس من حاصبيا

- سليم بك شمس من حاصبيا

- الامير خالد شهاب من حاصبيا

- سليم بك نوفل من الكفير

- فارس بك الخوري من الكفير

5- تعدد المراجع:

الى جانب الوثائق التاريخية زاد الكتاب غنى اكثر هو تعدد المراجع التاريخية والاكثار منها حيث اعتمد المؤلف عليها وقطف من بساتينها الثمار الكثيرة. فإن كتابا مدعوما بإحد وسبعين مرجع تاريخي لفطاحل الكتاب والادباء، وبسبعة مراجع دينية كبيرة (كالقرآن الكريم والكتاب المقدس وعمدة العارفين... الخ) وبعشرات المجلات والصحف المحلية، الى جانب عشرات الوثائق... يصح ان يقال فيه بأنه: «مكتبة في كتاب».

هذا، وقد عزز المؤلف اعتماده على المراجع بالاسهاب في نقل المعلومات المطلوبة وشرحها بشكل واف ومبسط، وهذا ما ظهر جليا في الهوامش، وذلك دعما لرأيه ومعلوماته. من هنا اضم صوتي الى صوت الاديب سلام الراسي الذي قال فيه: «انه يتناول مواضيع البحث من جذورها لا من تفاصيلها، ويعزز رأيه بالحجة الاثيرة لا بقوة العقيدة (28)»... ويضيف سلام الراسي بقوله: «احببته كذلك لأنه كان وما زال يخبئ لي بعض الحقائق التاريخية الثمينة التي يحظى بها، بوسائله الخاص، في بعض المخطوطات والمرويات والمحفوظات عند بني قومه والتي لا بد ولا غنى لنا عن معرفة حقيقتها ومن مختلف وجهات النظر، مثل فتنة 1860 وثورة 1925 اللتين ارّخهما بعض المؤرخين من وجهات نظر طائفية مبرئين الادارة العثمانية قبلا، والادارة الفرنسية فيما بعد من مسؤولياتهما» (29).

وفي النهاية لا بد من توجيه كلمة تقدير للمؤلف الصديق غالب سليقة على المجهود الكبير الذي قام به ونتج عنه هذا الانجاز الذي يستحق التقدير والاعجاب.

الهوامش:

1- «صدى حرمون» مجلة ثقافية اجتماعية صدرت في حاصبيا (1989 - 1991) صاحبها ورئيس تحريرها فارس يوسف.

2 صفحة 21 ـ3 صفحة 24 ـ4 صفحة 24 ـ5 صفحة 25 ـ 6 صفحة 26 ـ7 صفحة 37 ـ8 صفحة 40 ـ 9 صفحة 47 ـ10 صفحة 48 ـ11 صفحة 49 ـ 12 صفحة 57 ـ14 صفحة 59 ـ 15 صفحة 65 ـ 16 صفحة 66 ـ 17 صفحة 70 ـ 18 صفحة 73 ـ 19 صفحة 75 ـ 20 صفحة 81 ـ 21 صفحة 53 ـ 22 صفحة 267 ـ 23 صفحة 268 ـ 24 صفحة 270 ـ 25 صفحة 278 ـ 26 صفحة 279 ـ 27 صفحة 280 ـ 28 صفحة 9 ـ 29 صفحة 9.

* فارس يوسف - كاتب وباحث اجتماعي

تعليقات: