هذا ما جرى في حادثة اعتداء «مجموعة الأسير» على الجيش في عبرا



أحمد الأسير حمل سلاحه وارتدى جعبته وأعطى الأوامر «مزّقوهم»

أمجد الأسير بادر إلى إطلاق النار على ضابط الجيش... ومحمد النقوزي أطلق صاروخ «لاو» على الملالة

ما هي الدعاوى التي يواجهها الأسير أمام «المحكمة العسكرية» وقضاة التحقيق؟!

فضل شاكر خرج بعدما عالجته زوجة الأسير أمل من إصابة في بطنه

فادي السوسي أعد خطة عسكرية بالتصدّي للجيش ووضعه ضمن «كمّاشة» بعد اجتماع «مجلس الشورى»

فتح توقيف إمام «مسجد بلال بن رباح» السابق أحمد محمد هلال الأسير الحسيني الباب على مصراعيه نظراً إلى أنه يُعتبر من أبرز الإرهابيين المطلوبين الذين يتم توقيفهم أحياء، ولا يُقتلوا في المعركة أو خلال التواري، أو محاولة التوقيف...

وأيضاً بشأن المعلومات الهامة والهائلة التي يمتلكها المطلوب «رقم 1» على الساحة اللبنانية، وتوزّعت على أكثر من مرحلة تكشف الكثير من الملفات، وتميط اللثام عن جملة من الأحداث كان محورها، حيث أدلى باعترافات هامة وخطيرة خلال التحقيق معه في الأمن العام أو لدى مخابرات الجيش اللبناني، ما يشير إلى أنّه سيكون موضع استقطاب إعلامي خلال جلسات محاكمته في «المحكمة العسكرية الدائمة» في بيروت أو لدى قضاة التحقيق في المحكمة...

وهنا يُسجّل للمدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم إنجاز توقيف الأسير، الذي تعدّت أصداؤه الساحة اللبنانية، لأنّه يشكّل ضربة قاصمة للخلايا الإرهابية، التي أصبح هناك إجماع لبناني وعربي ودولي على مواجهتها والتصدّي لها، نظراً إلى خطورتها وما تشكّله من زعزعة للأمن والاستقرار، وإشغال الدول العربية بقضايا داخلية، بدلاً من قضية العرب المركزية الأولى، قضية فلسطين، وهو ما يصب في المحصلة لصالح المخطّط الصهيوني...

مَنْ يعرف اللواء ابراهيم عن كثب، يعلم تماماً أنّه يتعاطى مع الملف كملف أمني، سواء لجهة خلايا تجسّس مع العدو الصهيوني أو الخلايا الإرهابية، فهما صنوان ينفّذان مشروعاً تآمرياً ضد لبنان من خلال عملاء وأدوات لبنانية وفلسطينية وسورية ومن المقيمين على الأراضي اللبنانية - أي إنّه لا يُنظر إلى جنسية وطائفة ومذهب وانتماء ومكان إقامة المطلوب، بل إلى جرمه، لأنّ انتماء هؤلاء هو إلى «حزب العمالة والإرهاب»...

وإذا ما سُجّل إنجاز أمني، لا يعني أنّ ذلك هو آخر المطاف، بل يُضاف إلى تراكمات إنجازاته في مواجهة المطلوبين، وأيضاً العمل على الولوج بملفات أخرى، منها ما أبصر الخواتيم السعيدة، ومنها ما يزال طور المتابعة والاتصالات لتحقيق النتائج المرجوة منه...

توقيف أحد الأجهزة الأمنية لمطلوب لا يُعفي أيّاً كان من الأجهزة عن بذل الجهود من أجل توقيف مطلوبين آخرين، قد تحول ظروف عدّة دون وقوعهم في «الشبكة الأمنية»...

ومهمة الأمن العام اللبناني كما الأجهزة الأمنية توقيف المطلوبين وإحالتهم إلى القضاء، الذي له كلمة الفصل بشأنهم في مراحل التحقيق والمحاكمة والاستئناف والتمييز...

«الصيد الثمين» بتوقيف أحمد الأسير جاء ثمرة جهود مضنية منذ اعتدائه ومجموعته على الجيش اللبناني في عبرا (23 حزيران 2013) بمتابعة ورصد أي معلومة لجهة تواريه وتخفّيه عن الأنظار، وصولاً إلى التمكّن من توقيفه في «مطار الشهيد رفيق الحريري» لدى محاولته المغادرة إلى نيجيريا عبر مطار القاهرة، على متن الخطوط الجوية المصرية (مصر للطيران) بمستندات فلسطينية مزوّرة بإسم خالد علي العباسي.

الملف المتشعّب والشائك الغني بالمعلومات التي أدلى بها الأسير يمكن تقسيمه إلى:

1- الفترة التي رافقت انطلاق ظاهرته وصولاً إلى ما سبق أحداث عبرا.

2- الاعتداء على الجيش اللبناني في أحداث عبرا، والذي أسفر عن استشهاد 18 ما بين ضابط وعسكري وجرح العشرات من ضبّاط وجنود الجيش، فضلاً عن قتلى مجموعة الأسير والضحايا والجرحى المدنيين.

3- التواري وتقديم الخدمات اللوجستية، التي تتوزّع فيها أدوار البعض لجهة مَنْ نفّذ ذلك تحت وطأة التهديد أو طواعية.

4- تشكيل خلايا لتنفيذ عمليات إرهابية، تفجيراً واغتيالاً لقيادات سياسية وروحية وعسكرية.

5- مَنْ قدّم دعماً مالياً للتسليح والقيام بأعمال عسكرية.

{ المرحلة الأولى: كُثُر شاركوا في أداء الصلوات في «مسجد بلال بن رباح» - عبرا، لكن بينهم مَنْ شارك في نشاطات الأسير المتعدّدة، وصولاً إلى الاعتصام الشهير الذي نفّذه على «بوليفار الدكتور نزيه البزري» - الشرقي على مدخل صيدا الشمالي (27 حزيران 2012 وحتى 1 آب 2012) أو في اعتصامات متعدّدة، وكذلك مَنْ انضم إلى خلايا لوجستية وعسكرية في الهيكلية التي أنشأها وتولّت إدارة كافة القضايا المتعلّقة بظاهرته، خاصة بعد إنشائه مجموعة مقاومة مسلّحة.

{ المرحلة الثانية: المشاركون في «مجموعة الأسير» المسلّحة الذين قسّمهم ادّعاء القضاء على 5 مجموعات بين مَنْ حمل السلاح واعترف، أو ثبت بالأدلة والقرائن مشاركته - وإنْ كان متوارياً - أو مَنْ حمل السلاح وأطلق النار، ولم يعترف، ومَنْ انتمى إلى المجموعات المسلّحة ولم يحمل السلاح، ومَنْ قام بأدوار إدارية ولوجستية، ومَنْ لم تثبت أدلة بحقهم حول مشاركتهم بحادث الاعتداء على الجيش.

{ المرحلة الثالثة: مَنْ ساعد الأسير على التواري بعد مغادرته المربع الأمني وتنقّله بين صيدا والشمال وجبل لبنان ومخيّم عين الحلوة، وبينهم مَنْ أُرغِمَ على ذلك.

{ المرحلة الرابعة: الأفراد الذين توزّعوا على خلايا لتنفيذ عمليات إرهابية ضد سياسيين ورجال دين والجيش و»حزب الله»، ومنها ما نُفّذ وبعضها الآخر لم ينفّذ، وبلغ عدد المجموعات 8 تضم كل منها بين 4-5 عناصر، وقد أوكلت مسؤولية عدد منها إلى الفلسطيني شاهين أحمد سليمان (مواليد 1984)، الذي كان يُقيم في منطقة صيدا، قبل تمكّنه من أنْ يلوذ بالفرار إلى جهة مجهولة، وهذه الخلية التي انفردت «اللـواء» بالكشف حينها عن مخطّطها بتاريخ 4 أيار 2015.

وأيضاً الخلايا التي شاركت في القتال في بحنين والمنية، باب التبانة وجبل محسن في طرابلس.

{ المرحلة الخامسة: مَنْ شارك بالدعم المالي، والذي يتوزّع على قسمين:

- الدعم المالي لإقامة نشاطات ومشاريع إسلامية ودعوية.

- الدعم لشراء الأعتدة العسكرية وتشكيل مجموعات مسلّحة، وتغطية تكاليف عمليات أمنية.

وهذا الدعم المالي توزّع بين شخصيات صيداوية ولبنانية، ومن خارج لبنان.

ويواجه الأسير ملفات قضائية عدّة تتوزّع بين قتل عسكريين والتحريض على القتل، وتأليف مجموعات عسكرية، واقتناء مواد متفجّرة وأسلحة، وتشكيل خلايا نائمة، والتخطيط لاغتيال شخصيات دينية وسياسية وعسكرية، ودعم خلايا إرهابية، ومنها «خلية بحنين».

بين المحكمة والقضاة

عدد من هذه القضايا أنجزت التحقيقات فيه لدى قضاة التحقيق العسكريين، وأُحيلت على «المحكمة العسكرية الدائمة» في بيروت، فيما البعض الآخر لا يزال في عهدتهم.

{ القضية الأولى التي يحاكم بها الأسير هي «ملف أحداث عبرا»، الذي يشمل 72 شخصاً، بينهم 13 فلسطينياً وسوريين و4 مجهولي الهوية الكاملة.

وفي هذا الملف كان قاضي التحقيق العسكري الأول رياض أبو غيدا قد أصدر قراره الظني فيه بتاريخ 28 شباط 2014، وقسّم المتهمين على 5 مجموعات تبعاً للأفعال الجرمية، بعد تطابق معظم الإفادات:

- المجموعة الأولى: وتضم 54 متهماً من بينهم الأسير وفضل عبد الرحمن شمندر «فضل شاكر» وشقيقه محمد عبد الرحمن شمندر وأمجد محمد هلال الأسير ونجلي أحمد الأسير محمد وعمر.

ووجّه الاتهام إلى الأسير بـ:

أ- الإقدام على قتل ضباط وأفراد من الجيش اللبناني، طبقا للمادة 549 عقوبات.

ب- تأليف مجموعات عسكرية تعرّضت لمؤسّسة الدولة المتمثلة للجيش اللبناني، وهو الجرم المنصوص عنه بالمادة 335 و303 عقوبات.

ج- اقتناء مواد متفجّرة وأسلحة خفيفة وثقيلة استعملت ضد الجيش اللبناني، ما يؤلّف الجرم المنصوص عنه بالمادة 5 و6 من قانون 11/1/1958 و314 و317 عقوبات و72 أسلحة.

- المجموعة الثانية: وتشمل المدعى عليهم الذين لم يعترفوا بإطلاق النار على الجيش اللبناني، لكن ثبت انتمائهم للمجموعات المسلّحة، وحملوا السلاح بنقاط تمركزهم خلال الاشتباكات، وهو ما يؤلّف عناصر جرم محاولة قتل لتلك العناصر وهو ما ينطبق على المادة 549/201 عقوبات والمادة 72 أسلحة.

- المجموعة الثالثة: وتشمل المنتمين إلى المجموعات المسلّحة، هدفها النيل من سلطة الدولة ومؤسّساتها، خاصة مؤسّسة الجيش اللبناني، ولكن لم يحملوا السلاح يوم الاشتباك، ما ينطبق على فعلهم المادة 335 و303 عقوبات والمادة 72 أسلحة.

- المجموعة الرابعة: وتشمل الذين انحصر دورهم بالأمور الإدارية واللوجستية - أي أعمال إدارية ومراقبة وتنظيم استمارات للمجموعات التي كانت تهدف للنيل من سلطة الدولة - وهو الجرم المنصوص عنه بالمادة 335 عقوبات.

- المجموعة الخامسة: وتشمل الذين لم تثبت أدلة بحقهم حول اشتراكهم بالحادث مع الجيش، لجهة اشتراكهم بالاشتباك أو أي دور آخر بالحادث، فاقتضى منع المحاكمة عنهم لعدم كفاية الدليل.

وهذا الملف قد أُحيل على «المحكمة العسكرية»، التي حضر الأسير أولى جلساتها (15 أيلول 2015)، وأرجأت إلى 20 تشرين الأول 2015.

{ القضية الثانية التي يواجهها الأسير: ملف تقديم دعم إلى الموقوف خالد حبلص في القضية المعروفة بإسم اشتباكات بحنين في المنية ضد الجيش اللبناني، ما أدّى إلى استشهاد 4 عسكريين من الجيش، وأيضاً دعم «مجموعة حبلص» التي شاركت في معركة باب التبانة وجبل محسن.

وهذه القضية استجوب فيها القاضي أبو غيدا الأسير (27 آب 2015) وأصدر مذكرة توقيف وجاهية بحقه.

{ القضية الثالثة، التي يستجوب فيها الأسير: إنشاء خلايا إرهابية في مناطق عدّة في صيدا والتخطيط لاغتيال شخصيات سياسية ودينية، والتحريض بالاعتداء على المؤسّسة العسكرية، والتي استجوب فيها الأسير لدى قاضية التحقيق العسكرية نجاة أبو شقرا (20 أيلول 2015)، وأصدرت مذكّرة توقيف وجاهية بحقه.

والملفان اللذان يستجوب بهما الأسير لدى قاضيي التحقيق العسكري، تم الادعاء عليه بهما سنداً إلى المواد 335 و549/201 عقوبات والمادة 5 و6 من قانون 11/1/1958، والتي تصل العقوبات فيها إلى الإعدام.

هذا فضلاُ عن تكليف عدد من الأشخاص بتنفيذ تفجيرات، والإعلان عن تبنّيها، وفي مقدمها التفجير الذي استهدف السفارة الإيرانية في بئر حسن، ونفّذه معين عدنان أبو ظهر وعدنان موسى المحمد (19 تشرين الثاني 2013) وأدّت إلى استشهاد 23 شخصاً وجرح 160 آخرين.

والاعتداء الذي تعرّض له حاجز الجيش اللبناني عند محلة الأوّلي - المدخل الشمالي لمدينة صيدا، وأدّى إلى جرح عسكريين ومقتل شخص يدعى «أبو أيوب» العراقي وينتمي إلى تنظيم «القاعدة»، وكان قادماً من سوريا باتجاه مدينة صيدا، وهو خبير متفجّرات، بعدما حاول تفجير قنبلة يدوية كانت بحوزته.

وما جرى على مقربة من المكان لدى استحداث الجيش اللبناني حاجزاً عند تقاطع مجدليون - بقسطا، حيث تفاجأت سيارة من نوع جيب «انفوي» رمادية اللون يقودها اللبناني محمد جميل الظريف ومعه الفلسطيني بهاء الدين محمد السيد، وشخص يحمل هوية لبنانية بإسم إبراهيم إبراهيم المير (تبيّن أنّها مزوّرة)، ولدى طلب الرقيب سامر رزق منهم الأوراق الثبوتية ترجّل السيد واحتضنه وفجّر نفسه بواسطة قنبلة يدوية ما أدّى إلى استشهاد الرقيب الأول رزق وجرح أحد العسكريين ومقتل السيد قبل أنْ تطلق حامية الحاجز النار باتجاه الشخصين الآخرين اللذين قتلا وهما الظريف والمير، حيث عُثِرَ بداخل السيارة على حزام ناسف وقنابل (15 كانون الأول 2013).

إعلانه في تغريده له على الـ «تويتر» مع رابط لتسجيل صوتي نُشِرَ بتاريخ 3 كانون الثاني 2014 أنّ «انفجار الضاحية هو نتيجة طبيعة للجرائم التي ارتكبها نصراللات وحزبه وكل من يؤيده، بحق إخواننا في سوريا والقصير وقبل القصير وبعد القصير».

وهو يشير إلى الانفجار الذي نفّذه الانتحاري قتيبة الساطم في حارة حريك بتاريخ 2 كانون الثاني 2014، وأسفر عن 7 شهداء و77 جريحاً.

وبتاريخ 13 شباط 2014 نشرت «كتائب عبدالله عزام» عبر حسابها الخاص على الـ «تويتر» رابط فيديو حمل عنوان «غزوة السفارة الإيرانية» في بيروت، مع كلام سُجّل قبل تنفيذ العملية من الانتحاريين أبو ظهر والمحمد وهما من مناصري الأسير، وهو ما يشير إلى ترابط مجموعاته مع المجموعات الإرهابية.

وأيضاً استخدام مستندات رسمية وأوراق ثبوتية مزوّرة وهي وثيقة السفر وبطاقة الهوية بإسم خالد العباسي.

ماذا جرى في حادثة عبرا؟

بعد الإشكال الذي وقع بين مجموعة الأسير وعناصر تابعة لـ «سرايا المقاومة» الثلاثاء 18 حزيران 2013، وسقط فيه عدد من الضحايا والجرحى، تكثّفت الاتصالات لسحب فتيل التفجير، خاصة أنّ الأسير كان قد أعطى مهلة تنتهي ظهر الإثنين 24 حزيران من أجل إزالة الشقق التابعة لـ «سرايا المقاومة» في عبرا، وذلك بعد انتهاء الطلاب من تقديم امتحانات الشهادة الرسمية.

في الوقت الذي كان يُنهي فيه مفتي صيدا وأقضيتها الشيخ سليم سوسان اجتماعاً ظهر الأحد مع رئيس «كتلة الوفاء للمقاومة النيابية» النائب محمد رعد في منزل الحاج محمد كوثراني، تم خلاله التوافق على سحب فتيل التفجير بشأن الشقق التابعة لـ «سرايا المقاومة» في عبرا، سُجّل وقوع إشكال بين مناصري الأسير وعناصر الجيش اللبناني في محيط «مسجد بلال بن رباح»، حيث أُقيم حاجز ظرفي للجيش، فأوفد الأسير صهره أحمد الحريري والشيخ عاصم العارفي وأحمد قبلاوي إلى الحاجز، وأبلغوا الضابط المسؤول عنه أنّه يؤدي إلى مضايقة وإزعاج المصلين، وفقاً لاعترافات العارفي «فقد أبدى الضابط تعاوناً وتمت إزالة الحاجز».

في ذلك الوقت كان الجيش يفتّش على حاجزه سيارة من نوع مرسيدس فضية اللون تخص أحمد الحوراني ومعه فادي البيروتي، حيث عُثِرَ بداخلها على عصي خشبية، فجرى توقيفهما ونقلهما إلى مقر الكتيبة 14 في ثكنة الجيش اللبناني في الصالحية، للتحقيق معهما، قبل أنْ تصل أنباء ذلك إلى الأسير، الذي كلّف مجدّداً صهره أحمد الحريري متابعة الموضوع، فأجرى الأخير اتصالاً بشخص أبلغه بأنّه أفرج عن الشابين.

ولما حضر الشابان البيروتي والحوراني أبلغا الأسير بأنّهما تعرّضا إلى سوء معاملة، فأوعز الأسير إلى صهره أحمد الحريري التوجّه إلى الحاجز لإزالته قائلاً - وفق ما أظهرته تسجيلات كاميرات المراقبة التي تمت مصادرتها من مكتبه - «خلّصونا بقى... بيكفي إذلال... روحوا شيلولي ها الحاجز، وهيدي النقطة الموجودة على المدخل».

توجّه الحريري إلى الحاجز من أجل إزالته (وكان غير مسلّح) وبرفقته شقيقه أمجد الأسير، علاء المغربي فادي البيروتي، أبو علي ياسين ومحمد الصلاح، ولحق بهم أيمن مستو (وكانوا مسلّحين).

وبادر الحريري الضابط المسؤول عن الحاجز بالقول: «بدك تشيل الحاجز»، فردَّ عليه الضابط: «رجاع لَوَرَا»، لكنه لم يمتثل وأخذ يصرخ بوجه الضابط، حيث أقدم أحد عناصر الجيش على تلقيم سلاحه، فرجع أمجد الأسير بضع خطوات إلى الخلف، وأطلق النار باتجاه الضابط، فأرداه على الفور - وقد اعترف علاء المغربي بإفادته بالتحقيقات بأنّ أمجد الأسير هو أوّل مَنْ أطلق النار باتجاه الضابط، قبل أنْ يلي ذلك إطلاق نار ما أدّى إلى استشهاد ضابطين وجرح آخرين.

ولمّا شاهد أحمد الأسير ما يجري من خلال كاميرات المراقبة الموجودة في مكتبه بحضور محمد العر وعلاء البابا، توجّه مباشرةً إلى مدخل المبنى ممسكاً بسلاحه ومرتدياً جعبته العسكرية، وطالباً من العناصر الانتشار الفوري على أسطح المبنى ومحيط المسجد، ومخاطباً إياهم «مزقهن تمزيق»، سائلاً عن فادي السوسي المكلف بإدارة المعركة العسكرية.

وأقدم محمد النقوزي «أبو حمزة» على إطلاق صاروخ لو باتجاه ملالة الجيش ما أدّى إلى إصابتها واحتراقها واستشهاد عدد من العسكريين.

وفي ضوء متابعة التحقيقات والمعطيات فإنّ الأسير لم يكن يوم الأحد في وارد فتح معركة ضد الجيش، فلم يكن كوادره وأفراد مجموعاته متواجدين داخل المسجد أو في أماكن الانتشار، بل كان كثر منهم في أعمالهم ومع عائلاتهم في نزهة، لكن بعد الإشكال الذي جرى مع حاجز الجيش، أرسل مكتبه رسائل مشفّرة إلى مناصريه توزّعت بين «تامر» - أي الالتحاق بالمسجد على عجل، و»أحمد» - أي تنفيذ انتشار واستنفار حول المسجد.

ويتّهم مناصرو الأسير طرفاً ثالثاً بأنّه هو مَنْ دبّر الحادث بإطلاق النار باتجاه حاجز الجيش - موجّهين الاتهام إلى «سرايا المقاومة»، وتحديداً من مبنى فوق «KFC» بهدف الإيقاع بين مناصري الأسير والجيش.

لكن اعترف الأسير بأنّه عقد اجتماعاً لـ»مجلس الشورى» التابع للمسجد، قبل أيام من حادثة عبرا، وجرى تكليف المسؤول العسكري والأمني فادي السوسي وضع خطة دفاعية جديدة - غير السابقة - التي كانت تقتصر فقط على كيفية الانتشار في ضوء التصدي لإزالة شقق «سرايا المقاومة»، بأنْ تحاكي الدفاع عن النفس ومقاتلة الجيش في حال حاول الدخول إلى المربع الأمني، مع تأمين أسلحة وذخائر.

وما هو تفسير عقد الأسير الاجتماع الطارئ لمجلس الشورى، وتكليف السوسي إعداد الخطة الجديدة لمقاتلة الجيش؟!

ومساء السبت عقد الأسير اجتماعاً طارئاً في منزله شارك فيه أفراد الجهاز العسكري، فحضر كل من: فادي السوسي، محمد النقوزي، راشد شعبان وحسن وأحمد دغيلي.

وبالفعل فقد أنجز السوسي وضع الخطة العسكرية الجديدة، والتي تحاكي إمكانية الدفاع عن النفس ومقاتلة الجيش وعدم التسليم أو الاستلام له، في حال حاول الدخول إلى المربع الأمني.

وأطلع السوسي المشاركين على الخطة الأمنية الجديدة التي تتضمّن انتشاراً خارج المربع الأمني لوضع الجيش ضمن «كماشة» ما بين المربع الأمني وخارجه، وهو ما جرى تنفيذه، ما يفسر العدد الكبير التي سقط من الجيش فبلغ 18 شهيداً و150 جريحاً.

وقد قُتِلَ السوسي خلال قتاله في سوريا حيث نعاه الأسير بتاريخ 22 كانون الأول 2014.

وبعد اشتداد المعارك، وفي ضوء اعترافات الأسير فإنّ فضل شاكر وصل إلى الملجأ، وارتدى لباسه العسكري مع مجموعته وقاموا بإطلاق النار ضد الجيش.

وقد أكدت زوجة الأسير، أمل شمس الدين أنّها عالجت شاكر من إصابة في بطنه، كما عالجت أحد نجليْ الأسير.

ومع تشتّت قوّات الأسير وفرار العديد من المقاتلين ونفاذ الذخيرة، قرّر فضل شاكر الانسحاب، وأبلغ الأسير بذلك، فغضب وراح يصرخ عندما سمع ذلك قائلاً: «ما بترك مسجدي، بفضل موت هون».

وبعد أنْ هدأ الأسير طلب من الراغبين من عناصره المغادرة وأنْ يخرجوا من المربّع الأمني قائلاً: «كل واحد يدبر راسو».

وقد حزم فضل شاكر أمره وغادر المربع الأمني مع عدد من مرافقيه، صباح الاثنين خلال مغادرة النساء والأطفال المنطقة، ووصل إلى المبنى الذي يقطنه أحمد هاشم في شارع الـ «زكازيك».

وبعدها أوفد شاكر أحد العناصر ممَّن رافقه بالمغادرة إلى الأسير، الذي اقتنع بمغادرة مكان تواجده، وهو ما جرى، فغادر وبرفقته زوجتيه أمل وسمر وأولاده محمد، عبد الرحمن وعمر وشقيقه أمجد، وانتقلوا إلى منزل أحمد هاشم، وكان الأسير «منقباً»، وهو ما ينفي أنه خرج مكشوف الوجه، قبل أنْ يطلب من هاشم إحضار ماكينة حلاقة، حيث قام بحلق لحيته وتبديل ملابسه، وطلب منه أنْ ينقل زوجتيه إلى الهلالية عبر طرق فرعية خالية من الحواجز.

ولما أنجز أحمد هاشم المهمة عاد وأبلغ الأسير بذلك، فاستقل الأسير سيارة والد أحمد هاشم، وهي من نوع مرسيدس شبح سوداء اللون، مع أولاده وشقيقه أمجد، وسلكوا الطريق ذاتها.

بعد ذلك تنقّل الأسير بين شرقي صيدا ومخيّم عين الحلوة وطرابلس وبرمانا، وصولاً إلى جدرا، حيث كانت محطته الأخير قبل التوجّه للمغادر عبر «مطار الشهيد رفيق الحريري» وتوقيفه من قبل الأمن العام اللبناني.

شاكر ينفي

ونفى شاكر ما نشر حول اعترافات الأسير عن تورّطه في معارك عبرا ضد الجيش اللبناني.

وقال في تغريده عبر حسابه على «تويتر» بتاريخ 17 أيلول 2015: «السلام عليكم طالعتنا بعض الصحف اليوم، بما أسموها اعترافات أحمد الأسير، تؤكد تورط فضل شاكر في معارك (عبرا) ضد الجيش اللبناني، صورت وكأني ذلك القائد العسكري، الذي يقود الجحافل وعندما هزمت انسحبت».

وختم: «إني أنفي نفياً قاطعاً ما ورد في هذه التقارير التي أجهل من أين أتت، وهي لا تمت للحقيقة بأي صلة».

..


مخطط الأسير بالتفاصيل والأسماء من «الخلايا» إلى «الأهداف» لفصل صيدا الرأس عن الجنوب الجسد

الإجراءات والتوقيفات في «عاصمة الجنوب» أفشلت التحرك الهادف لتخفيف الضغط عن الشمال

إستهداف الجيش ومحاولة إغتيال الشيخ ماهر حمود وزيد ضاهر وأفراد من «حزب الله» و«سرايا المقاومة» وتفجير «مجمّع الزهراء»

شاهين سليمان رأس المدبرين والمخططين والمنفذين لتكوين المجموعات الإرهابية

محمد النقوزي تولى التدريب... وعبد الله العجمي تأمين السلاح... ومعتصم قدورة الخدمات اللوجيستية

السوري «خالد الكيماوي» درّب المجموعات على المتفجرات منذ العام 2012

فشل إطلاق صاروخ «لاو» على مركز مخابرات الجيش في ميناء صيدا ليل 25 ت1 2014 بعد سقوط بحنين

أحمد ميقاتي خطّط لإنشاء مربّع أمني في الضنية قبل القضاء على مشروعه

«كل واحد يدبّر راسو»... بهذه الكلمات توجّه إمام «مسجد بلال بن رباح» الشيخ أحمد محمد هلال الأسير الحسيني إلى من بقي معه داخل المربع الأمني، في اليوم التالي لاعتداء مجموعته على الجيش اللبناني في عبرا، بعد أن ضاقت السبل أمامه يوم 24 حزيران 2013 فكانت شرارة «الفرار الكبير»...

هذا الاعتداء خلّف 18 شهيداً من الجيش وأكثر من 150 جريحاً، و20 قتيلاً من «مجموعة الأسير»، فضلاً عن عشرات الجرحى والموقوفين والفارين وبينهم الأسير والدائرة الضيقة...

وبدلاً من أن يكون ذلك حافزاً لوقف مسلسل القتل واستهداف «المؤسسة العسكرية»، عمد الأسير الفار، المتنقل بين منطقة وأخرى، إلى تجميع فلول مناصريه ممن كانوا فارين، أو أفرج عنهم بعد توقف بسيط، أو ممن كان بعيداً عن أعين الرصد، بهدف تشكيل خلايا للقيام بأعمال أمنية إرهابية للنيل من سلطة الدولة اللبنانية، وإثارة الفتنة، واستهداف مؤسسات وشخصيات سياسية ودينية وحزبية تابعة لـ «حزب الله» و«سرايا المقاومة» والجيش اللبناني، وصولاً إلى عزل صيدا عن الجنوب...

هذا المخطط كانت «اللـواء» قد انفرد بكشف النقاب عنه بتاريخ 4 أيار 2015...

وجرى تشكيل أكثر من 10 خلايا، عدد أفراد كل منها بين 3-5، كان يتولى مسؤوليتها شاهين منير سليمان، الذي كان مسؤولا أيضاً عن تأمين السلاح الذي كان يحضره من مجدل عنجر والشمال، يعاونه فؤاد خليل أبو غزالة، وعبد الله محمود العجمي، فيما تولّى الشيخ عثمان معروف حنيني حث أفراد الخلايا على القيام بأعمال أمنية، حيث كان يلتقي كل مجموعة على حدى، بينما تولى محمد هلال النقوزي تدريبهم على كيفية استخدام الأسلحة وقذائف الـ «لاو» و«أر.بي.جي»...

وتولّى معتصم سعد الدين قدورة المهام اللوجستية وعلاء سعيد المغربي إيواء عدد من المتوارين داخل منزله أو نقلهم إلى مخيم عين الحلوة عبر أحد بساتين الليمون، بما في ذلك أحمد الأسير، الذي حلَّ ضيفاً في منزل المغربي والتقى على عدة دفعات بأفراد الخلايا، حاثاً «إياهم على القيام بأعمال أمنية»...

وتبيّن أن الشبكة الإرهابية كانت تهدف إلى إيجاد توازن رعب مع «حزب الله»، تحت ذريعة نصرة أهل السنّة «الذين تخلّوا عن مناصرة الأسير»، وجرى تنظيمها بدقة، واستعمل أفرادها أرقاماً خلوية أمنية - أي مغلقة للتواصل فيما بين أعضائها، بحيث أن الأرقام غير مسجلة على أسماء أي كان، مع الحرص على استخدام أجهزة نوكيا «فانوس» أو غير حديثة للحؤول دون المتابعة الأمنية لها...

منتصف العام 2012 بدأ الأسير اكمال أعداد مجموعاته المسلحة، بإيفاد عناصر إلى منطقة القصير في سوريا للتدريب والقتال مع المعارضة السورية، قبل أن يقوم بزيارته خلال شهر تشرين الثاني 2012، والتي وزعت صورها على أنه في القصير، لكن تبيّن من اعترافاته أنه لم يصلها، بل أنه وصل إلى منطقة جوسية، بعدما انتقل إليها بسيارة الشيخ محسن جديع الشعبان» (مواليد 1985، من البقاع، وكان يتولى المسؤولية الإعلامية لـ «مجموعة الأسير» في المنطقة)، وهو من عرّفه على عدد من قادة «الجيش السوري الحر» واجتمع إليهم، وجرى الاتفاق على بيعه سلاح وإرسال مجموعات للقتال في سوريا، وتولى الشعبان تنسيق ونقل أسلحة إلى عبرا.

لكن الأهم، هو أن الشعبان كان صلة الوصل مع خالد عدنان عامر «الكيماوي» (سوري الجنسية من مواليد 1994) خبير بالمتفجرات، حضر إلى عبرا وقام بتدريب «مجموعات الأسير» على المتفجرات، بعدما كان قد أعلن عن تشكيل «كتائب المقاومة الحرة».

و«خالد الكيماوي» كان محارباً ضمن «كتيبة الفاروق» في سوريا، وتواصل مع المسؤولين العسكريين لدى «مجموعة الأسير» فادي السوسي «نوح» ومحمد النقوزي «أبو حمزة»، وقام بتدريب العناصر التابعة للأسير في مستودع السلاح المقابل للمسجد على تجهيز العبوات، بعدما أقنعه قائد «فتح الإسلام» أبو أحمد حمية، بأهمية دوره، بعد سقوط القصير بأيدي الجيش السوري و«حزب الله»، وقرار نقل المعركة إلى الداخل اللبناني ومحاربة «حزب الله» رداً على مشاركته في الحرب على القصير، حيث أكد له «أبو أحمد» حمية «إذا بدنا نرد القصير وجوسيه، لازم نفوت ونشتغل بلبنان».

تشكيل خلايا نائمة

بعد أحداث عبرا، وبعدما بدأت الأمور تعود تدريجياً إلى «مسجد بلال بن رباح» في عبرا، تسلم الشيخ محمود مشعل الإمامة فيه، لكنه واصل معاودة تجميع من بقي طليقاً من مناصري الأسير، فطلب خلال شهر أيلول 2013 من مروان رضوان أبو ظهر، الاستماع إلى تسجيل صوتي وجّهه الفار أحمد الأسير يطلب فيه من مناصريه إعادة تنظيم صفوفهم.

وأطلعه عن وجود عمل لتشكيل مجموعات أمنية، فوافق أبو ظهر على الانضمام إلى هذه المجموعات، ولكن مرَّت فترة 4 أشهر ولم يحصل أي تحرّك، واختفى مشعل، بعدها توجه عمر البركة إلى أبو ظهر في مكان عمله وأبلغه تحيات مشعل، وأنه سيتابع العمل على المشروع الذي أطلعه عليه، وسيكون قائداً لمجموعته التي تضم أيضاً عمر العاصي، حيث التقى أبو ظهر وبركة وعاصي أمام «مستشفى قصب» - الهلالية بكل من: معتصم قدورة ومحمد النقوزي اللذين كانا على متن سيارة يقودها سليمان شاهين، وتوجه الجميع إلى شقة في مجدليون، حيث خضعوا لتدريب من قبل النقوزي على قذائف «لاو»، مع عرض للمشاكل التي قد يتعرّض لها المسدس أو البندقية خلال إطلاق النار، وتوالت التدريبات في ذات الشقة في مجدليون.

وخلال لقاء جمع الشيخ عثمان معروف حنيني في منزل فؤاد أبو غزالة بعدد من أفراد المجموعات، سحب حنيني من جيبه حافظة معلومات وضعها في إحدى الهواتف الذكية وأسمعهم كلمة للأسير أعرب فيها عن مدى اشتياقه للشباب في صيدا، وتمنى عليهم «أن لا ينسوا ما حصل في «مسجد بلال بن رباح» وكيف قتل محمد العر»، وبصوت مجهش بالبكاء طلب منهم «أن لا يلينوا، وبالإعداد ليوم الملحمة، وعدم التخاذل، وأن يفكروا في يوم الله».

وأبلغهم الشيخ حنيني «أن «داعش» على حق وما يفعلونه هو الصواب، والدليل أن الجميع يقاتلونهم، وأنه ورد في القرآن الكريم «لقد جئناكم بالذبح»، وأن الرافضة في لبنان لا يفهمون سوى بهذه اللغة»...

عندها استل فؤاد أبو غزالة خنجراً من خزانة في غرفته، وتوجه للحاضرين قائلاً: «بإذن الله سأقطع بها رؤوساً إذا تمكنت».

كما أسمع شاهين سليمان حسن عصام الدغيلي تسجيلاً صوتياً للأسير يدعو فيه مناصريه إلى «قطع رأس الأفعى – والمقصود «سرايا المقاومة» و«حزب الله»، وقطع رأس الأفعى عن جسمها - أي قطع صيدا عن الجنوب»، وذلك من خلال إعادة تأسيس مجموعات عسكرية تابعة له.

ومن أجل إنجاز المهام، أخذ شاهين سليمان وفؤاد أبو غزالة الاتصال بعدد من فلول الأسير، وبوشر بتشكيل الخلايا الضيقة، وتكليف أحد الأشخاص مسؤوليتها لتنفيذ المهام المطلوبة، حيث أبلغ أبو غزالة أفراد الخلايا أن الهدف من تنفيذ الأعمال المحددة «مواجهة الروافض الذين يتواجدون في عقر دارنا ويتحركون كما يحلو لهم في صيدا بوابة الجنوب»، عازياً السبب في انتهاء حالة الأسير إلى «تخاذل السنّة، ويمكن ردع «حزب الله» وقطع الطريق عليهم، عن طريق رمي رصاصة كل يوم على سياراتهم المتجهة إلى الجنوب»، لكن أبلغه عمر الرفاعي أنه «ليس الحل المثالي، وأن الحل يكون عبر انتقاء أهداف أكثر دقة، مثل استهداف الشيخ ماهر حمود، وإنه يجب تقديم أنفسهم كشهداء في الجنة وليس في النار»، فأبلغه فؤاد أبو غزالة «أن الشيخ ماهر حمود من الأهداف»، وأبرز له ورقة فارغة مدوّن فيها نوع الهدف، والمستهدف، وكيفية الاستهداف، كي يبيّن له أنهم جاهزون ومحترفون في عملهم.

وخلال الحديث بين فؤاد أبو غزالة وعمر الرفاعي جرى التطرق إلى تنفيذ عمليات بواسطة «استشهاديين» أو «إنغماسيين» دون ذكر أي اسم، وبعد نقاشات وافق عمر الرفاعي على الانخراط ضمن مجموعته بهدف تنفيذ مخططاته، شرط عدم تكليفه تنفيذ عملية انتحارية أو أي عملية عشوائية.

لائحة الأهداف المستهدفة

بوشر بالتحضير لتشكيل خلايا نائمة تقوم بتنفيذ المهام التي يكون قد تم وضعها بعد القيام بالاستطلاعات والتدريبات، وذلك وفق تكليف يتم وضع اسم الشخصية المستهدفة، وساعة التنفيذ والطريقة، والأشخاص المكلفين بذلك.

ووضعت لائحة بالأهداف المحددة والمرصودة للاستهداف، أبرزها:

- إمام «مسجد القدس» في صيدا الشيخ ماهر حمود.

- مركز مخابرات الجيش اللبناني داخل ميناء صيدا.

- مسؤول «حزب الله» في منطقة صيدا الشيخ زيد ضاهر.

- المسؤول في «سرايا المقاومة» محمد الديراني.

- «مجمع فاطمة الزهراء».

- بنك صادرات إيران.

- صاحب محلات الربيع من آل بزي (وهو كادر في «حزب الله»).

- محل ضاهر للصيد (العائد لوالد الشيخ زيد ضاهر).

- مقهى «هوب بوب» في بلدة عبرا يخص رامي قطيش (مسؤول في حزب الله)، على أن يستهدف بداخله أيضاً محمد الصوص و«أبو عفيف» (من سرايا المقاومة).

- الشيخ صهيب حبلي.

- اغتيال رشاد مياسي لانتمائه إلى «حزب الله» وشقيقته لينا مياسي من «التنظيم الشعبي الناصري»، كونها كتبت على حسابها على الـ «فايسبوك» أثناء أحداث عبرا إهانات بحق أحمد الأسير.

- أشخاص من «التنظيم الشعبي الناصري».

- عدد من مسؤولي وكوادر «سرايا المقاومة» وفي مقدمهم: هلال حمود، محمد المصري، علي قصير، «أبو علي» وهو سائق تاكسي ونصرت المزين.

- العنصران في «سرايا المقاومة» سامر العربي وفادي الحلبي.

- إطلاق النار على سيارات على أوتوستراد الجنوب لاغتيال من بداخلها.

وجرى تقسيم منطقة صيدا إلى مربعات أمنية، وفق الآتي: داخل البلد القديمة، الفوار، الفيلات، القياعة وشرحبيل، وأوكلت مسؤولية كل من هذه المجموعات إلى أحد الأشخاص، حيث كان يجري التنسيق فيما بينها عبر شاهين سليمان وفؤاد أبو غزالة، وجرى تزويد أفرادها بأسلحة كلاشينكوف وقنابل يدوية ومتفجرات، درّبهم على استخدامها لاحقاً محمد هلال النقوزي (مواليد 1976).

وطلب شاهين من أفراد المجموعات خلال الاجتماع بهم أن لا يظهر على أي أحد منهم أي مظهر لجهة إطالة اللحية أو لجهة اللباس وحتى لجهة تسريح الشعر، وإذا ما تم توقيف أي منهم عدم الاعتراف على عناصر المجموعة وإنما فقط على «أبو حديد» - أي شاهين سليمان.

أبرز الخلايا

ومن أبرز هذه الخلايا:

- خلية يتولى مسؤوليتها مباشرة شاهين منير سليمان (مواليد 1982)، وتضم: عبد الله محمود العجمي (مواليد 1976)، محمد عيد سميح اليمن (مواليد 1985)، وشخص عرف باسم «رافع» من آل الرفاعي كان بحوزته هاتف خلوي يحمل الرقم (76/784124) وشخص يدعى «راجي» أبو علي ويحمل الرقم الخلوي (71/313447).

- خلية أخرى يتولى مسؤوليتها شاهين سليمان، وتضم: صلاح شرف ومحمد القيم.

- خلية يتولى مسؤوليتها فؤاد خليل أبو غزالة (مواليد 1980)، وتضم: عبد الرحمن سهيل الحلاق (مواليد 1990)، معروف فضل حنقير (مواليد 1990)، محمد عاصم عمر حجازي (مواليد 1990) وشقيقه عبد الرحمن عمر حجازي (مواليد 1997).

- خلية أخرى برئاسة فؤاد أبو غزالة، وتضم: ابن شقيقته عمر محمد محمود الرفاعي (مواليد 1995)، محمد معين فواز (مواليد 1995) وابن عمه مصطفى محمد فواز (مواليد 1987) وهاني نجم.

- خلية تضم: محمود محمد دهشان (مواليد 1989) وأحمد عدنان شرف، وكانت على تواصل مع عمر محمد الرفاعي وعثمان حنيني.

- خلية يتولى مسؤوليتها حسن عصام الدغيلي (مواليد 1980)، وتضم: محمد علي مصطفى عجيل (مواليد 1988) وعبد الرحمن عمر حجازي.

- خلية برئاسة معروف عثمان حنيني (مواليد 1987)، وتضم: ياسر صالح الأسعد (مواليد 1985)، وسيم محمد البزري (مواليد 1991) وإبراهيم الديماسي.

- خلية يتولى مسؤوليتها علاء سعيد المغربي (مواليد 1987)، وتضم: عمر السبع أعين وطارق سرحال.

- خلية تضم: مصطفى سمير جلول (مواليد 1980) ومعه شخص يدعى «أبو طوني» من آل البابا وفؤاد يعرف باسم «مارون».

فيما تولى معتصم سعد الدين قدورة تأمين نقل عدد من أفراد الخلايا والتنسيق فيما بينهم، وتأمين مساعدات مالية للفارين من خلال زوجته أمل، التي كانت تسلم هذه المبالغ إلى عائلات قتلى «مجموعة الأسير» أو الفارين خلال ترددهم على «مسجد بلال بن رباح».

الأسير ولقاء أفراد الخلايا

وطلب سليمان من علاء سعيد المغربي استخدام غرفة تقع تحت منزل ذويه من أجل عقد اجتماعات فيها، فوافق على الأمر وسلّمه مفتاح الغرفة.

وكان يحضر إلى هذه الغرفة: شاهين سليمان، عبد الله العجمي، محمد النقوزي وفادي البيروتي.

ولاحقاً وصل إلى الغرفة أحمد الأسير الذي مكث فيها لمدة يومين بعد نقله من بحنين في الشمال إلى منطقة صيدا بتاريخ 27 تشرين الأول 2014، حيث التقى أفراد هذه الخلايا كل على حدى، وفق ما رتبه شاهين سليمان وعبد الله العجمي، شارحاً هدفه من تكوين مجموعات مسلحة، وهو خلق رعب ضد «سرايا المقاومة» واستهداف عناصرها ومراكز الجيش اللبناني.

وقام علاء المغربي بنقل الأسير وعدد من أفراد مجموعته إلى داخل مخيم عين الحلوة.

وكان فؤاد أبو غزالة قد طلب من محمود دهشان استئجار غرفة في منطقة صيدا القديمة من أجل تخبئة السلاح فيها، فإستأجر دهشان غرفة لدى أنور عبده آغا في صيدا القديمة - منطقة باب السراي - بناية الصباغ - الطابق الأرضي بعد أن أوهم مالكها أن الإيجار هو لمصلحة شخص يدعى «أبو أحمد»، وهو سيقوم بإصلاح الغرفة على نفقته بدل إيجار شهري قدره 100$ أميركي، ثم عمل دهشان مع «أبو أحمد» على وضع أسلحة وذخائر وأعتدة في هذه الغرفة، التي جرت مداهمتها لاحقاُ وعثر بداخلها على قاذف «أر. بي. جي» و17 قذيفة عائدة له و16 حشوه دافعة للقذائف، بندقية كلاشنكوف، 700 طلقة من عيار 7.62 ملم، 29 ممشط كلاشنكوف سعة كل منها 30 طلقة، 870 طلقة عيار 7.62، 5 جعب، فضلاً عن مقتنيات أخرى.

وبعد مداهمة شقة الآغا طلب سليمان شاهين من حسن الدغيلي تأمين من مكان آخر من أجل تخزين السلاح، فطلب الدغيلي من محمد مصطفى عجيل تبديل منزله بآخر يكون أكبر مساحة من أجل تخزين السلاح في غرفة لديه، فوافق على الأمر وانتقل إلى منزل آخر، خصص منه غرفة لإيداع السلاح دون علم زوجته، حيث كان يلتقي الدغيلي يومي الخميس والجمعة خلال تواجد زوجته لدى أهلها أسبوعياً.

وكان الدغيلي يدفع إلى عجيل بدل فرق الإيجار بين منزلين بقيمة 100$ أميركي شهرياً.

وأنجز الدغيلي كافة الترتيبات لتنفيذ اغتيال سامر العربي وفادي الحلبي، والتي كانت ستتم في بتاريخ 25 تشرين الأول 2014، وسيشاركه فيها محمد عاصم، عمر حجازي وعبد الرحمن الحلاق، وقام برسم خارطة لذلك على ورقة صغيرة على أن يتم تنفيذ اغتيال الحلبي، ثم بعد ذلك العربي.

وبعد توقيف الأجهزة الأمنية عبد الرحمن الحلاق اتصل حسن الدغيلي بكلا من: محمد عاصم حجازي وشقيقه عبد الرحمن حجازي، مبلغاً إياهما أن العملية قد أجّلت، وضرورة أن يتواريا عن الأنظار، فيما توارى هو في منزل، حيث تم توقيفهما لدى مداهمة، وتم ضبط أسلحة وأسلاك كهربائية وعبوات معدة للتفجير، وتبين أن من بين الأسلحة التي ضبطت في بندقية M16 وقاذف «أر. بي. جي» يعودان إلى الجيش اللبناني.

وضبط مع الدغيلي بطاقة مزوّرة خاصة باللاجئين الفلسطينيين باسم خالد الخطيب وتحمل رسمه الشمسي، و4 لوائح بأسلحة وذخائر، أحداها تتضمن لائحة بالمصطلحات السرية المستخدمة للتعبير عن مكان أو حدث أو عن جهاز أمني أو عن سلاح.

كما ضبط بين الأسلحة على لوائح صغيرة بأسماء عناصر المجموعات ولقب كل عنصر وكلمة السر لكل مجموعة من أجل التواصل فيما بين عناصرها، بالإضافة إلى حافظة معلومات، تبين لدى إفراغها أنها تتضمن لوائح بأسماء العناصر، ولقب كل منهم، ورقم الهاتف الأمني المزوّد به، ونوع السلاح المسلّم له، والهدف المحدد لكل مجموعة، كما تم العثور على حافظة معلومات، تبيّن لدى إفراغ محتواها أنها تتضمن لائحة بالأهداف المحددة، وأيضاً تتضمن أسماء أفراد الخلايا والأرقام الأمنية التي نسبت إلى كل منه.

كذلك استخدم محل مصطفى محمد فواز مكان لتخبئة الأسلحة بعلمه، حيث قام ابن عمه محمد فواز بتخبئة 3 بنادق كلاشينكوف تسلمها من فؤاد أبو غزالة.

ووضعت أسلحة وذخائر في مبنى أرضي في بستان خلف «فرن النداف» في منطقة القياعة - صيدا، داهمته الأجهزة الأمنية، وعثرت بداخله على أسلحة وذخائر ومتفجرات.

وكان شاهين سليمان وآخرون من أفراد الخلايا يلتقون في عدد من مساجد مدينة صيدا أو على كورنيش صيدا البحري، أو في بعض منازلهم.

إرتباط بين خلايا صيدا وطرابلس

وارتبطت الخلايا الارهابية في صيدا بشكل مباشر بالشبكات الإرهابية في طرابلس، وحدد موعد تنفيذ مخططتها من اغتيالات وأعمال تفجير تزامناً مع المعارك التي اندلعت بين الجيش اللبناني والخلايا الإرهابية في طرابلس وبحنين بين 24-26 تشرين الأول 2014، بهدف تخفيف الضغط عن المجموعات الإرهابية في الشمال، إلا أنها لم تتمكن من تنفيذ مهمتها، بعدما كان الجيش اللبناني قد شدد من إجراءاته الأمنية في صيدا خلال هذه المعارك.

وخلال أحداث أسواق طرابلس في شهر حزيران 2014، توجه شاهين سليمان برفقة كل من: أيمن مستو، محمد النقوزي وفادي البيروتي إلى طرابلس وشاركوا في المعارك هناك، وبعد انتهائها عادوا إلى صيدا، حيث طلب معتصم قدورة من علاء المغربي مساعدة مستو ثم النقوزي والبيروتي على الدخول إلى مخيم عين الحلوة، وكذلك أمجد الأسير، فقام بذلك.

وبعد أحداث أسواق طرابلس تلقى عبد الرحمن الحلاق اتصالاً من فايز فواز عثمان الموقوف داخل السجن، وأبلغه أن شيخه - أي ميقاتي - ترك طرابلس وتوجه إلى الضنية وعرض عليه زيارته، وبالفعل توجه الحلاق في شهر رمضان 2014 إلى بقاعصفرين والتقى «أبو الهدى» ميقاتي، وهو أحمد سليم ميقاتي (الذي كان قد تعرّف إليه سابقاً بواسطة فايز عثمان بعدما لجأ إليه في طرابلس مع شقيقه عبد الله بعد أحداث عبرا) وابنه عمر «أبو هريرة»، ثم زار الحلاق بعد عيد الفطر بلدة عاصون والتقى «أبو الهدى» ميقاتي حيث أطلعه على أنه بصدد التخطيط لإنشاء مربع أمني في الضنية مؤلف من 4 قرى في منطقة الضنية، ستكون ملاذاً آمناً للمطلوبين، وسينفذ هجوماً على مواقع ومراكز الجيش اللبناني، وينطلق لأخذ المنطقة بعمليات ضد «حزب الله»، عارضاً إليه الانضمام إليه وتأمين شباب له، فأبلغه الحلاق أنه يعرف الشابين معروف فضل حنقير وعبد الرحمن عمر حجازي، وأنهم ضمن مجموعة تتحضر لضرب أهداف تابعة لـ «حزب الله، فرحّب «أبو الهدى» بالفكرة طالباً إحضار الشابين، ولدى عودته إلى صيدا عرض الأمر عليهما، فوافقا وتوجه الثلاثة خلال شهر أيلول 2014 إلى بلدة عاصون، حيث التقوا «أبو الهدى» وعرض عليهم مخططه والتنسيق معه في صيدا.

وبعدما سلم شاهين كل من: عبد الرحمن الحلاق ومعروف حنقير بندقية كلاشينكوف و3 رمانات يدوية وجعبة بداخلها 6 مخازن، جرى إيصالهم بشخص يدعى «نديم»، تبيّن بعد ملاقاتهم أنه يدعى فؤاد خليل أبو غزالة هو المسؤول عن مجموعتهم، وحدد لهم أهداف هذه المجموعة، وهي ضرب:

- مركز مخابرات الجيش اللبناني في ميناء صيدا.

- قتل صاحب محل أحذية الربيع والواقع داخل سوق صيدا المدينة وهو أحد عناصر «حزب الله» من آل بزي بإطلاق النار عليه من مسدس ورمي رمانتان.

- تفجير محل لأسلحة الصيد بالقرب من قلعة صيدا البرية (يعود إلى والد الشيخ زيد ضاهر) بعبوة معدة للتفجير بواسطة دوائر توقيت.

- ضرب بنك صادرات إيران بالقرب من ساحة الشهداء في صيدا، بعبوة معدّة للتفجير بواسطة دوائر توقيت.

وجرى من أجل تنفيذ المهمة تدريبهم أيضاً على كيفية استخدام «لاو» لاستهداف مركز مخابرات الجيش على يدي شخص من آل السوسي ملقب بـ «أبو حمزة».

وبتاريخ 25 تشرين الأول 2014، وعند الساعة الثامنة مساءً اتصل أبو غزالة بالحلاق وطلب منه التوجه برفقة حنقير إلى منزله، فنفذا ذلك، على أن يتم تنفيذ ذلك بعد تلقيهما اتصالاً منه يأمرهم بالتحرّك، ولكن عند الساعة 23:30 - أي الحادية عشر والنصف ليلاً - اتصل أبو غزالة بالحلاق وحنقير وأعلمهما أن العمل قد ألغي.

وفي اليوم التالي بتاريخ 26 منه، تلقى الحلاق اتصالاً من فايز فواز عثمان الموقوف في سجن رومية، وسأله عن سبب عدم إتمامهم العمل الأمني المخطط له، ودعاه إلى تنفيذ العمل بنفسه، وأن يخالف الأوامر، من أجل تخفيف الضغط عن المسلحين في طرابلس.

وبعد توقيف أحمد ميقاتي واعترافاته الخطيرة، جرى إحضار فايز عثمان من سجن رومية والتحقيق معه لدى الأجهزة الأمنية فاعترف بالمخطط الأمني الإرهابي في صيدا.

بعد حصول معركة بحنين في الشمال بين 25 و27 تشرين الأول 2014 وتوقيف الشيخ خالد حبلص (خالد مصطفى محمد)، اعترف أن أحمد الأسير كان متواجداً في بحنين، وغادرها بعد المعركة، وكان يحضر إليه خلال وجوده هناك معتصم قدورة وزوجته أمل (الموظفين في وزارة المالية).

وبعد فرار معتصم قدورة، قبل مداهمة منزله في شرحبيل، تبيّن أن علاء المغربي ساعده بالدخول إلى مخيم عين الحلوة.

في الحلقة المقبلة:

فرار الأسير وظروف

وتداعيات التوقيف


تعليقات: