المرحلة الأصعب من تاريخ لبنان

الزعامات والأزمات تتوارثها الأجيال
الزعامات والأزمات تتوارثها الأجيال


دخل لبنان في ادق مرحلة في تاريخه مع اقتراب موعد الاستحقاق الرئاسي حيث تزايد الشقاق السياسي بين المعسكرين المتواجهين الى حد اشار الى استحالة الاتفاق على رئيس خصوصا وان المعارضة كانت تطرح معادلة تشكيل وحدة وطنية تسبق الانتخابات الرئاسية او انتخابات مبكرة تلغي نتائج انتخابات عام 2005 التي جاءت باكثرية نيابية لصالح قوى 14 اذار اعتبرها حزب الله والمعارضة غير معبرة عن الواقع لان الانتخابات جرت وفق تحالف رباعي بين تيار المستقبل وحركة امل وحزب الله والحزب التقدمي الاشتراكي وقد تعرض حزب الله وحركة امل الى عملية خداع كما يقول حسن نصرالله .

بعد اسابيع قليلة تنتهي ولاية الرئيس اميل لحود التي مددت ثلاث سنوات في عام 2004 وكان التمديد للحود هو الثالث من نوعه الذي يشهده لبنان فقد عرف لبنان التمديد لرئيس الجمهورية لأول رئيس بعد الاستقلال الرئيس بشارة الخوري لكن الخوري لم يكمل ولايته الممدة حيث اضطر لتقديم استقالته تحت وطأة ضغط شعبي وسياسي.

وينقل عن الخوري قوله لاعضاء المجلس النيابي الذين زاروه لثنيه عن تقديم استقالته انتم في واد والشعب في واد فها هو يعلن الاضراب العام مطالبا باستقالتي ولذلك سأرضخ لطلبه فحزم حقائبه وغادر قصر الرئاسة. اما حادثة التمديد الثانية فكانت لرئيس الجمهورية الياس الهراوي في عام 1995 لمدة ثلاث سنوات اتمها بالكمال الرئيس الهراوي دون اية ازمات سياسية تذكر على الرغم من اعتراض عدد من النواب على التمديد. ولان القبضة السورية على الوضع اللبناني كانت شديدة فقد بقي الاعتراض في اطار تسجيل المواقف ليس الا. لكن التمديد الثالث في حياة الجمهورية اللبنانية دفع بلبنان الى اتون ازمة سياسية فالسوريون برروا التمديد للحود لحماية الخيارات الاستراتيجية للبنان ولكي لا يأتي رئيس جمهورية يتلاعب بموضوع سلاح المقاومة وموقع لبنان من الصراع العربي الاسرائيلي والعلاقة مع سوريا، وهو ما يعني ان ابعاد لبنان عن المتغيرات الحاصلة في المنطقة ، فبادرت الولايات المتحدة مدعومة دوليا بهجوم سياسي على ما يحصل ناقلة القضية اللبنانية الى قضية اممية استلزمت اصدار قرار دولي حمل الرقم 1559 طالب باحترام الدستور اللبناني من خلال انتخاب رئيس للبنان دون اي تدخل اجنبي في اشارة الى معارضة دولية للتمديد للرئيس اميل لحود في عام 2004 بقرار سوري بعد انتهاء ولايته.

وانفجر الخلاف السياسي في لبنان بشكل واسع حيث بات اللبنانييون معسكرين متواجهين معسكر 8 اذار ومعسكر الرابع عشر من اذار ، لاسيما بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري في عام 2005 وما تلا هذ الاغتيال من اغتيالات طالت لبنانيين معارضين لسوريا. وقد أدت هذه التطورات الى عرقلة بنود تنفيذ القرار الاممي 1559 باستثناء بند واحد نص على انسحاب القوات السورية من لبنان التي غادرته في ابريل عام .2005

ومن المؤكد ان عام 2005 سيبقى حاضرا بقوة في ذاكرة اللبنانيين نظرا لما حفل من تطورات وضعت لبنان ومازالت تضعه على حافة الهاوية وسط عاصفة سياسية هوجاء لاقتها اسرائيل مدمرة عليها في يوليو عام 2006 لتزيد من عمق الازمة وتفاقم مشاكله الاقتصادية وقد بلغت خسائره المادية في الحرب المذكورة اكثر من 5 مليارات دولار. وتحول لبنان بعد حرب يوليو 2006 الى بلد مصاب بشلل اقتصادي واداري بعدما باتت معظم المؤسسات الادارية والسياسية معطلة وتعمق الانقسام الداخلي على خلفية المطالبة بنزع سلاح حزب الله.

وفي ظل هذا الواقع المتازم ، اعتصمت المعارضة في وسط بيروت في الاول من ديسمبر ولا تزال مطالبة باسقاط حكومة السنيورة بعد خروج الوزراء الشيعة ووزير مؤيد للرئيس لحود. ووصفت المعارضة حكومة السنيورة بالفاقدة للشرعية الدستورية لكن لا اعتصام المعارضة الذي لا يزال وهو الاطول في تاريخ لبنان اسقط حكومة السنيورة ولا الحكومة تراجعت عن ممارسة عملها التنفيذي. ولم يتوقف الامر عند الخلاف على الحكومة وانما امتد ليطال الولاء الوطني حيث تعتبر المعارضة حكومة السنيورة حكومة السفير الامريكي في بيروت جيري فيلتمان وانها تحاول الاقتصاص من المعارضة من خلال محكمة الحريري التي ستتجاوز طابعها الجنائي الى السياسة. في حين يتخوف فريق الاكثرية من سلاح حزب الله خصوصا بعدما اعلن الامين العام للحزب حسن نصرالله انه اعاد بناء قواته العسكرية وزاد بشكل كبير من قدرته الصاروخية. هذا الواقع اللبناني المحتدم كاد يفجر حربا داخلية بعد اضرابات وتظاهرات للمعارضة سقط فيها قتلى وجرحى. لكن التحدي الاكبر والاخطر لاستقرار لبنان كان في العشرين من مايو الماضي حين انقض مسلحو فتح الاسلام على عناصر من الجيش اللبناني وقتلوهم ذبحا فاشتعلت الحرب بين الجيش والتنظيم المذكور في مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين في شمالي لبنان. وبطبيعة الحال كانت المعركة قاسية وشرسة خسر فيها الجيش اكثر من 188 قتيلا بين جندي وضابط واكثر من 300 من فتح الاسلام واعتقال العشرات منهم في حين استطاع زعيمهم شاكر العبسي الفرار الى جهة مجهولة. وقد اطاح انتصار الجيش على فتح الاسلام بمخطط جهنمي كان يعد افراد التنظيم العدة لاقامة امارة اسلامية في الشمال. وما ان اجهز الجيش على فتح الاسلام حتى شهدت لبنان عملية اغتيال للنائب انطوان غانم هو النائب الرابع الذي يتم اغتياله في غضون سنتين بعد اغتيال النائب جبران تويني والنائب بيار الجميل والنائب وليد عيدو والهدف من اغتيالهم خفض عدد الأكثرية الحاكمة إلى 68 من أصل 128 نائباً، ولم يثر شبح حصول مزيد من التدهور فحسب بل ومحاولة منظّمة لتغيير التوازن السياسي القائم منذ الانتخابات النيابية في مايو 2005 وفق التحليلات. إلى جانب هذه الهجمات على السياسيين والمدنيين، استهدف اعتداءان أيضاً (اليونيفيل) - في 24 يونيو مما أدّى إلى مقتل ستّة جنود من قوة حفظ السلام، وفي 16 يوليو مما ألحق ضرراً بآلية تابعة لـ«اليونيفيل». ومن المؤكد ان الهجمات على اليونيفيل تهدف الى تدمير القرار 1701 واحلال الفوضى في جنوب لبنان بعد حمل القوات الدولية على الانسحاب لكن كان هناك اصرار دولي على تفويت هذه الفرصة على الذين يقفون وراء الاعتداءات التي جرت في ظل معارك نهر البارد. في موازاة ذلك دخل لبنان في ادق مرحلة في تاريخه مع اقتراب موعد الاستحقاق الرئاسي حيث تزايد الشقاق السياسي بين المعسكرين المتواجهين الى حد اشار الى استحالة الاتفاق على رئيس خصوصا وان المعارضة كانت تطرح معادلة تشكيل وحدة وطنية تسبق الانتخابات الرئاسية او انتخابات مبكرة تلغي نتائج انتخابات عام 2005 التي جاءت باكثرية نيابية لصالح قوى 14 اذار اعتبرها حزب الله والمعارضة غير معبرة عن الواقع لان الانتخابات جرت وفق تحالف رباعي بين تيار المستقبل وحركة امل وحزب الله والحزب التقدمي الاشتراكي وقد تعرض حزب الله وحركة امل الى عملية خداع كما يقول حسن نصرالله امين عام حزب الله ادت الى الاطاحة بالتحاف وبمطالبة المعارضة ولا سيما حزب الله بانتخابات مبكرة. ومع انسداد الافق السياسي اطلق الرئيس نبيه بري مبادرته الشهيرة في محاولة للملمة الوضع اللبناني وتمرير الاستحقاق الرئاسي تنازلت فيها المعارضة عن شرط تشكيل حكومة وحدة وطنية قبل الانتخابات الرئاسية مقابل التوافق بين المعارضة والموالاة على رئيس توافقي.وقد احدثت مبادرة بري كوة في جدار الازمة حركت الاتصالات واللقاءات واشاعت جوا من التفاؤل بامكانية ان يكون رئيس للبنان في الرابع والعشرين من نوفمبر الجاري. وتوالت اللقاءات المحلية والاتصالات والزيارات الدولية والعربية لانتخاب رئيس في الموعد الدستوري وابعاد الفراغ والفوضى عن لبنان الذي يعرف قادته كيف ينزلق الى الهاوية لكنهم لا يعرفون كيف يبعدونه عن الانهيار طالما ان وفاقهم صعب وخلافهم امر سهل جدا فهو لم يعد يدور الان حول رئيس للجمهورية وانما وضعه البعض بانه خلاف وانقسام على الخيارات الاستراتيجية التي ليس بمقدور لبنان بعد الان ادارة الظهر لها. ومن هنا بدأت المعركة السياسية في لبنان قبل ثلاث سنوات ومن هنا يراد لها ان تنتهي لأن لبنان. وهذا هو السؤال الصعب هل يجتاز لبنان محنته بسلام؟ في هذه المرحلة الاصعب في تاريخه؟

* كاتب من أبناء الخيام

ومسؤول الشؤون الإعلامية بالهيئة الإدارية لمنتدى المرج

تعليقات: