La Paella لا بايلا زينة المائدة الإسبانية


النكهة غربية والأصل عربي

مدريد:

إذا كان طبق «الكبّة» للبنان، و«المقلوبة» لفلسطين، و«الكوسكوس» للمغرب، فإنLa Paella هي لإسبانيا، وبالأخص لإقليم فالنسيا الذي اشتهر بها وأتقنها دون سواه. وكما للأطباق الثلاثة الأولى أنواعا متعددة اختلفت فيما بينها مع اختلاف المناطق والفصول، فإن La Paella تتميّز أيضا بأنواع عديدة اختلف شكلها ولونها ومذاقها وطريقة تحضيرها، جعلت من هذا الطبق اللذيذ المتواضع من أشهر الأطباق الإسبانية والعالمية، يستقطب أعدادا من السيّاح طالبين التمتع بآخر ما توصل إليه فن الطبخ الإسباني من إبداع جديد، ويتسابق أمهر المهنيين على وضع لمساتهم الشخصية عليه.

يقول البعض إن طبق La Paella يعود إلى الحقبة الإسلامية، التي استمرت في إسبانيا قرابة 8 قرون وحكمت معظم شبه الجزيرة الأيبيرية، استمد اسمه من اللغة العربية وبالتحديد من كلمة «بقيّة» أو «بقايا»، كما ويُقال أنه جرت العادة باستعمال الأرز (يقال إن العرب هم الذين أدخلوا الأرز إلى إسبانيا في القرن الثامن وبالذات إلى منطقة «شرق الأندلس» أي فالنسيا) الذي يكثر في إقليم فالنسيا الإسباني، بدل الكوسكوس الذي لم يكن متوفرا في المنطقة آنذاك، ثم إضافة ما تبقّى من فضلات أو «بقيّة» الطعام، ولكن آخرين يعتقدون أن هذا خطأ يعود إلى عدم معرفة اللغة المحلية التي يتكلّمها أهل فالنسيا. فعبارة La Paella باللغة المحلية تعني مقلاة باللغة العربية، نسبة إلى الوعاء المقلاة (شبيهة جدا بالمقلاة التقليدية، لها مسكتان على الجانبين وليس مسكة واحدة، صنعت خصيصا لطهي هذا الطبق) الذي يستخدم لتحضير هذا الطبق، وتأتي هذه العبارة من الكلمة اللاتينية patella التي تعني نفس الشيء، كما ونلاحظ أيضا أن عبارتي poêlle الفرنسية و padilla الإسبانية تعنيان نفس الشيء أيضا، ويعود أصلهما إلى اللغة اللاتينية.

منذ القرن الثامن عشر اعتلت La Paella مركزا جد مرموق ليس بين سكان إقليم فالنسيا فحسب، بل وبين سكان معظم المناطق الإسبانية، فأصبحوا، إذا أرادوا تكريم أمير أو نبيل أو سفير أو حتى ملك أو رئيس دولة، يدعونه إلى وليمة يتصدرها الطبق الشهير تقديرا لقيمته ورمزا للمكان الذي يزوره، وهكذا أصبح جزءا لا يتجزأ من الثقافة الفالنسية المحلية بشكل خاص والإسبانية بشكل عام.

La Paella على أنواع، ارتبط نوعها قديما بالمنطقة أو الفصل، فإذا كانت في منطقة جبلية تميّزت بلحم الدواجن أو الأرانب أو ما توفر من الحيوانات الداجنة أو من غلة الصيد، أما إذا كانت المنطقة ساحلية فتميّزت بالأسماك على أنواعها. ثم اختلفت الأنواع مع اختلاف المناطق والفصول وهكذا نجد أنواعا لا تحصى من La Paella إلى حد جعل سكان فالنسيا يؤكدون أن ليس لهذا الطبق وصفة محدّدة وإنما بالإمكان أن تطلق العنان لمخيلتك وبراعتك شرط ألا يغيب الأرز والزعفران والمقلاة، أي La Paella، التي لا بد من استخدامها في إعداد هذا الطبق اللذيذ.

وعلى الرغم من اختلاف الأنواع والألوان والمذاقات، يبقى الصنف الذي يرتكز على لحم الدجاج والخضار من أشهر وألذ ما يكون، ناهيك عن سهولة تحضيره على اختلاف أطباق أخرى. ويعتبر الأرز والزعفران والمقلاة عناصر أساسية لتحضير La Paella. ويقول العارفون أنه يجب طهيها بمياه معيّنة وفوق نار الحطب، ويقول العارفون أكثر أن المياه يجب أن تكون من مياه فالنسيا، والحطب من خشب برتقال فالنسيا الشهير أيضا، وهكذا فقط يستمد الأرز نكهة ومذاقا فريدين لا مثيل لهما.

جرت العادة على تحضير La Paella يوم الخميس، ولذلك نراها في رأس لائحة الأطباق اليومية التي تقدمها معظم المطاعم الشعبية الإسبانية يوم الخميس. وهناك نظريتان تشرحان هذه الظاهرة. تقول الأولى إن في القدم كان صيادو السمك يأخذون إجازتهم الأسبوعية يوم الأحد، ولذلك لم يكن بالوسع شراء سمك طازج من السوق حتى مطلع الأسبوع، ولم يكن بالإمكان إيصال هذا السمك إلى المناطق الداخلية حتى منتصف الأسبوع، أي يومي الأربعاء أو الخميس، وبالتالي لم يكن بإمكان ربة البيت تحضيره إلا يوم الخميس. وتقول النظرية الثانية أن في منتصف القرن الماضي كانت الطباخة أو الخادمة تأخذ إجازتها يوم الخميس، وبالتالي كان على ربة البيت تحضير الطعام في هذا اليوم، ولتسهيل هذه «المهمة المستحيلة» عليها، كانت الطباخة تقوم بتحضير كل اللوازم والضروريات قبل مغادرتها ليلة الأربعاء، وهكذا تترك لسيدتها مهمتي تحضير النار وإضافة الأرز فقط.

ولم تقتصر La Paella على سكان فالنسيا فقط، بل انتشرت في كافة أرجاء البلاد وأصبحت عنصرا أساسيا في برنامج احتفالات الأعياد والمهرجانات التقليدية التي تكثر في جميع الأقاليم والمناطق الإسبانية. وظهرت بعض الشركات الخاصة التي تقوم بإعداد وتحضير هذا الطبق في أي مناسبة وأي مكان ولأي عدد من الأشخاص وفي وعاء واحد شرط أن يتعدى هذا العدد «بضع مئات» أو «بضعة آلاف». تحمل مدريد الرقم القياسي لأكبر Paella في العالم اشترك في تحضيرها وإعدادها أكثر من 80 شخصا، تم تسجيلها في كتاب غينيس للأرقام القياسية. كان ذلك في عام 2001 في مواراتالاث، أحد أحياء العاصمة الإسبانية. استخدم لذلك مقلاة صنعت في نفس المكان من الفولاذ البحري بقطر 22 مترا ووزن تعدى 23 طنا، ورافعة عملاقة لوضع العناصر والمكونات فيها. من ضروريات هذه المغامرة 6 أطنان من الأرز، 12 طنا من لحم الدجاج والأرنب، 5 أطنان من الخضار الطازجة، 1100 ليتر من زيت الزيتون البكر الممتاز، 275 كلغ من الملح، 26 كلغ من المواد الملوّنة، 16 كلغ من الفليفلة الحمراء الجافة المطحونة،1 كلغ من الزعفران و13000 ليتر من الماء، و30 طنا من الحطب والفحم. بدأ العمل فيها الساعة التاسعة صباحا وانتهى في الساعة الواحدة بعد الظهر. بنيت فوقها جسور صغيرة وعلى ارتفاع حوالي 25 مترا كي يتمكن الطباخون من تحريك وتقليب الأرز ثم تقديمه إلى 100 ألف حضروا للتذوّق.

الآن وبعد قراءة هذه السطور، وإذا كنت متحمسا ككاتبها، الذي لا يزال يصرّ على تكرار التجربة على الرغم من اختلاف النتائج وآراء الأصدقاء، شمّر عن ساعديك وانزل إلى الميدان، فالنتيجة تستحق المحاولة، والأصدقاء ربما سيشكرونها.

مكوّنات البايلا لأربعة أشخاص:

مقلاة خاصة لتحضير La Paella قطرها بين 30 و35 سم. (8 أشخاص بين 40 و45 سم).

- 350 غراما من الأرز (من صنف سينيا أو بومبا الفالنسي).

- 750 غراما من لحم الدجاج.

- 400 غرام من لحم الأرنب.

- 100 غرام من الفاصوليا البيضاء العريضة.

- 100 غرام من الفاصوليا البيضاء الرفيعة.

- 350 غراما من اللوبيا الخضراء الرفيعة.

- 3 قطع أرضي شوكي أو خرشوف.

- 5 ملاعق كبيرة من عصير البندورة الطبيعي.

- زيت زيتون بكر ممتاز.

- 300 ملغ من الزعفران.

- ملح.

- ماء.

نضع الزيت في الوعاء الموجود فوق الحطب.

عندما يسخن الزيت نضيف لحم الدجاج والأرنب المقطّع قطعا صغيرة والمملّح مسبقا ونقلبه في المقلاة على نار خفيفة كي يكتسب لونا ذهبيا. يجب الانتباه وتخفيف النار كي لا تحترق المقلاة وبالتالي التأثير على نكهة الأرز. من المهم جدا أن يكتسب اللحم لونا ذهبيا متجانسا لأن النتيجة النهائية ترتبط كثيرا بهذه المرحلة الدقيقة.

نضيف الخضار المقطّعة فوق اللحم ونخلطهما فوق النار لبعض الدقائق وعلى نار خفيفة.

يضاف عصير البندورة الطبيعي في وسط المقلاة ثم يخلط باللحم والخضار.

تضاف الكمية المناسبة من الماء (كي تغمر كل ما في المقلاة) والملح وتترك لمدة نصف ساعة فوق نار متوسطة إلى خفيفة مع المراقبة. تتم إضافة الماء إذا دعت الحاجة.

بعد 30 دقيقة يجب أن يكون مستوى الماء قد وصل إلى نصف حافة المقلاة تماما، لا أكثر ولا أقل.

نقوم الآن بالتذوّق لإضافة الملح. من المستحسن أن يكون المذاق مالحا بعض الشيء لأن الأرز يشرب جزءا من هذا الملح ويكتسب مذاقه اللذيذ. (دع أحد المدعوين يتذوقها كي تلقي عليه اللوم فيما بعد إذا لم تكن النتيجة مرضية).

نضيف الأرز ثم الزعفران ونتركه فوق نار قوية لمدة 7 دقائق تقريبا، ثم 5 دقائق أخرى على نار متوسطة و4 دقائق أخرى على نار خفيفة.

بعد هذه الفترة نرفع المقلاة (أي La Paella) عن النار ونغطيها بورق الجرائد (يصر العارفون على ورق الجرائد) لمدة 5 دقائق قبل تناولها، وهكذا، إذا سارت الأمور على ما يرام، نكون على وشك تذوّق أشهر طبق في المطبخ الإسباني.

إن هذه التعليمات هي تقريبية يتم تصحيحها مع تكرار التجربة. للماء والأرز دور مهم في عمليةر إعداد La Paella، فما عليك عزيزي القارئ إلا التحلي بالصبر فالتجربة كفيلة بأن تصل بك إلى المرفأ الأمين، فكما يقول المثل اللبناني العامي «إسأل مجرّب ولا تسأل حكيم».

ملاحظة: يمكن شراء المقلاة الخاصة بتحضير البايلا من المحلات الاسبانية وهي عبارة عن صينية قطرها واسع وتختلف أحجامها، تأتي معها قطعة معدنية توزع الغاز تحتها للحصول على الحرارة نفسها في مختلف زواياها.

تعليقات: