بين الخالق والمخلوق


كثر هذه الأيام الدعاة في تحديث فهم القصد من الآيات القرأنية ، وكيف نشأ الخلق ، ومنهم من ابرز نظرية داروين وأخذ يحاضر على أن الإنسان اصله " قرداً " ويؤكد هذه النظرية بينما داروين نفسه لم يؤكدها وطرحها كنظرية قابلة للنقاش وتوفي ونظريته لم تخرج عن كونها .

وطبعاً التعرض لوجود الخالق والمخلوق لا كفر فيه إلا اذا أنكر الباحث وجود الخالق .

وعلى هؤلاء نرد بالآيتين ( 19 و 20 من سورة العنكبوت ) مع الشرح ، وهذا لا يعني عدم البحث او ما سنورده هو الأصح ولا جدال فيه :

أَوَ لَمْ يَرَواْ كَيْفَ يُبْدِىءُ اللهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ (19العنكبوت)

قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20 العنكبوت)

الله عز وجل يأمر الرسول ( ص ) بقوله قل : لهؤلاء الكفار "سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق " وتفكروا في آثار من كان فيها قبلكم وإلى أي شيء صار أمرهم لتعتبروا بذلك ،ويؤديكم ذلك إلى العلم بربكم ، وقيل معناه انظروا وابحثوا هل تجدون خالقا غير الله ، فإذا علموا أنه لا خالق ابتداء إلا الله لزمتهم الحجة في الإعادة وهو قوله "ثم الله ينشىء النشأة الآخرة" أي ثم الله الذي خلقها وأنشأ خلقها ابتداء ينشئها نشأة ثانية ، ومعنى الإنشاء الإيجاد من غير سبب ﴿إن الله﴾ تعالى "على كل شيء قدير " أي إن الله على الإنشاء والإفناء والإعادة وعلى كل شيء يشاؤه قدير.

نلاحظ انه من هذه الآية والآية التي قبلها - أيضاً - أثبتتا بواسطة قدرته الواسعة إمكان المعاد.. مع فرق أن الآية الأُولى تتحدث عن الإنسان نفسه وخلقه وما حوله! والآية الثّانية تأمر بمطالعة حالات الأُمم والموجودات الأخرى، ليروا الحياة الأُولى في صور مختلفة وظروف متفاوتة تماماً، وليطّلعوا على عموميّة قدرة الله، وليستيقنوا قدرته على إعادة هذه الحياة!.

كما أن إثبات التوحيد يتمُّ - أحياناً - عن طريق مشاهدة "الآيات في الأنفس" وأحياناً عن طريق "الآيات في الآفاق" فكذلك يتمّ إثبات المعاد عن هذين الطريقين أيضاً.

وفي عصرنا هذا يمكن أن تبيّن هذه الآيات للعلماء معنىً أعمق وأدق، وهو أن يمضوا ويلاحظوا الموجودات الحيّة الأُولى التي هي في أعماق البحار على شكل فسائل ونباتات وغيرها، وفي قلب الجبال، وبين طبقات الأرض، ويطلعوا على جانب من أسرار بداية الحياة على وجه الأرض، ويدركوا عظمة الله وقدرته، وليعلموا أنّه قادر على إعادة الحياة أيضاً .

هذا وإن كلمة "النشأة" في الأصل، تعني إيجاد الشيء وتربيته، وقد يعبرأحياناً عن الدنيا بالنشأة الأولى، كما يعبر عن الأُخرى بالنشأة الآخرة!.

كما ان كلمة " سيروا " تعني للمشاهد رؤوية ما خلق الله من جبالٍ واشجارٍ وما تحتويه الطبيعة ، لأن النفس لم ترى هذا من قبل ، عندها تعلم قدرة الله على الخلق، وليس امر من الله للإنسان ان يبحث في وجود الخلق ، واذا كان القصد البحث في الخلق ، فهذا يقودنا الى وجود الخالق ، وبالتالي سنعود للقول :" وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85 الإسراء) " وهذا ما توصل اليه إديسون بعد ان أمضى سنين يبحث عن الروح وما هي وكيف وجدت في الإنسان فرجع الى الآية الكريمة .

* الحاج صبحي القاعوري - الكويت

تعليقات: