الشاعرة هدى صادق: في ذاكرتى (الخيام) و رغم إبتعادى عنها إلا أنها لا تزالُ يقظة، تراودني عن نفسي لأكتب لها كما يكتب العاشق لمعشوقته
كما القرمِيد ذكرياتي عن لُبنان ......
بعضُها انكسرٓ لقِدم الوقت
وبعضُها يُلملمُ ذاتهُ بالحنان ....
في ذاكرتي ألف عصفور
يغردُ على شجرةِ سنديان .....
وحباتُ عنبِ رُغمٓ اختِمار صورتها في
مُخيلتي، إلا أنها تُسبحُ بلذةِ الشوقِ للرحمن .......
هُناك طُرق ضيقةُ وزواريبٓ
وشرفاتِ تتدلى من إشتياقها الأغصان .......
وغسيلُ تُداعبُ الرياحُ أقمشته
وملاقطُ أرهقٓها حبلُ بلاستيكي، مُثقلُ بالصوفِ والكتان......
ذاك قميصُ أبي، وتلك عباءةُ جدي، والكثير الكثير من
العطرِ المُنغمس بالألوان ....
وهناك مناديل بيضاء ، ومزركشة، وأزرارُ لامعة ، وفستان......
وهُناك كراسِ خشبيةِ ، صُنعت من ملوحةِ التعبِ، وتجاعيدُ اليدِ ، وعٓرقُ الخيزران ..........
وطرابيش حمراء ، وشراويل تُخبيءُ زمنا كان.......
في ذاكرتى صورٓ باهتةٓ لشجر صنوبر
يظلل ُ بأكوازه ِ بتلات الأقحوان ......
وغيومُ تحبو على سطحِ الدردارةِ ، وكأن للسماءِ وجهان .........
وجه يٓسبحُ في عذوبةِ الماءِ
ووجه يعكسُ قُدرةٓ الله في مزج الطبيعة بالإيمان.........
في ذاكرتي صوتُ يٓدقُ حواصل الزعترِ، ويعانقُ حبات السمسم، والسِماقِ بالأحضان .......
وخلوة مع قشور اللوز ...ولزوجة التين .....وخجل الكرز ...ونعومة الشوفان ...
ورائحة لفطائرٓ شهية باللبنةِ البلدية ، والجُبنةِ ، واللحمة
والزعتر ، نضجت من حرارة الحُب والدلال في الأفران ....
في ذاكرتي أزيزُ لمراجيحٓ لا تزالُ تٓروحُ وتجيءُ ، وهي تهزُ شٓغب الفستق ، مع شيطنةِ الرمان .........
ومياهُ باردةُ تنزُ من ينابيعِ الأرضِ ، لِتبلل جبينٓ التربةِ وهامة الوديان ......
في ذاكرتى صوتُ لأذان فجرِ ووردُ يستعدُ لإقامة صلاة العطر على جسدِ البيلسان .....
وجبالُ شامخةُ، وقلاعُ حائرةُ ، وسنابل تتراقص كلحن على نُوتة المكان .....
في ذاكرتي رائحةُ لاحتراقِ قهوةُ ، واشتعال مٓوقد
وطرطقةُ قباقيبٓ، وفنجان ...
ودخانُ سجائر أخفي ملامحٓ الماضي ، ونفثٓ في رئة الحاضر أنفاسٓ التبغِ والقطران ..........
وشتاءُ قارصُ ، ورعشةُ ثلج جٓمدت صُورا لأشخاص تعلقت ملامحهم بالجدران .........
وأسماءُ التصقت بالحٓنين، فكان لها أنينُ يسفعُ الروح بالنيران........
في ذاكرتى (الخيام) و رغم إبتعادى عنها إلا أنها
لا تزالُ يقظة، تراودني عن نفسي لأكتب لها
كما يكتب العاشق لمعشوقته
إن حال بينهما الزمان ...
في ذاكرتي لهفة، واشتياق، وغربة تحلم بجناحي عصفور يعيدها الى بساتين الذرة ، وحقول القمح ،
ودوالى العنب، وأجنة المشمش، والدُراق، والزعفران.......
في ذاكرتي حياة، وموت ، وفرح ، وحزن، وصور اكتظت بضجيج المارة ومذياعُ قديم لازالت أغاني فيروز تصدح من ذبذباته دون أن يسرقها كما شادي النسيان ....
في ذاكرتي نكهة المشٓبك، والمعمولِ ، وراحةُ الحلقُومِ، وبسكويتُ حلو وبُونبوناتِ وزعت على روح شهيد
وارى جسده الريحان .....
في ذاكرتي وداع ، وإرهاقُ ، وتعبُ ، وسفرُ طويل ، يأخذني لبلدتي كلما التهبٓ عصبُ الإشتياق وأُصيبَ بنوبات لهفة وحنان.........
في ذاكرتى أعراس للفرح .... الكل حاضر فيها ، وجنازات لم يحضرها أحد ممن إغترب عن الخيام، لأن الوقت لم يسعفه ليقدم العزاء لكل صباح يشرق دون أن نكون على ترابها نغتسل بالأمان .....
الشاعرة هدى صادق
تعليقات: