صبية مناصرة للمقاومة وفخورة بها.. لكن لها قناعاتها في الحياة الإجتماعية وبطريقة عيشها
قرار بلدي من هنا، وآخر من هناك، في الجنوب اللبناني، أعادا فتح نقاش ملحّ، وإن كان مؤجّلاً، حول حدود الانفتاح الاجتماعي والحريّات الفرديّة في المناطق ـــ أو «البيئة» كما يفضل بعضهم ـــ التي يتمتّع فيها حزب الله بحضور مؤثّر أو طاغ. طبعاً ما حدث في جبشيت ثم في عيترون ثم في بنت جبيل، لا يرتبط بقرار اتخذه الحزب، أو بنهج درج عليه، ويلتزم بتطبيقه في مرافق الحياة العامة. هذه الحقيقة أساسيّة لخوض نقاش صريح وجريء، حول الحالات الفرديّة، المعزولة، التي شهدناها في الأيّام الماضية. حالات لا يجوز تعميمها، لكن هناك من يتخوّف عن حقّ من أن تتحوّل إلى ظاهرة عامة، أو «موضة» تغذّي التجاذبات والمزايدات (والانعزاليّات) «السياسيّة»، بالمعنى اللبناني الأضيق لكلمة سياسة، إذا ما تُرك لكرة الثلج أن تكبر وهي تتدحرج في اتجاه قرى وبلدات ومدن أخرى في «البيئة» نفسها.
المطلوب إذاً خوض نقاش أصيل، متطهّر من كل الخلفيّات والأفكار المسبقة التي تحرّك عادةً «صائدي القضايا» الغيارى على «المجتمع المدني»، وغيرهم من «قنّاصة» الحريّات العامة. علينا هنا التفريق بين «ليبراليي» آخر زمن، والمعنيين بالتقدّم الاجتماعي تحت سقف وطني، ولو أحياناً بالايقاع المتمهّل الذي تمليه بنية الواقع وحركيّته وطبيعته المجبولة بالثقافة التقليديّة والمحافِظة. الأُوَل، مرتزقة كانوا أو متطوّعين، آخر همّهم معارك التقدّم والانفتاح والتعدديّة، بل يعملون في خدمة أجندة معلنة، هي أبلسة حزب الله. وكل الفرص مناسبة لتضليل الرأي العام، كما فعل محرر أحد المواقع الرصينة، حين أغرق النقاش في لعبة مقارنات سطحيّة، وظالمة، وغير أمينة، بين الحزب وجحافل التكفيريين الذين ينتصب حصناً منيعاً بوجههم. نعم، تلك من مفارقات التاريخ، أو بالأحرى من نتائجه المنطقيّة: المقاومة الاسلاميّة في لبنان هي اليوم ضمانة لكل المواطنين، بمن فيهم أنصار الليبرالية، أو العقلانيّة، أو حتّى العلمانيّة، ترد عنهم طاعون الدواعش وهمجيّتهم القروسطيّة. وهذا يرتّب عليها مسؤوليات لا تجهلها المقاومة، باسم المصلحة الوطنيّة.
وإذا كانت الإشكاليّة التي طرحها منع الاختلاط في مقهى إنترنت، أو مسبح شعبي، أو ماراتون، مرتبطة أساساً بثقافة مهيمنة (يحق لجزء من الجيل الجديد أن يحلم بتطويرها) في المجتمعات التي احتضنت حزب الله، فإن مسؤوليّة الحزب هي رفع الالتباس، ووضع حدّ لغلوّ بعض ممثليه المنتخبين وأخطائهم السياسيّة. يقوم حزب الله على عقيدة ومرجعيّة واضحتين، ويجمع بين كونه حزباً دينيّاً من جهة، وحزباً سياسيّاً في مجتمع تعددي من جهة أخرى. لكنّه قبل كل شيء مقاومة انتصرت باسم المصلحة الوطنيّة والقوميّة، تتجاوز حدود الطائفة والدين نفسه، لتحتضن تطلعات الشعوب العربيّة للكرامة والحريّة واستعادة الحقوق المسلوبة. لذلك لم يكن يوماً للحزب برنامج سياسي، على طريقة «الإخوان المسلمين»، ينظّم الشأن الاجتماعي ويتدخّل فيه، على المستوى الوطني. لقد انصبّت كل جهوده على مقاومة إسرائيل، ما يجعل منه صنواً، وإن من خارج النمط السائد، لسائر حركات التحرر الوطني في العالم الثالث. هذا الانجاز العظيم له تبعات وطنيّة وقوميّة أكيدة، أهمّها فتح كوّة لمستقبل أهلي متسامح… لمجتمع يتسع للفرد، يحسن احترام المرأة ويعطيها مكانها ومكانتها في الحيّز العام. إنجازات المقاومة تؤسّس لمشروع وطني يدحض النزعات الانعزاليّة والكونفدراليّة التي تستند إلى كذبة «الخصوصيّة الثقافيّة». كلا أيتها السيدات والسادة، لبنان كلّه لنا، والدفاع عنه هو أيضاً الدفاع عن ثقافة مشتركة، عن قواعد وأصول وقوانين وطنيّة تحمي الجميع ـــ أيّاً كانت «البيئة»! ـــ وتنطبق على الجميع.
مواضيع ذات صلة:
بلدية الخيام ذكورية.. ترضخ للإملاءات وتمنع الاختلاط
بلدية الخيام تمنع المرأة من المشاركة بسباق حرمون
لن تخصع المرأة الخيامية لقوانين متطرفة
الخيام... مجالس البلديات لا تلغي الثقافة والهويات
ما كان يجب أن يصل بنا الأمر الى ما وصل اليه
بين قرار البلدية من موضوع الإختلاط والموقف من المقاومة
منى عبدالله.. يا جبل ما يهزّك ريح
الرياضة ليست عيبا أو من المحرمات
عن حزب الله والتقدّم الاجتماعي
انا بنت الخيام... سأعانق الفائز
الكاتب والمحلل السياسي بيار أبي صعب
تعليقات: