الحطب يُشعل المواقد من بنت جبيل إلى البقاع الغربي

قطع غابة سنديان في الجنوب (أرشيف - كامل جابر)
قطع غابة سنديان في الجنوب (أرشيف - كامل جابر)


يتزاحم أهالي الريف اللبناني على شراء حاجاتهم الخاصة بوسائل التدفئة اللازمة لمكافحة برد الشتاء القارس، وخصوصاً في القرى الجبلية.

وفيما كانت مواقد المازوت هي السلعة الأساسية الضرورية لذلك، تليها مواقد الحطب بنسبة تقل عنها بكثير، كان لافتاً هذا العام تراجع تجارة بيع مواقد المازوت بسبب الارتفاع الهائل لسعر الصفيحة، لتطغى عليها تجارة مواقد الحطب.

«على رغم ندرة الحطب في قرى القضاء التي تكاد تنعدم فيها الأحراج والغابات، فإن حركة بيع مواقد المازوت قليلة حتى الآن، ويفضّل أغلب الأهالي شراء مواقد الحطب»، بحسب نبيل بوصي مدير المبيعات في «مؤسسة بوصي للتجارة» في بنت جبيل.

ويضيف: «كانت نسبة مبيع مواقد الحطب تعادل خمسة في المئة مقارنة بمبيع مواقد المازوت، لكن هذه النسبة زادت إلى 40 في المئة تقريباً، حتى إن العديد من الأهالي أصبحوا يشترون المناشير العاملة على الكهرباء والبنزين لقطع الأخشاب، واضطررنا إلى شراء ماكينات خاصة لتصليح جنازير موتورات مناشير الخشب».

ومن اللافت تزاحم الأهالي في بنت جبيل على شراء مواد منع النشّ، بعدما تضررت أغلب المنازل في حرب تموز الأخيرة. ويذهب بوصي إلى أن الوضع المادي للأهالي في بنت جبيل سيئ جداً «بسبب التأخر في دفع التعويضات، وقد زادت الديون عليهم. فمؤسستنا التجارية كانت نسبة ديونها على الأهالي لا تفوق مئة ألف دولار سنوياً، لكنها اليوم فاقت 350 ألفاً، وأسعار مواد البناء ارتفعت بدرجة كبيرة، وأصبح التعويض المعتمد دفعه عن المنازل المهدمة وغير المهدمة غير كاف لإنجاز عملية إعادة البناء والترميم، وبعض الأهالي لم يصله أي من هذه التعويضات حتى الآن». ويذهب صاحب إحدى المؤسسات التجارية في المدينة إلى أن «العامل في بنت جبيل يتقاضى يومياً ما يعادل 20 ألف ليرة لبنانية، بينما صفيحة المازوت يبلغ ثمنها 25 ألف ليرة، وتُستهلك في أقل من يومين، لذلك يلجأ الأهالي هذا العام إلى شراء مواقد الحطب، ويذهبون إلى الكروم والمنازل المهدمة للحصول على الأخشاب. وفي السابق كان أصحاب معاصر الزيتون يرمون فتات الزيتون المعروف بـ«الجفت»، لكنهم الآن يبيعونه لمن يريد استخدام صوبا الحطب».

حال منطقة بنت جبيل لا تختلف عن حال منطقة البقاع الغربي. أبو محمد قاسم (57 عاماً) قضى ثلاثين عاماً من حياته في مهنة البناء، حيث امتلك نحو 200 متر من الخشب المستخدم في أعمال التدعيم والبناء، وهي كمية لا بأس بها تساعده على إنجاز العمل، وتعدّ أهم رأسمال يمتلكه، لكونها مورد عيشه، وعيش أبنائه، غير أن ساعة الدينونة قد دنت. فماذا يفعل مع ضائقة العيش التي يمر بها اليوم؟ يقطع الأخشاب التي جمعها طوال ثلاثين عاماً، وهي مورد رزقه، من أجل تأمين التدفئة له ولأبنائه.

يقول أبو محمد، وهو أب لخمسة أولاد: «كما ترى لا شغلة ولا مشغلة بفصل الشتي، بس مصروف، ولا يكفي المدارس والكتب واللوازم الأخرى عند بدايته، حتى جاءت مصيبة التدفئة، فكيف نؤمّن التدفئة؟ أنت تعلم أن الشتاء قارس في البقاع، والمازوت ضروري، وإذا كان المازوت غالي شو بنعمل؟ حتى أن الغابات تحترق».

ويضيف: «لا تظن أنني سعيد بقطع أخشاب عملي، فأنا أحس بوجع تلك الأخشاب وأتألم كما لو كانت جزءاً من جسدي، بصدق أقول لو بقي المازوت بهذا السعر لا أستطيع تأمين التدفئة لأولادي، فأنا أقطع هذه الأخشاب الآن لسد حاجتي، وفي فصل الصيف حين يبدأ عمل البناء يحلها ألف حلاّل. مش بقولوا: «قرشك الأبيض ليومك الأسود»، بدك أسود من هيك أيام، الزعما بيتقاتلوا ونحن بنبرد، خلينا بلا ما نحكي أحسن».

محمد خروب من بلدة الروضة في البقاع الغربي، يعمل أيضاً على تدبر أمر التدفئة في فصل الأمطار، حيث عمد إلى تبديل نوعية مدافئه من المازوت إلى الحطب، وقطع شجرتين من بستانه إلى جانب ما حصل عليه من تقليم أغصان الأشجار في البساتين المجاورة. ويقول: «الأمر ليس سهلًا فكلاهما مرّ. المازوت سعره مرتفع، وكذلك الحطب، سعر «البيك أب» من الحطب تجاوز 600 ألف ليرة، أي سعر ثلاثة براميل من المازوت. ومنذ خمسة أيام، قطعتُ هذه الأشجار، واليوم استدعيت صاحب المنشار الذي يقوم بتقطيعها، وتكلفني ساعة القطع نحو 40 دولاراً، ولا أدري إن كانت هذه الكمية تكفي لتخطي فصل الشتاء أو لا، لكن نحاول». من جهته قال صاحب المنشار: «الناس اتجهوا نحو قطع الأخشاب بشكل غير مسبوق، والطريف في الموضوع أن منشار الخشب يعمل بواسطة جراري الزراعي الذي يعمل بدوره على المازوت، فلو ارتفع سعر المازوت لارتفع معه أجر ساعة النشر، هذا إن بقي المازوت متوافراً».

بنت جبيل ـ داني الأمين

البقاع الغربي ـ فيصل طعمة

تعليقات: