شجرة الزنزلخت.. فوائد طبية وبيئية ومنافع جمالية

 شجرة الزنزلخت شديدة الخضرة وارفة الظلال ذات منافع طبية وبيئية. لقطة من الأرشيف للدكتور علي حمادة يستظل بفيئ أغصان شجرة زنزلخت
شجرة الزنزلخت شديدة الخضرة وارفة الظلال ذات منافع طبية وبيئية. لقطة من الأرشيف للدكتور علي حمادة يستظل بفيئ أغصان شجرة زنزلخت


شجرة الزنزلخت تزين حدائق القصور والبيوت التراثية في حاصبيا ومرجعيون

الزنزلخت أو الإزدرخت شجرة (أليفة) واكبت الدور الحلوة، والقصور الجميلة، والفيللات الأنيقة منذ سالف العصور دون أن يدري أحد أن منافعها الطبية والبيئية أكثر وأهم من فوائدها الجمالية والمناخية.

البعض يلاحظ أن هذه الشجرة انقرضت نوعاً ما، أو على طريق الانقراض بعد ظهور العديد من أنواع النصوب والأشجار الحرجية والجمالية التي تزيّن ساحات القصور وجوانب الطرق هذه الأيام حيث بعضها يجلب الحساسية ويسبب بعض الحالات المرضية في بعض المواسم، بينما شجرة الزنزلخت لها فوائد جمالية وصحية، وأهمها طرد الحشرات مثل البعوض والذباب والناموس المسمى (أبو فاس) وغيره. وهذا يشير الى أن القدماء كانوا يعملون لتجنب هذه الحشرات ومضارها ولسعاتها بعكس ما كنا نعتقده انهم كانوا يزرعون هذه الشجرة لأسباب جمالية، أو لعدم وجود أنواع أخرى من النصوب لتزيين مداخل وحدائق دورهم بها...

واليوم تجددت زراعة هذه الاشجار على جوانب بعض الطرق، أو وسط الأوتوسترادات كما هي الحال في بر الياس بالبقاع على طريق شتوره - المصنع، أو على طريق الزهراني - النبطية، أو في حدائق بعض الفيللات الفخمة، أو على مداخل بعض القصور الجميلة كما يحصل مع شجرة الزيتون التي تُقتلع وتنقل الى حدائق القصور الحجرية الفخمة كما في عاليه وبعلشميه وكسروان وبعض فيللات جبل عامل.

وفي حاصبيا ومرجعيون لا تزال أشجار الزنزلخت شاهدة عبر الزمن أمام بعض البيوت القرميدية القديمة، أو على مداخل بعض القصور في الجنوب.. ولكنها أشجار هرمة ذات جذوع نخرة أكل الدهر عليها وشرب، فتآكلت أغصانها وشاخت، ونخرت الأمراض الزراعية جذوعها وصارت مجوّفة يستعملها الأطفال في لعبة المخابئ كما هي الحال في باحة كنيسة السيدة في حاصبيا، وباحة كنيسة الروم الكاثوليك، وأمام مطرانية الروم الأرثوذكس في حي حارة العين في حاصبيا. وهناك شجرة حديثة العهد على الطريق العام أمام منزل أبو يوسف الحداد حيث ترعاها أم يوسف كما ترعى بناتها، وتسقيها في موسم الشح و(يشحلها) أبو يوسف في موسم التشحيل. لذلك بقيت هذه الشجرة خضراء نضرة، متعة للنظر لكل من يعبر طريق حارة العين في حاصبيا.

وما زالت ربات البيوت في الأرياف يضعن أوراق وحبّات الزنزلخت بين طيّات السجاد لحفظه من العثّ، بينما غصون الزنزلخت في الخارج تطرد حشرات البعوض والذباب والناموس المزعج (أبو فاس).

ويقول المواطن كامل الحداد من حاصبيا إنها زرعت أمام أبواب وفي باحات الكنائس لأنها تذكّر بتسبيح الخالق كون حبات الزنزلخت تستعمل لصنع السبحات كي يسبّح الانسان خالقه بها، ولأنها ذات رائحة طيبة كرائحة البخور.

وأشجار الزنزلخت تنمو من تلقاء نفسها بواسطة الطيور والعصافير التي تأكل حبات الزنزلخت وترمي البذور في البراري، فتنمو وتكبر دون زراعة أو عناية.

ونجد حتى الآن أن مدافن في حاصبيا والمنطقة تكثر في باحاتها اشجارالزنزلخت. وكان الرعيل الاول في المنطقة يتباهى باقتناء مسبحة من حبات الزنزلخت.

والزنزلخت شجرة تتحمل الجفاف، وتعتبر مثالية لتشجير المناطق الجافة.. ويقول أحد الاشخاص من الجيل الجديد ان الرعيل الأول من الناس كان يدرك الامور البيئية والصحية أكثر منا. ومن هنا زرعه لأشجار الزنزلخت أمام البيوت. وكانت شجرة الزنزلخت أمام بيتنا في الريف مجرد اضافة، ولكن لم أكن أدري أن جدودي زرعوها لأسباب وجيهة بيئياً وصحياً. ولا ندري لماذا زرعوها وسط حديقة فيها زهور وأشجار مثمرة. وكنا ونحن صغار نتسلى باستعمال حبوبها المستديرة المتساقطة لاصطياد المارة بها (بالنقيفة). وعندما كنا نتذوقها أمرّ من الحنظل مخلوطاً بالفلفل الحار. والغريب في أمر شجرة الزنزلخت في حديقة تجمع العديد من أنواع الاشجار، انها لا تمرض، ولا تيبس بينما جارتها الياسمينة أو العريشة تفتك بهما الآفات الزراعية. ولم نكن ندري آنذاك أن في الأمر سراً من أسرار الطبيعة الرائعة، وهو أن شجرة الزنزلخت هي بحد ذاتها مبيد للحشرات ودواء زراعي دون تعب وتكاليف يقضي على الحشرات والآفات التي تفتك بالمواسم الزراعية.

انتقلت شجرة الزنزلخت من بلاد فارس والهند الى العديد من المناطق الاستوائية كمصدر للحطب للوقود والتدفئة كما استخدم خشبها الجيد المستقيم منذ القدم في الصناعات الخشبية وخصوصاً صناعة المفروشات، إلا انها كانت تستعمل في مهدها لخصائص طبية وكمبيد للحشرات.

وكان سكان الريف الهندي والباكستاني يضعون أوراقها بين طيات الملابس وصفحات الكتب لحمايتها من العثّ والحشرات المنزلية الأخرى، كما كانوا يخلطون أوراقها مع محاصيل القمح والأرز والذرة وغيرها عند تخزينها للحؤول دون التسوّس.

وانطلاقاً من هذه الاستخدامات التقليدية البسيطة والمعلومات الريفية المهمة في مجال الصحة، بدأ الاهتمام العلمي بالزنزلخت كمبيد طبيعي. وكان السؤال الكبير: لماذا ينفّر الزنزلخت الحشرات ويعيق تكاثرها?

بدأ الاهتمام بهذا اللغز وآثاره الواسعة المحتملة في حماية المنتجات الغذائية، في السودان خلال موجة الجراد التي اجتاحت البلاد في العام 1959 من القرن الماضي بعدما أتت جحافل الجراد على كميات كبيرة من الزراعات الغذائية في طول البلاد وعرضها، لكنها عندما حطت على أشجار الزنزلخت نفرت فوراً من دون أن تمس أوراقها، فعمد العلماء الى دراسة هذه الظاهرة، واكتشفوا السر الكامن وراءها، إذ تحتوي بذور الزنزلخت وأوراقه على مواد كيماوية تنفّر الجراد ومعظم الحشرات الأخرى، فتوقف قابليتها للطعام وتؤثر في آلية توالدها، فتمنع بالتالي تكاثرها... وتحمي الشجرة نفسها بواسطة (كوكتيل) من المواد الكيماوية المبيدة للحشرات.

وبمرور الزمن، ازداد مع هذه الاكتشافات اهتمام العلماء والباحثين الذين ينظرون بجدية الى الإمكانات التي توفرها شجرة الزنزلخت كمبيد طبيعي لمكافحة الحشرات. ومع ان بعض الوكالات المتخصصة، ومنها منظمة الغذاء والدواء الأميركية، لم تسمح حتى الآن باستخدام منتجات شجرة الزنزلخت الا في معالجة الزراعات غير المخصصة للغذاء، فإن التوقعات تشير الى ازدياد رغبة المزارعين الذين يتحاشون استخدام المبيدات الاصطناعية العالية السمّية، في الاعتماد على مبيدات بيولوجية متحضرة من بذور الزنزلخت وأوراقه.

ونستطيع أن نطلق على حاصبيا: بلدة الزنزلخت نظراً لانتشار هذه الشجرة فيها دون سواها من قرى المنطقة ولا سيما أمام الكنائس وباحاتها، وعلى مداخل البيوت القرميدية (العتيقة).

كان أسلافنا يدركون أهمية شجرة الزنزلخت ويتعلقون  بها فجعلوها في صحن الدار
كان أسلافنا يدركون أهمية شجرة الزنزلخت ويتعلقون بها فجعلوها في صحن الدار


اليوم تجددت زراعة هذه الاشجار على جوانب بعض الطرق.. وقد حظت بعض طرقات الخيام بجمالية مضافة بعد زرع الزنزلخت على جانبيها
اليوم تجددت زراعة هذه الاشجار على جوانب بعض الطرق.. وقد حظت بعض طرقات الخيام بجمالية مضافة بعد زرع الزنزلخت على جانبيها


تعليقات: