عن معطلي الحكومة.. والعلاقة الشيعية - المسيحية

الإعلامي نبيل هيثم: القوات تحاول الإيحاء انها هي وعون في مركب واحد، الى جانب الحريري وتبني على هذا الحلف آمالا وطموحات مستقبلية
الإعلامي نبيل هيثم: القوات تحاول الإيحاء انها هي وعون في مركب واحد، الى جانب الحريري وتبني على هذا الحلف آمالا وطموحات مستقبلية


قبل الانتخابات الرئاسية، وُضِع "حزب الله" في موقع المعطّل لانتخاب الرئيس ميشال عون، وحتى يوم الانتخاب نفسه في 31 تشرين الاول الماضي، ظلّت تهمة التعطيل ملازمة للحزب، ولعبت "القوات اللبنانية" دور رأس الحربة في توجيه هذا الاتهام.

بعد تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة، انتقلت تهمة التعطيل الى الرئيس نبيه بري، ووُضِع في موقع معطّل تأليف الحكومة، ولعبت "القوات" ايضا، دور رأس الحربة في توجيه الاتهام الى رئيس المجلس النيابي، وما زالت على هذه السياسة، ويشاركها في ذلك بعض الفريق المعني مباشرة بالتأليف.

هنا يطرح سؤال نفسه: ما سرّ هذا التصويب على الثنائي الشيعي، ولأي هدف؟

كانت "القوات" اكثر العارفين بتأييد "حزب الله" لعون، وخبرت ذلك بتمسكه بترشيحه لأكثر من سنتين ونصف، ومع ذلك سخّرت ماكينتها السياسية والاعلامية لزرع هذه التهمة في ذهن الشريحة الواسعة من المسيحيين، ونجحت في اثارة الشكوك حول الموقف الحقيقي للحزب، حتى ضمن التيار الوطني الحر، الى ان جاء الانتخاب وتصويت الحزب لعون ليثبتا بطلان هذه التهمة.

وقبل أن يأتي أحد ويسأل "القوات" عن سبب اتهامها "حزب الله" بتعطيل الرئاسة، ويطالبها بتوضيح هذا الاتهام امام الرأي العام المسيحي اولاً، صوّبت ماكينتها الاتهامية السياسية والاعلامية في اتجاه بري، وما تزال حتى الآن، تلقي عليه مسؤولية تعطيل تأليف الحكومة. واكثر من ذلك، مسؤولية قطع الطريق على انطلاقة قويّة لعهد عون، وعلى سعي المسيحيين لاستعادة حقوقهم ودورهم وشراكتهم الفاعلة في الحكم. واستطاعت ان تجذب الى موقفها شريحة واسعة من المسيحيين.

هنا، تبرز وامام هذا المنحى الاتهامي تبرز الوقائع التالية:

1- الحصة الوزارية لرئيس الجمهورية؛ هل هي عامل مسهِّل للتأليف؟

2- ثانيا، الحصة المسيحية في الحكومة؛ هل أنّ المطالبة بتمثيل كل الشرائح المسيحية هي عامل معطل للتأليف؟ وهل أنّ حصرها بطرفين مسيحيّين ( التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية) دون سائر المسيحيين عامل مسهّل للتأليف؟

3- محاولة ابعاد سيليمان فرنجية ثم الموافقة (تحت الضغط) على تمثيله على مضض وبوزارة ثانوية، هل ان ذلك عامل مسهّل للتأليف؟

4 - محاولة منع فرنجية من ان يتمثل في الحكومة من ضمن الحصّة المسيحية، بل من الحصّة الشيعية او السنيّة من خلال المقايضة، هل هذا عامل مسهِّل للتأليف؟ وهل ان ارجحة رئيس تيار المردة بين اعطائه حقيبة التربية، ثم العودة عنها، ثم طرح وزارة ثانوية عليه، ثم العودة عنها، ثم اخيرا طرح الاتصالات من دون ان يلقى ذلك قبولا حتى الآن، هل ان كل هذا عامل مسهّل للتأليف؟

5 - التوافق بين بري والحريري في بداية خطوات التأليف، على ان حقيبة الأشغال هي من حصة بري، ومن ثم يأتي من يقدّم وعداً لـ"القوات" بأنّ الأشغال من حصتها فتتمسّك بها، هل هذا عامل مسهّل للتأليف؟

6- الغاء طائفة بكاملها هي طائفة الروم الارثوذكس، فهل ان مصادرة تمثيلها وحصره بحزبيِّين من التيار والقوات عامل مسهّل للتأليف؟

7- الغاء طائفة بكاملها هي طائفة الروم الكاثوليك، فهل ان مصادرة تمثيلها وحصره بحزبيّين من التيار والقوات عامل مسهّل للتأليف؟

8- حصة التيار والقوات مجتمعين، التي تزيد عن ثلث الحكومة المنوي تشكيلها، "الثلث المعطّل" ووفقا للاتفاقات بين الاطراف لا مكان له في الحكومة المنوي تشكيلها، فهل امتلاك "التيار" و"القوات" "الثلث المعطّل" في الحكومة عامل مسهّل للتأليف؟

9- حصة "القوات" وحدها (4 وزراء بينهم نائب رئيس مجلس الوزراء ويضاف اليها الوزير ميشال فرعون اي 5 وزراء)، هل هذه الحصة المضخمة عامل مساعد للتأليف؟

10- تثبيت حقائب وزارية دسمة لطرف سياسي محدد، ومحاولة حجبها أو تعديلها أو تغييرها او تغييبها عن طرف سياسي آخر، هل هذا عامل مسهّل للتأليف؟

11- محاولة اظهار الواقع الرئاسي الجديد على انه قائم على معادلة رابح وخاسر بين حلف ثلاثي مكتسح (القوات والتيار والمستقبل) مقابل فريق منكسر(حزب الله وبري وحلفاؤهما) ومحاولة القول بضرورة ضمّ بري الى الحلف الثلاثي الجديد ليبدو كـ"حصان طروادة" ضد "حزب الله" هل هذا عامل مسهِّل للتاليف؟

12- العزف القواتي شبه اليومي على ان رئيس الجمهورية لا يستطيع ان ينتظر التأليف طويلا، وان تأخير التأليف يوجب عليه الذهاب مع الرئيس المكلّف الى حكومة امر واقع، هل هذا عامل مسهِّل للتأليف؟

13- محاولة الضغط على القوى السياسية، وبنبرة فيها شيء من الفوقية لتقديم اجوبتها النهائية حول الحكومة ضمن مهلة زمنية، هل هذا عامل مسهّل للتأليف؟

14- تمييز طرف على غيره من الأطراف، والكرم عليه بحقائب وزارية مميزة وحجزها له حتى قبل انتخاب رئيس الجمهورية، هل هذا عامل مسهِّل للتأليف؟

15- العزف المستمر والمريب على الوتر الشيعي- المسيحي هل هذا عامل مسهّل للتأليف؟ لا بل هل هو عامل مساعد على حفظ استقرار البلد وتأكيد وحدته ام انه يزرع لغما، إنْ انفجر لن يكون في مقدور احد ان يتحمّل تبعاته واثاره على كل المستويات؟ هنا، التاريخ الشيعي – المسيحي يشهد على العلاقة التاريخية الثابتة بين هذين المكونين وتجلت في محطات كثيرة، وبالتالي فإن محاولة تفخيخ هذه العلاقة، تنطوي على مخاطرة كبرى, ليس على الشيعة وحدهم ولا على المسيحيين وحدهم ، بل هي نذير شؤم على كلّ المكونات، واكثر من ذلك على لبنان الوطن والكيان. وكما للمراجع المسيحية حرص على ابقاء هذه العلاقة في اوجها، ثمة مقولة ثابتة لدى الفريق الشيعي، ولطالما عبر عنها الرئيس بري بقوله :" للبنان اربعة اجنحة؛ الجناحان المقيم والمغترب، والجناحان المسلم والمسيحي اللذان لا تكتمل صورة البلد من دونهما، او إن اصاب ايا منها ضرر ووهن".

"القوات" على اتهامها بري، ويشاركها في ذلك حلفاء لها، واما في الموازاة كلام آخر لرئيس المجلس :" قدمت كل التسهيلات المطلوبة منا لتسريع تشكيل الحكومة، الكرة ليست في ملعبنا، فليبحثوا عن المعطلين والمعرقلين في مكان آخر". اولوية بري "الشراكة، وايجاد مساحات التلاقي بين اللبنانيين وتوسيعها الى المدى الابعد، والدخول مجتمعين في معركة احباط محاولات اسقاط لبنان في منطق الشعبوية والتحريض والشحن الطائفي والمذهبي ، وحماية وصيانة الحضور السياسي والتمثيلي لكل اللبنانيين مسيحيين ومسلمين، من دون استثناء او تفضيل لهذا على ذاك".

"القوات" مع ان يمارس الرئيسان حقهما الدستوري بفرض حكومة، واما العاملون على خط التأليف يدركون ان الذهاب الى حكومة امر واقع بما يكرس امرا واقعا او سابقة، معناه جرالبلد الى فتنة، خصوصا انها ستستبع حتما ردود فعل من قوى سياسية وطائفية فاعلة، وهذه تكون ضربة قاسية للعهد، وعلى حد تعبير اصدقاء قريبين من العهد: "خطوة كهذه هي خطوة خطيرة ومتهورة، واقل الاثمان التي تترتب عليها انها قد تذهب بالعهد كله. ونحن على يقين ان رئيسي الجمهورية والحكومة يعرفان طبيعة التوازنات والحساسيات التي تحكم البلد، ولا نعتقد انهما قد يكونان في وارد هذه الخطوة.

هناك من يتفهم موقف "القوات"، فهي في رأيهم، تعبر بحماستها هذه عن صدق تأييدها للرئيس عون، ورغبتها في انطلاقة عهده بقوة وفاعلية. فضلا عن حقها بتمثيل وازن في الحكومة، لدورها الجيد في وصول عون الى رئاسة الجمهورية.

ولكن هناك في المقابل من يرى انها بتشجيعها على حكومة امر واقع تعرف نتائجها مسبقا، انما هي تحرج عن قصد او عن غير قصد، رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، بطرح يضعهما في موقع صدامي مع الآخرين. كما ان "القوات" ورئيسها سمير جعجع، في نظر خصومها ( وربما حلفائها)، تتصرف وكأن "الحكيم" هو رئيس الظل لعونـ وأن "القوات" هي ام العهد وأبوه، والمعني الاول في قطف الثمار الوزارية والسياسية، وربما ثمار مستقبلية طموحة جدا. وعندما قال جعجع بعدم اعطاء من عارضوا انتخاب الرئيس، فرصة المشاركة في الحكومة، بدا وكأنه يرسم خريطة الطريق الى عزل الآخرين وعدم اعطاء فرصة لاي مسيحي آخر، خارج ثنائية التيار – القوات، في ان يكون له دور وحضور، بما لا يراعي واقع التوحد الوطني المفروض ان تعكسه الحكومة.

واذا كانت "القوات" ترى انها هي ولّادة العهد، فهناك من يخالفها، ويقول "من جاء بالعهد ثلاثة؛ "حزب الله" بتمسكه بترشيح عون، الحريري بدعم ترشيحه، والثالث بري بتأمين النصاب وعدم السماح بفرط جلسة الانتخاب. وهذا الكلام قاله بري مباشرة للرئيس عون في لقائهما الاخير في عين التينة. وكان عون متفهما الى ابعد الحدود.

يلاحظ مراقبون ان "القوات" تحاول دائما تقديم صورة انها هي وعون في مركب واحد، الى جانب الرئيس الحريري، وتبني على هذا الحلف الثلاثي آمالا وطموحات مستقبلية. لكن السؤال كيف ستصل الى هذه الطموحات وبالامس القريب جرى هاتفي بين رئيس الجمهورية والامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، اكد فيه عون على العلاقة مع الحزب والتفاهم المعقود بينهما قائلا: "كما كنا معا قبل الانتخابات، سنبقى بعد الانتخابات".

تعليقات: