متاجرة الشاشات أمام الشهداء والجرحى


متاجرة بالجنازة!

ملأ تصفيقٌ يشبه نزيفاً حزيناً مدرجات غزير، وصَمَت الجميع ألماً على أرواح ارتفعت إلى عليائها. صورٌ رُفعت قُبيل لقاء التضامن- الحكمة: هيكل مسلّم، الياس ورديني، وريتا الشامي. ورودٌ اضطرب بعض الإعلام في نقل مأساتها، فاضحاً عجزه عن الارتقاء بالمصيبة.

تتحمّس راشيل كرم ("الجديد")، تُقحم جريحاً تفترس الكاميرا وجهه في أسئلتها، وتضيف لمزيد من الإثارة الفجّة: "أرِني الإصابة!"، فيكشف على فخذه الموجوع، في مشهد يستحقّ صفعة. لا نتوقّع معجزة تضرب الإعلام اللبناني فتحوّله واعياً، محترماً حُرم الموتى، حريصاً على سمعته وأدائه، لكنّ الأمور بلغت حداً. هرعت كاميرات متضوّرة جوعاً تقتحم موائد "مُحرَّمة". وجه أبٍ مفجوع يصرخ، انهيار أخت، إغماؤها، انكسار البدن والنفس والقلب. الكاميرا لا تكترث. همُّها ابتلاع السبق، بلقمة لا أكثر. ابتلاع صرخة الصارخ وإكمال طريقها. كأنّ خلف المشهد كائنات جامدة، فطغى، عوض رقّة الإنسانية، سلوك روبوتي. مؤسف أن يُحوّل التعامل الإعلامي مع المجزرة المشهد "مسخرة" وثرثرة. بات مضجراً خطاب يتذرّع باستماتة اللبناني على روائح الدم ورغبته في "الاحتفاء" بمآسي الآخر. الجمهور ما تعوّدونه، ولا ذريعة تُبرر الرقص على جروح ملتهبة.

استضافت "أم تي في" وزير الإعلام المُحمَّل مسؤوليات كبرى ملحم رياشي. في "منا وجرّ"، قاطع بيار رباط منى صليبا وهي تروي مبادئ التعامل مع حدثٍ بهذا الوجع، وفتح الهواء لنخلة عضيمي وكاميرا لاهثة تلتهم خصوصية جريح داخل سيارة إسعاف! اعترض رياشي، وتساءل ما الفائدة؟ نظّرت المحطة في الأخلاقيات الإعلامية، متناسية تبنّيها باستعجال بوستاً فايسبوكياً لأوّل شابة عُثر عليها باسم ريتا الشامي، وإرسالها خبراً عاجلاً من هذا النوع: "تابعوا البثّ المباشر الحصري من داخل الطائرة التي تقلّ الجثامين والجرحى"(!). هوسٌ بالصورة الحصرية والفيديو الحصري والمتاجرة بالجنازة. اعتذرت سمر أبو خليل عن تشويش يطال الصوت أثناء النقل. الأجدى أن يعتذر المشوّشون لقتلهم مهنة الشغف هذه في كلّ مرة يقفون أمام كاميرا.


تعليقات: