أوديت حداد.. إنشاللّه كل أيّامك ورد


بلدية حاصبيا تكرم السيدة أوديت حداد لحبها للطبيعة

حاصبيا:

بمبادرة طيبة منها، كرّمت بلدية حاصبيا السيدة اوديت حداد على حبها للطبيعة ، في زيارة قام رئيس البلدية يرافقه بعض اعضاء البلدية الى منزلها في حي العين منوهاً بالعمل الجميل التي تقوم السيدة حداد في تجميل جانبي الطريق قرب منزلها بأجمل الورود على مدار السنة ، مؤكداً على ان الانسان الصالح للمجتمع هو من يقوم بمبادرات فردية تترك اثراً جميلاً في نفوس الاخرين.

ودعا قام رئيس البلدية اهالي البلدة التي التمثل بالمبادرة المقامة في حي العين من بعض السكان بزراعة الورود على جانبي الطريق مما يضفي منظراً جميلاً على شارعهم .

...

وعن السيدة أوديت، كتب شهيد الصحافة، عسّاف أبو رحّال، في العدد ٨٦٢ من جريدة الأخبار، الصادر يوم الاثنين ٦ تموز ٢٠٠٩، التحقيق التالي:



«كل أيامك ورد» هي التحية التي يلقيها أبناء بلدة أوديت حداد عليها. هكذا، تحس بامتنانهم لعملها الذي حوّل زقاقاً ترابياً في البلدة إلى ما يشبه البستان مع أكثر من 50 نوعاً من الزهور تتفتح على جنباته، وتعتني بها أوديت منذ 15 عاماً من دون أي مساعدة من البلدية.

تحنو أوديت حداد على ورودها واحدة واحدة. تتفقّدها، تكلمها، تزيل عن الجذوع أوراقها اليابسة، وتتفحّص المريضة بينها بعين الأم سائلة عما حلّ بها، وفي يدها الخضراء تسكب على جذورها البلسم الشافي. في حديقة أوديت تزدهر كل الألوان. الألوان التي فرّقتها السياسة في لبنان تجتمع في بستان أوديت، كما في الطبيعة. فتغني المشهد. ففي الجهة الشرقية من منزلها في حاصبيا، وبجانب تنور عتيق، تنفتح أزرار ورد «الجمهورية الثالثة»، البرتقالية. أما الجهة الغربية فيبدو أن المناخ مناسب للزهور الزرقاء التي تعكس ألوان «السما». أما الجهة الشمالية فيطغى أخضر المردة، ولو أنه على امتداد الطريق تبعث الشتول الخضراء الغضة الغامقة «الأمل» في نفوس المارة. ولا ينسى من يحب المقارنة، أن «نصبة ورد مهجنة» بألوان الورد الجوري الأحمر والأصفر، تتوسط باحة الدار في تعبير عن مقاومة واجهت عدوّاً لا يبعد سوى بضعة كيلومترات عن دارة حداد. أما مسك الختام؟ فشجرة أرز بخمسة أمتار من الطول «تظلل كل ما ينمو في حماها»، كما تقول. أكثر من 50 نوعاً من الزهور والورود والشتول في شارع أوديت، الشارع المؤدي إلى منزلها. مغتربون ومهاجرون، يشدّهم المنظر، يتوقفون ويسألون ويبدون إعجابهم ويشجعون الخطوة، بعكس البلدية التي لم تعرف الشارع منذ سنوات، كما تقول أوديت «كلّ ما تلقيته كتاب شكر من المجلس البلدي السابق»، تؤكد. أكثر من عشر ساعات يومياً تمضيها حداد، تعتني بالورود، التي زرعتها خلال 15 عاماً على امتداد الشارع الرئيسي في حارة العين في حاصبيا، محوّلة إياه من زقاق ترابي يفصل بين منزلها ومنزل جديها، إلى لوحة طبيعية تنفرد بنفسها عن البلدة لتحاكي محيطها الحرجي القريب منها. لوحة تستوقف المارّة من القرى المجاورة، فيما لا تعيرها البلدية الاهتمام الذي تستحق. تقول أوديت إنها بدأت ممارسة هوايتها في حديقة منزلها، لكنها مع مرور الوقت راحت ترمي بذور زهورها في الدار المحاذية للطريق العام، ثم عند جانبي الطريق. هواية مرتبطة بحبّ قديم للزهور وزراعتها والاعتناء بها. فهي تحلم منذ طفولتها بإقامة مملكة تجمع فيها مختلف أنواع الورد في العالم. وهذا ما حاولت القيام به فعلاً، إذ استقدمت أصنافاً جديدة من البرازيل خلال زيارة قامت بها لابنتها المقيمة هناك، وأتت بأخرى من كندا عن طريق بعض أقاربها، زرعتها كلّها على جانبي الطريق المذكورة. بعضها نما ولاقى نجاحاً، فيما فشلت أنواع أخرى لأسباب تتعلق بالبيئة والمناخ. تشرح أوديت أن ورود الشارع تختلف بين الموسمية التي تحتاج إلى تجديد كل سنة، ودائمة تجدد نفسها تلقائياً مع مطلع ربيع كل عام، ويبدأ موسم زراعتها في نهاية شهر شباط. لكن ثمة معوقات تواجه أوديت في عملها، في طليعتها المياه، حيث تضطر في أغلب الأحيان إلى شرائها، وهذا ما حصل في عدوان تموز 2006 بعد انقطاع التيار الكهربائي وتوقف ضخ المياه، الأمر الذي دفعها إلى طلب المساعدة من البلدية لكنها لم تستجب آنذاك. تحكي عن ورودها كما تحكي عن أي إنسان تهتم به: «هذه الورود بحاجة إلى تقليم وعناية خاصة مثل السماد الطبيعي ورش المبيدات كل 15 يوماً، وهو أمر يتطلب جهداً ووقتاً لأكثر من عشر ساعات يومياً، وخصوصاً أن الشارع يمثّل مدخلاً للمستشفى الحكومي في حاصبيا، كما أنه يمثّل معبراً رئيسياً بين حاصبيا والقرى الواقعة شمالاً». لذلك، تستيقظ عند الساعة الثالثة صباح كل يوم، تتفقد الشتول وتسقيها قبل طلوع الشمس. تكنس الطريق الذي هو من مسؤولية البلدية، وتشعر بأنها تتقاضى أجراً كبيراً، فهي تعتبر عملها خدمة إنسانية تؤديها من دون مقابل لكنها تأسف لأن البعض لا يميّز بين الوردة وكومة النفايات، في إشارة إلى «السيارات العابرة التي تلقي كيسا هنا وزجاجة فارغة هناك، وهذا دليل غياب الوعي في مجتمعنا». تملك أوديت عدة زراعية شأنها شأن المزارعين. وتنفق سنوياً على زراعاتها نحو ألف دولار أميركي توفرها من مصروف البيت الخاص. هنا لا بد من الإضاءة على زوجها المعلم كامل (75 عاماً)، الذي استحق لقب معلم لكونه من أقدم البنائين وأمهرهم. أمضى حياته في صقل الحجارة الصلبة، ومعظم المنازل القديمة بنيت على يديه، وإلى جانب مهنته يتعاطى تربية النحل ويتقنها كإتقانه الهندسة المعمارية. لم يبخل يوماً على زوجته في تخصيص مبالغ مالية من أجل الزهور، لكنه في الوقت نفسه يحاول إقناعها بالحدّ من نشاطها المتزايد على حساب واجباتها المنزلية. وهذا ما تعترف به أوديت نفسها حين تقول إن مصاريف الورود «تُقتطع من اللحم الحي بعيداً عن أية مساعدات». وقد حاولت أوديت مرة الاستفادة من أوراق الورود من خلال جمعها وبيعها على شكل «زهورات» لكن مردودها المادي كان قليلاً جداً، فعدلت عن رأيها حفاظاً على جمالية زراعاتها، مؤكدة أنها ستواصل عملها ما دامت تملك الصحة الجيدة. لها خمس بنات، هيفاء وهدى وهلا ووفاء ومها، ثلاث منهن متزوجات واثنتان في البيت. المقيمات في لبنان منهن يساعدنها في معظم الأعمال، لكنهن يعترضن على قيامها بتنظيف الطريق العام وكنسه لأن هذا العمل من مسؤولية البلدية، لكن أوديت تنجز عملها اليومي قبل طلوع الفجر بعيداً عن أعين الجميع. يسألها البعض إذا كانت البلدية تقدم لها مساعدات، فتؤكد أن «البلدية وعمال التنظيفات لم يعرفوا الطريق المذكور منذ سنوات». وتضيف أن النائب أنور الخليل «الذي يسلك الطريق دائماً نحو منزله، لم يتوقف يوماً لإلقاء التحية أو قول كلمة «يعطيكِ العافية». تأمل أن تلقى تقديراً على نشاطها، على غرار ما تحصل عليه يومياً من بعض المارة الذين يلقون التحية ويقولون لها عبارة تحبها كثيراً «كلّ أيامك ورد». فهذه الكلمات تساوي في نظرها مال الدنيا «أنا لا أطلب أجراً أو مقابلاً من أحد بل تقديراً وتشجيعاً». متمنية على البلدية القيام بدورها في تنظيف الطريق وكنسه أسوة بالطرق الأخرى، وخصوصاً أن مرور الشاحنات الكبيرة يترك أثراً من البحص تكنسه يومياً. شارع الورود في حاصبيا، هو المسلك والمنفذ الوحيد لعبور الشاحنات والسيارات دون المرور في وسط البلدة، لذا يستحق عناية خاصة، أقلها قيام البلدية بدورها، لا أن تترك الأمور ملقاة على عاتق هذه السيدة الستينية النشطة الدؤوبة في عملها. زهور مختلفة [اوديت زرعت شارعا باكمله (الأخبار)] كانت أوديت تود لو تنفرد حديقتها بأنواع مميزة من الورود، لكنها لا ترد طلباً لمن يقصد منزلها طالباً شتلة أو بذرة ما، حتى باتت ورودها المميزة موزّعة على قرى الجوار. من هذه الأنواع لفة القاضي، الشاب الظريف، حلق الست، فاكونيا، زهر الربيع، كاميليا ومجنون ليلى، إضافة إلى أنواع أخرى أحضرتها من البرازيل وأخرى طلبتها من كندا.
















تعليقات: