الفرديس دفعت ضريبة الدم في مواجهة الغزاة والمحتلين منذ ثورة 1925

منظر عام لبلدة الفرديس
منظر عام لبلدة الفرديس


بلدة قديمة العهد غنية بالأماكن والمواقع الأثرية ولها تاريخ حافل

الفرديس -

الفرديس لفظة آرمية مشتقة من الفرديس، وتعني الحديقة أو البستان، وهي قرية وادعة في قضاء حاصبيا، تكتنفها غابات الصنوبر والسنديان وبساتين الزيتون، يخترقها من الشرق حتى الجنوب نهر شبعا، أحد روافد الحاصباني، وهي الشقيقة التوأم لجاريتها الهبارية، وتشكل البوابة الغربية لمنطقة العرقوب وحارسها الأمين، تبعد عن بيروت 112 كلم، وتعلو عن سطح البحر 600م·

الفرديس بلدة قديمة العهد، بدليل اسمها، وكذلك منازلها، بما فيها كنيستها المبنية من حجارة ضخمة منقوش عليها الصليب والنجوم وغيرها من الأشكال، التي يعود تاريخها لعهود قديمة، وربما قبل الصليبيين، كما أنها بلدة غنية بالأماكن والمواقع الأثرية، ومنها بقايا قصر قديم في محلة وعرة العصر، وآخر في محلة الشقعة، حيث جرت معركة سوق الخان الشهيرة بين الأمير علي بن الأمير فخر الدين الثاني، وخصمه كجك أحمد، قائد الحملة العثمانية، ومنذ ذلك الحين بات الجسر الذي يربط منطقتي حاصبيا ومرجعيون بالعرقوب عبر ضفتي الحصباني، يعرف بجسر الشقعة

· وقد دمر الجسر خلال عدوان تموز، والعمل جارٍ حالياً لإعادة بنائه بالشكل الذي كان عليه

· ومن أماكن الفرديس التاريخية ايضاً ما يعرف بالكوة، وهو نفق كبير يربطها بمجرى الحصباني، وبعمق عشرات الأمتار تحت الأرض· يبلغ عدد سكان الفرديس حوالى 1000 نسمة ينتخب منهم بحسب لوائح الشطب المسجلة في سجلات النفوس 450 ناخباً وناخبة، وجميعهم من الطائفة الدرزية، بعد أن هجرها جميع اخوانهم المسيحيين في الأربعينيات إلى ديار الإغتراب، وخاصة إلى أميركا اللاتينية، ولم يعد منهم أحد إلى بلدتهم مسقط رأسهم·

الفرديس شأنها شأن باقي شقيقاتها العرقوبيات، لها تاريخ حافل بالتضحيات والمواقف البطولية والوطنية المشرفة، وهي التي شاركتهم في دفع ضريبة الدم في مواجهة الغزاة والمحتلين·

ففي ثورة 1925، احترقت جميع منازلها واستشهد من استشهد، ومن بقي على قيد الحياة فانه نزح نحو الجليل الأعلى داخل فلسطين المحتلة·

وفي العام 1972 وأثناء عملية خاطفة لجيش الإحتلال الإسرائيلي على منطقة العرقوب، قدمت الفرديس الشهيدان سلمان وحسن سليقا·

وفي العام 1978 وعند مدخلها الغربي تحطمت اسطورة الجيش الذي لا يقهر حين التحم شبابها الأشاوس وعدد من اخوانهم الفلسطينيين، في معركة عنيفة مع جنود العدو الإسرائيلي الذين حاولوا دخول البلدة، فسقط منهم الشهداء أحمد وعماد نصر وهيام سليقا·

وبالأمس القريب قدمت شهيدها أسعد نصر، الذي قضى بقذيفة اسرائيلية استهدفت منزله مباشرة خلال عدوان تموز، ناهيك عن العشرات من الشهداء والجرحى والمعوقين، الذين سقطوا جراء الإعتداءات الإسرائيلية المتكررة منذ العام 1969 وحتى يومنا هذا·

هذا فضلاً عن الخراب والدمار اللذين لم يسلم من شرهما منزل واحد، إلا أن ارادة أبنائها وتصميمهم على الصمود والتشبث بالأرض، كانت أقوى من ذلك، وكانوا في كل مرة يعيدون بناء ما تدهم مهما غلت التضحيات، من أجل تفويت الفرصة على العدو الإسرائيلي ومخططاته العدوانية التوسعية·

حكاية الفرديس مع المعاناة طويلة ومزمنة، وتعود لأربعة قرون خلت، بعد أن تخلت الدولة عنها· سليقا

رئيس بلديتها أنيس سليقا، الذي أعيد انتخابه بالتزكية في العام 2004 على رأس مجلس يضم 9 أعضاء، يشير إلى "أن ما عانته بلدتنا منذ مطلع الستينيات لم تعانيه أية بلدة في الجنوب، نظراً للحرمان والإهمال والتقصير، الذي لحق بها طيلة هذه الفترة، رغم كل الصعوبات والمعاناة التي واجهناها ومازلنا من قبل العدو الإسرائيلي، الذي مازال يتربص بنا شراً، من مواقعه المقابلة لبلدتنا في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، والدولة كانت غائبة عنا على كافة الصعد"· وقال وانطلاقاً من هذا الواقع الأليم والمزري، لم يبقَ أمامنا سوى الإعتماد على أنفسنا، لتجاوز مثل هذه الصعوبات والمشاكل، التي تعتصرنا، وفور تسلمنا مهامنا البلدية في العام 2001، وانطلاقاً من رؤية تنموية، عقدنا العزم على مسح صورة الحرمان والإهمال عن البلدة، للتخفيف من معاناة الأهالي، وبالرغم من امكانياتنا المادية المتواضعة، تمكنا من تحقيق العديد من المشاريع الضرورية والملحة منها، استبدال شبكة مياه الشفة بشبكة جديدة، وبناء قصر مائي جديد بدلاً من الخزان القديم، اعادة تأهيل شبكة الكهرباء الداخلية، وانارة جميع أحياء وشوارع البلدة، جر مياه نبع الغابة إلى البلدة، واقامة منهل له في ساحة البلدة العامة، بناء العديد من جدران الدعم على جانبي الطرقات وعند مجرى النهر، حفاظاً على سلامة المواطنين من الفيضانات، انشاء محطة ضخمة لتكرير الصرف الصحي مع شبكة جديدة لها بالتعاون مع "مؤسسة مرسي كور"، اعادة تأهيل وتعبيد الطريق الرئيسي في البلدة بمساعدة النائب بهية الحريري، اقامة حديقة عامة بالتعاون مع الكتيبة الهندية، شق وتأهيل العديد من الطرقات الزراعية إلى جانب نفذت البلدية العديد من المشاريع الأخرى بالتعاون والتنسيق مع "مجلس الجنوب" و"برنامج الأمم المتحدة الإنمائي" و"جمعية حماية وتنمية الثروة الحرجية"، و"منظمة الإسعاف الدولي الفرنسي" وغيرها من الجمعيات والمنظمات الإنسانية المحلية والدولية·

وأضاف سليقا: إن البلدية وضعت خطة انمائية شاملة للبلدة، وأعدت الدراسات اللازمة للمشاريع التي مازالت البلدة بحاجة لها وبحسب أولوياتها، وفي مقدمها بناء مركز للبلدية، وانشاء شبكة لأقنية الري، واستكمال ما تبقى من بناء جدران دعم وما شابه، كما وللبلدية دور ايجابي في دعم ومساعدة الفقراء والمعوزين والمعاقين من أبناء البلدة، وكل ذلك يتطلب ميزانية تفوق قدرة البلدة على تحملها، لذلك نأمل من المعنيين الإفراج عن الأموال المجمدة في صندوق البلديات، ورفع قيمتها إلى ما كانت عليه سابقاً، كي تتمكن من تحقيق ما نصبو إليه

· المختار نصر

من جهته المختار فريد حسن نصر لفت إلى مشكلة الزراعة، فقال: إن 90% من أبناء البلدة يعتمدون بشكل أساسي في معيشتهم على الزراعة، وخاصة زراعة الزيتون، وهذا المورد يشكل ركناً أساسياً لأبناء البلدة، ويساعدهم على الصمود والتشبث بالأرض، وتجاوز الحد الأدنى من الصعوبات الحياتية والمعيشية، التي تواجههم خاصة في ظل الظروف الإقتصادية الضاغطة التي تتحكم بالناس من كل الجهات، ومع ذلك كله نرى أن الدولة غائبة عنا كلياً، فهي في واد والمزارع في وادٍ آخر، لا مساعدات، ولا تقديمات، ولا من يحزنون"·

وتابع: انتاجنا من الزيت في الموسم الماضي مازال أسير الخوابي والبراميل، والموسم الحالي شارف على نهايته ومصيره لن يكون أفضل من الموسم السابق، وهنا يحق لنا أن نسأل المعنيين، لماذا هذا الإجحاف، ولماذا هذا التقصير تجاه هذه المنطقة؟ ألا يحق لأهلها الصابرين الصامدين دعمهم ومساعدتهم أسوة بباقي المناطق الأخرى؟ وأين هي التعويضات المستحقة لنا، أقله عن الأضرار التي لحقت بأملاكنا خلال عدوان تموز، والذي أتلف مساحات واسعة من أملاكنا المغروسة بأشجار الزيتون والتين والكرمة والصنوبر وغيرها من الأشجار المثمرة؟ وأين حقوقنا من التعويضات المقررة لأبناء الجنوب منذ العام 2000 وفاء لصمودهم؟

وختم نصر بالقول كنا نعلم الأوضاع المالية والسياسية الصعبة، التي يعيشها البلد في هذه المرحلة، لكننا لم نجد ما يبرره لجهة هذا الإهمال والحرمان والتقصير تجاه الناس خاصة في منطقة العرقوب·

تعويض الحرمان

المواطن زياد سليقا، رأى "أن المطلوب من الجهات المعنية في الدولة، إيلاء منطقتي العرقوب وحاصبيا اهتماماً خاصاً على كافة المجالات، للتعويض عما لحق بهما من اهمال وحرمان، منذ أمد بعيد"·ولفت إلى أنه "لولا الدور الإيجابي الذي لعبته البلدية منذ العام 2001 وحتى اليوم، لجهة ما قدمته وما نفذته من خدمات ومشاريع انمائية في البلدة، لكانت في حالة يرثى لها، لأن المواطن لا يمكنه الصمود دون تأمين مقومات لذلك·

ونبه سليقا إلى "مشكلة القذائف والقنابل العنقودية، التي خلفها عدوان تموز الماضي على مساحات واسعة من أراض الفرديس، خاصة الزراعية منها"·

وشكر "الجيش اللبناني وقوات "اليونيفيل" على ما يبذلاه من جهود لتنظيف المنطقة من هذه الموبوءات" ومطالباً "الإسراع في تنظيف ما تبقى منها، لأنها تشكل خطراً داهماً على حياة المزارعين، طالب الدولة بدفع التعويضات المستحقة لأصحاب الأملاك التي تشغلها قوات الطوارئ الدولية منذ العام 1978"·

وأكد سليقا على العلاقة المتينة التي تربط أهالي بلدته بباقي جيرانهم، والقائمة على المحبة والتعاون والإحترام المتبادل، والإلتفاف حول بعضهم في السراء والضراء، بعيداً عن الفتن والمشاكل الطائفية والمذهبية، عملاً بحكمة وتوجيهات المعنيين والعقلاء في هذه المنطقة، وخاصة النائب أنور الخليل، الذي يلعب دوراً ايجابياً في هذا المجال، مع كافة الفرقاء بكافة انتماءاتهم الدينية والطائفية والسياسية من أجل تجنيب هذه المنطقة مشاكل نحن بغنى عنها"·

تعليقات: