المجلس الثقافي وبلدية صربا كرّما الباحث والفوتوغرافي ميشال حايك


صربا :

كرّمت بلدية صربا (النبطية) بالتعاون مع «المجلس الثقافي للبنان الجنوبي» و«جمعية بيت المصور في لبنان» و«لجنة تكريم الراحل ميشال حايك» الباحث والفنان والمصور الفوتوغرافي ميشال الياس حايك، في ذكرى مرور أربعين يوماً على رحيله، في قاعة وقف صربا بحضور النائب عبد اللطيف الزين والنائب ياسين جابر ممثلاً بالسيد ناجي جابر والنائب علي عسيران ممثلاً بالدكتور علي العزي ورئيس بلدية صربا المحامي الياس الحلو ورئيس بلدية رومين يحيى جوني ورئيس فرع النبطية في المجلس الثقافي المحامي سمير فياض وحشد من الفاعليات الثقافية والاجتماعية والروحية والفنية والإعلامية.

وتحدث أولاً الزميل كامل جابر باسم جمعية بيت المصور فقال: «ها أن صانع الذاكرة في صربا، يسبح في بحرها؛ يسجّل لأبناء قريته فصول حياتهم الجميلة، وتعبها الآمن، وأفراحهم، وانغماسهم في الجد ولقمة العيش، ويختزل بعينيه حقبة واسعة من ذاكرة أهله وناسه، ويبحر مطمئن البال، في دربه الذي كان يحسب له أوان السفر. لم يصنع ميشال حايك ذاكرة قرية فحسب، بل صنع ذاكرة وطن، وعينه التي تنبهت إلى حياة أهلنا قبل انحلال عقود البيوت، وهدوء المحادل في زوايا النسيان، وسيادة الصمت فوق بسط البيادر، وانفكاك الأواصر الإنسانية، وتباعد العلاقات العائلية والاجتماعية، وقبل أن تسرقنا المدينة، هي عينٌ غير عادية، هي عينُ مفكر ومبدع وفنان. وأنا لم أقل هذا الكلام مرة ومرتين وثلاثاً لأداري شعور الأستاذ ميشال أو من باب المزايدة، بل قلته اقتناعاً من واقع ما حفظه لنا ميشال حايك على مدى ثلاثة عقود من الذاكرة المصوّرة، تأرجحت بين الأبيض والأسود، ثم الملون، ووثق هذه المشاهدات الرائعة بالكلمة والتاريخ والأسماء والأرقام؛ واستطاع بما تبثه لقطاته من مشاعر إنسانية وبساطة عيش، أن ينقلنا إلى تلك البيئة التي أحاطت بصربا وحيوات أهلها لا أن ينقلها إلينا، وهذا إنما فعل المبدعين».

وأضاف: «لم يخش ميشال الياس حايك الموت، بل رآه يقترب منه، وظل متمسكاً بإيمانه في أن الموت حق. لكن ثمة حلماً كان يسرق النوم من عيني صديقنا، ألا وهو أن تصدر مجمل صوره في كتاب يحمل اسم صربا، وهو لم يشأ بذلك أن يزيد كتاباً إلى رصيده الموسوعي النباتي، بل أراد لهذه الصور أن تعيش وتعيش، وتعيش معها الأجيال الآتية بعد عقود وقرون حياة أجدادنا، لأن خبء الخزائن تأكله الرطوبة ويحرقه النسيان والإهمال. وأنا هنا لا أشكك لحظة بغيرة عائلة ميشال حايك الكريمة، في أن تجعل من أمنيته وصيةً وتسعى لتحقيق هذا الحلم، لكن أدعو من هنا، لأن تتظافر كل الجهود، وعلى أكثر من مستوى، لا سيما من أبناء صربا لتشجيع ودعم صدور هكذا كتاب، ليكون ثروة وأيقونة، تزين كل بيت ودار ومكتبة».

وختم جابر: «بعد مباركة عائلة الفقيد ميشال حايك، وتوصية لجنة تكريمه الموقرة، أصدرت «جمعية بيت المصور في لبنان»، بدعم وتعاون من بلدية صربا الموقرة ورئيسها المحامي الأستاذ الياس الحلو، و«لجنة تكريم الراحل ميشال حايك» و«المجلس الثقافي للبنان الجنوبي» و«معرض خليل برجاوي لطوابع البريد» و«النادي اللبناني لهواة الطوابع والعملات» ستَّ بطاقات بريدية، بمواصفات عالمية، تحية لروح فقيدنا الغالي، ولكي تكون بين أيديكم تذكارات من الراحل الكبير وما حصدته عيناه من مشاهد القرية اللبنانية التي كانت تشكل صربا من خلالها إنموذجاً رائعاً. ولتكُنْ هذه البطاقة عربونَ محبة وتقدير للراحل الغالي، ولكل بيت في صربا، وفي الجنوب وفي كل لبنان، ولتكن كذلك اللُّبْنَةَ التي تحتذى في فكرة تحقيق حلم ميشال حايك وإصدار كتاب يحمل اسمه، وقبله اسم قريته صربا التي عشقها إلى أبعد الحدود، وأعطاها من روحه ووقته وعقله وقلبه إلى حدّ تخليدها».

وتحدث رئيس بلدية صربا المحامي الياس الحلو، فقال: «ذاكرة صربا، لقب عرف به الراحل ميشال حايك. رحل وبقيت الذاكرة حاضرة في الواقع والبال وعلى مدى الأجيال القادمة. سيبقى ذاكرة الجمال في بلدتنا، ذاكرة التراث، الطيبة، التاريخ. فكل فرد سيعايش بالصورة ما عاشه أجدادنا وما خبروه على مدى فترة من الزمن فاقت عدة عقود منه، خطها بعد ستة بدل القلم، ظهرها لوحات تكاد تنطق بالتاريخ وتخبر عن نفسها حتى عمق المعرفة».

وأضاف: «أما عن العلم فموسوعته العلمية تخبر عنه وتردد. علم الطبيعة بالأعشاب والأجناس، لامست بأهميتها واقع مثيلاتها بهذا الفن. ثروة علمية تركها، وأرثاً يذكر به مع كل دراسة أو تحصيل علمي يحتاجه الناس على مدى الأجيال القادمة. إن صربا تفتخر بكبارها وفيها الكثيرون في شتى المجالات والاتجاهات توزعوا على مدى الوطن وفي المهجر. في الختام تحية إكبار لإنجازات أتمها في حياته، رحم الله ميشال حايك الذي سيقى حياً بذاكرة صربا كما جسدها في يوم من الأيام».

والقى الفنان شربل فارس كلمة المجلس الثقافي للبنان الجنوبي فقال: «عام 2014 كنت معنا، كرمناك في المجلس الثقافي للبنان الجنوبي وتكرمنا بك، وفي هذه القاعة بالذات رفضت أن تجلس في الصف الأمامي، بل انزويت في آخر صف تبكي بصمت. اليوم، وبعد أربعين يوماً من الغياب، نحتفل بحضورك الطاغي، ليس في الصفوف الأمامية، وإنما في القلوب، وليس بجسدك الذي يعود إلى التراب، بل بروحك، بوهجك، بالإرث الذي تركته لنا وفينا، وجعلتنا في حيرة من أمرنا، وهل نحن على قدر المسؤولية يا ميشال؟».

وأضاف: «كيف لنا بعد أربعين يوماً على رحيلك، أن نوثّق مسيرتك الإبداعية، أن نقدّر أبحاثك الخلاقة، أن نحيط بأربعين سنة من جهدك المتألق، المضني في تسطير وإصدار سبعة مجلدات من موسوعة النباتات الطبّية وتلحقها قبل رحيلك بمجلد ضخم تحت عنوان «موسوعة النباتات الميسرة»؟ كيف لنا نحن أبناء صربا، أن نكتب تاريخنا لولا أرشيف ميشال حياك المصور، أن نتصفح حقولنا وبيادرنا، أفراحنا وأتراحنا، عاداتنا وعادياتنا، مواردنا، أرزاقنا، تعاقب أجيالنا، وجوه أجدادنا وأهلنا، لولا عدسة ميشال حياك وحبه لقريته حتى العبادة ولفلاحيها حتى العشق؟».

وتابع فارس: «منذ العام 1959 وميشال يدوّن بصوره «ذاكرة صربا» في فيلم وثائقي يخص ذاكرتنا على مدى نصف قرن، ويؤكد حضورنا الأبدي على هذه الرابية الجميلة المدعوة صربا. وفي أكثر من أربعة آلاف صورة كان «أبو كلارك» حاضراً ناظراً بكل شفافيته وغنائيته، يرصد نبض الأهل ويمسح بيده الخضراء آشعة الشمس في حواكيرنا، يلملم من حقولنا حبيبات العرق المتساقطة من وجوه أجدادنا، وينسج من تجاعيد جباههم رداءً صوفياً في ليالي الشتاء العاصفة، ومن على بيادرهم شوالات القمح المحمولة على آهات العتابا والميجانا، ومن زواريب الضيعة وشوشات العشاق ووقع حوافر البقرات، والحمدلله والعوافي في زوادة الرعيان، ويطل من عدة زوايا على ساحتها العتيقة يجمع غمار الغبار ويرسم به أيقونة التآخي والحب. ويدور حول مجوز يوسف نجم في حلقات الدبكة ويقطف من شفتي الفتاة السمراء الدلعونة الغنوجة ويحركش بها الفتى الأسمر الماسك على الحاشي. آه من شيطنة كاميرا ميشال حايك ومن ذكاء عدستها ومن شاعرية الفنان الذي يحملها. كاميرا بانورامية صالت وجالت في عصر صربا الذهبي، في الستينات والسبعينات، وفي وقت كنا نودع فيه قريتنا الجميلة وننزح إلى المدينة مهجرين في أحزمة بؤسها ومشردين على دروب الاسفلت السوداء».

وختم متسائلاً: «ماذا بقي من ذاكرة صربا غير تلك الصور الشاعرية الموثقة التي تركها ميشال حايك؟ وماذا بقي من ذاكرة جيلنا نحن أبناء الخمسينا والستينات والسبعينات غير مرحلة الطفولة التي كنا نتحلق فيها حول ذلك الشاب المثقف العصامي، قصير القامة، أنيق المظهر، سريع البديهة وسريع الغضب، خفيف الظل، طيب القلب إن بمزاج حاد ومبادئ صارمة؟ كانت تزنر وجهه الأسمر البشوش «عوينات سوداء» غاوية تثير فينا نحن الأطفال حفاة الأقدام الكثير من الهيبة والقليل من الخوف. من رقبته تتدلى كاميرا شبه بوليسية تصطادنا واحداً واحداً أو مجموعة مجموعة في لعبنا وطيشنا وشيطنتنا حتى إذا ما شاهده أحدنا من بعيد صرخ: «اهربوا إيجا ميشال سعيدي». محظوظ جيلنا الذي عاصر ميشال حايك في عز عطائه وتألقه...».

وألقى إبراهيم الحلو كلمة «أصدقاء الفقيد» فروى قصصاً عن ميشال حايك «الذي كان قد أضاف إلى مخزونه الثقافي القروي قيمة ثقافية إضافية أخرى، بحكم انتقاله إلى المدينة، إنما لم يمنعه هذا من الاستمتاع بمواويل العتابا وأبو الزلف وحلقات الدبكة الدلعونية التي كانت تدور ايقاعاتها على نغم شجي ينساب من مجوز يوسف نجم الحلو؛ دون أن يمنعه ذلك من تذوق غناء الطرب العربي الأصيل لأم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وغيرهما وكذلك الغناء الغربي لفنانين كبار أمثال فرانك سيناترا وغلبيرت بيكود ومونتاند إيفز وأديت بياف، أضف إلى شغفه بالموسيقى الكلاسيكية من أعمال بيتهوفن وموزارت وباخ. لم يشأ ميشال حايك الاحتفاظ لنفسه بما اكتسبه من مخزون ثقافي بل شرع يوزعه على المقربين منه لمساعدتهم على تذوقه وبالتالي مشاركته الاستمتاع بما اكتسبوه».

وعرض لمسيرته الطويلة في اكتشاف علم النبات وتدوينه وتوثيقه بست لغات عالمية «حتى اكتشف صنفاً جديداً من بخور مريم في منطقة وادي نهر إبراهيم أطلق عليه اسم فؤاد أفرام البستاني... أحب ميشال حياك الحياة بنهم لا يوصف وكان كلما عثر على شيئ يبحث عن آخر يجهله، وبالرغم من تلقحه بالثقافة الغربية لم يتنكر يوماً لأصوله القروية... إن تكريم ميشال حايك الحقيقي هو أولاً الحفاظ على ما خلفه لنا من تراث. وثانياً نشر هذا التراث ليطلع عليه الجميع وبشكل خاص إكمال المسيرة التي لن يهنأ لميشال بال حيث هو إلا متى عرف أن مبادرته في التصوير وحب الأرض لن تتوقف حيث انتهت معه، بل أن تستكمل على أيدي بحاثين جدد يكملون المشوار، فالأرث الذي تركه لنا الصديق والراحل الكبير لهو كنز لا يثمن لعائلته الضيقة وكذلك لعائلته الكبيرة المجتمع الصرباوي بكل تكاوينه».

وكانت كلمة لكلارك ميشال حايك باسم العائلة قال فيها: «كان أبي طوال حياته متفرغاً للعمل في أبحاثه عن الأرض والزراعة وتتمحور جميع أعماله حول دراسة بنيوية للأعشاب الطبية في لبنان أثمرت موسوعة متألفة من سبعة أجزاء وعدة كتب ومنشورات، وكان لديه شغف كبير في العودة إلى كنف ضيعته الغالية صربا وترابها. ميشال حايك ترك إرثاً قيماً منذ نشأته وكان له من الهواية أن أرشف صوراً لصربا القديمة منذ ستينيات القرن الماضي وطريقة العيش في ذلك الزمن، إلى أن بدأت ملامح التمدن تدخل إليها في أوائل السبعينيات».

وختم: «سأقول وداعاً أبي الحبيب، أنا وآلان ومارك، نعاهدك بأن نكون كما تمنيت دائماً وسنكمل بعدك المسيرة. وباسمي واسم عائلة ميشال حايك أشكر جميع من ساهم بإنجاح هذا التكريم».

بعدها جرى توزيع هدايا من ست بطاقات بريدية على الحضور، تتحدث عن حياة القرية في صربا مصورة بعدسة ميشال حايك بين العام 1963 و1968. من إصدار الجمعيات المشاركة بالتكريم. وقدم الفنان محمد رعد لعائلة حايك لوحة تحمل اسم الفنان حايك رسمها خلال حفل التكريم. كما قدمت لجنة تكريم ميشال حايك صورته لعائله وزوجته.

ثم جرى افتتاح معرض صور فوتوغرافية من أعماله المتنوعة بين الأبيض والأسود والملون بحضور النواب الزين وجابر وعسيران أو ممثليهم والفاعليات الثقافية والحضور.










































تعليقات: