كفررمان تحيي ذكرى الشهيد الدكتور حكمت الأمين


كفررمان :

في ذكرى مرور 27 عاماً على استشهاد «طبيب الفقراء» الدكتور حكمت الأمين ورفاقه، في غارة اسرائيلية على مقر اللجنة المركزية للحزب الشيوعي اللبناني في الرميلة عام 1989، أقامت النجدة الشعبية اللبنانية ونادي التحرر في كفررمان احتفالاً حاشداً في قاعة «الشهيد الدكتور حكمت الأمين» في نادي التحرر، حضره أمين عام الحزب الشيوعي اللبناني حنا غريب وأعضاء من اللجنة المركزية للحزب، يوسف الحاج ممثلاً النائب عبد اللطيف الزين، رئيس بلدية كفررمان المحامي ياسر علي احمد على رأس وفد من اعضاء المجلس البلدي وممثلون عن الاحزاب والقوى السياسية والاجتماعية والثقافية والتربوية والصحية والطبية، فضلاً عن الحضور الرعاية للفنان مرسيل خليفة.

وبعد قصيدة وكلمة ترحيبية من الشاعر حسين شكرون، وعرض وثائقي من إعداد الإعلاميين كامل جابر وعلي زيباوي، تضمّن كلمة للشهيد الدكتور حكمت الامين تذاع للمرة الأولى منذ استشهاده، تحدث رئيس النادي كمال حمزة فقال: " كفررمان ولاّدة، أم حكمت الأمين، وذلك المناضل العنيد والطبيب والإنسان. من ماء نبعها شرب فأزهرت يداه عطاءً وبذلاً، ومن زرعها اقتات فتفتح ذهنه معارف وانفتاحاً. ومن مشاربها ارتوى فكان النفس الشافي لكل مريض، طفلاً كان أو امرأة أو رجلاً أو عجوزاً. يا طبيب الفقراء، كفررمان كماعهدتها تعاند الزمان، وتشاكس، تجابه، تعارك، وترفع الصوت في الميدان. وكما أردتها تحتفل بالعمال والكادحين وتحتضن القريب والبعيد...».

والقى رئيس النجدة الشعبية اللبنانية المهندس رمزي عواد كلمة النجدة الشعبية فعاهد فيها الشهيد «أننا سنبقى أمناء على أحلامك وتطوير المؤسسة التي بنيت لتبقى رافعة شعارك معاً من أجل الإنسان».

وبعد قصيدة للشاعر مصطفى سبيتي وقصيدة للشاعر خليل ابو زيد، ألقى الدكتور وفيق ريحان كلمة «أصدقاء الشهيد»، فعرض للطموحات الكبيرة التي زرعها الدكتور حكمت، وكان يعزم على تنفيذها ومن بينها «تعزيز الروابط بين مستشفى النجدة الشعبية والمراكز الصحية والرسمية أو الأهلية المتشرة على أرض الجنوب في إطار خطة صحية محورها النجدة الشعبية. إنشاء مدرسة مهنية للتمريض باسم النجدة الشعبية في مدينة النبطية وترخيصها بصورة رسمية، تعزيز النشاطات الاجتماعية والثقافية والتربوية والتواصل مع الشبيبة بالوسائل كافة، تشجيع المنح الدراسية في حقل الطبّ في لبنان والخارج وتأمين مصادر المساعدة على هذا الصعيد، تشجيع الشباب على العمل الرياضي والابتعاد عن المخدرات" وكل ما يسيء إلى صحة الإنسان».


ثم كانت كلمة الفنان مارسيل خليفة فقال:

«إلى الرفاق: أبو جمال، أبو ذيب، عماد البيطار، ميرفت عطوي، لينا مزرعاني، بسام شقير وعلي هزيمي...

أهدي هذا البوح

حكمت الأمين

ننثر هذا المساء وردَ الحبّ على اسمك المتموّج بين الحضور، ونفرغ دمع العنب في كأسك ونرفعه إلى السماء.

لم نجتمع الليلة إلاّ لنحبّك أكثر.

نحن هنا للاحتفال بقدرة روحك الإنسانيّة العالية على تعميم الرّجاء والخلاص، والعزاء لمرضى لم يموتوا، ولأحياء لم يضيقوا ذرعاً بالحياة.

نحن هنا لتحيّتك...

حكمت الأمين: ذاتٌ ذابت في كلّ واحد منّا ومناضلٌ للصمود والأمل، ويكفي أنّه فتح للناس باب فردوسه على مصراعيه وقلبه لا يتعب من أعباء الحب.

الطبيب المبتسم المتواضع، كان صديقي وصديق الكل. التقينا ذات مساء في مدينتنا: أنا القادم من جبل لبنان وهو القادم من جبل عامل كأننا لبنانيّان منفيّان في قلب الوطن.

الآن لا أتذكّر شيئاً لأنّك معي على هذه الورقة البيضاء في هذا المساء العاصف.

حكمت الأمين مستشفى النبطية في مكانها هنا. انظر من علّ إلى ما اقترفت يداك من حب عظيم. ذهبت إلى تراب الورد ولم تحظَ بدخول المستشفى- الحلم ولكنها حملت اسمك.

تعود اليوم وكأنك لم تذهبْ وصورتك الوحيدة معلقة على الحائط. وحدك بقيت كما أنت؛ ونبتت أعشاب كثيرة على جدران البيوت ولكن نسيانك مستحيل.

كيف ننسى؟ من ينسى؟

من ينسى نبع عطائك، قمحك، وخمرك نشربه حتى الثمالة في سهرات حميمة.

نرى الغموض في غيابك يلسعنا ولكن في أعماقنا أغنية خفيّة كنا نغنيها، وشفّة من دمع العنب نرتشفها.

كاسك يا صديقي.

أذكر بعد الـ78 كيف بقيت هنا وحدك تلبّي نداء الإغاثة. الكلّ غادر ولكنك أصرّيت على البقاء.

لم تغلق الباب في وجه أحد وحتى في أحلك الظروف.

كم كان نور الشمس يملأ قلبك بالصحو وكم كنّا نأتي إليك كلما شعرنا بحاجة إلى أمل لتؤنسنا وترشدنا إلى المستحيل.

إغرس فينا فيضك وإنسانيّتك.

من لا يحبّك فلن يحبّ أبداً.

كم حرمت ليلك من حقّه في النعاس بهدوء الطبيب الساهر على آلام مرضاه، تدنو وتحنو ويدك تتلألأ وتسهر حتى صباح الليل.

أيّها الحالم الجميل!

نمشي باتجاهك على ماء أحلامك.

أفرغتكَ الحياةُ القصيرة من جسدِك ولكن روحك عششت في قلوبنا وحفرنا اسمك وشماً على أجسادنا.

ما زلت أسمع أنين الرمل على شاطئ الرميلة حين جاءت الطائرات من صوب البحر ورشّت حقدها على البشر والحجر. وأذكر يومها بأنني أسندت رأسي إلى نجمة شردتني من يقظة صرختك واخترقتني.

أنظر من بعيد إلى مدرسة «الفرير» حين حملنا بيوتنا على أكتافنا هرباً من الطوائف «الداشرة» والتجأنا إلى رصيف الحلم والحبّ، نأكل الطعام المعلّب. وكم كان يلسعنا رحيق زهر الليمون الآتي من ما تبقى في بساتين صيدا.

كيف نعيد البداية يا رفيقي...!

الوطن على حاله والحياة على حالها وما زال كل شيء على حاله.

تعال لنعود إلى أرض الحكاية.

تعال نقرأ على رمل الشاطئ آثارنا.

هل الممرات منغلقة في السماء كما هي على الأرض؟

ماهذا الموت الصريح؟

لتُعَاش الحياة وتعاش بكاملها.

إن الحياة ما زالت ممكنة: سنعيش جيلاً بعد جيل حتى "نلتقي بعد قليل.. بعد عام.. بعد عامين وجيل" كما تقول الأغنية التي أحببتّها.

لا أنسى تلك السهرات الحميمة التي تشبه الحلم، وفي آخر السهرة كان يوقظنا صوت حارس الليل حين يغنّي، ليطرد الخوف:

«كان لا يتعبنا في الليل إلاّ صمته، حين يمتدّ أمام الباب! كالشارع، كالحي القديم».

أما زلت تذكر اسمه؟

كان يمشي ولا يكلّ تحت قمر يافع يطلّ من وراء الجبال.

وفي ذلك اليوم مشى على زغب الأرض ونام.

إنهض يا ثائر! يا عاصف زندك، فالأعالي تشتهي، تعشق بندك. ما هو العالم بعدك؟

رأيت قمراً ناصع الحزن يرشدنا إلى طريق الوطن، وناراً تؤجّج علماً ونشيداً.

كيف نخفّف من حمولة المكان الكثيف.

نمشي إلى معنى لم نصله بعد! هل نستطيع أن نلمس ذلك السراب الذي يتراءى لنا؟

نحتاج كثيراً إليك كي لا نتعب أكثر. ولن نقلع عن شغف انتظارك.

هل ثمة صمت؟

نعم!

نرهف السمع إلى صوت الصمت.

نصغي إلى صمتك.

مرت الأيام بطيئة كدهر وسريعة كومضة.

نتمسك بالنور وكلّ شيء معتم.

نقاوم هذا الإعصار بعود ثقاب الحب.

وكلما ضاقت الأرض بنا نوسعها بجناحك لتتّسع.

حملت الحب ونور الخبز وخمره

بلا خمر لا يؤكل الخبز.

الخبز ناس بلا خمر.

الخبز يابس بلا فرح الخمر وصوفية نشوته.

بارقة- أملك- تعطينا قوة للبقاء والحياة.

على رغم ذلك: هل من بارقة أمل؟

نعم! سيظل صوتك يمسكنا من يدنا في الظلام ويقول:

- لا تخافوا، انتظروا دائماً بشرى جميلة.

سنمسك هذا الأمل المطلّ كما يمسك الغريق خشبة الخلاص.

أكثير يا صديقي أن نحلم بهذا القليل؟

لعلّ ذلك هو المستحيل ولكننا نرجوا المستحيل ونتطلع إليه لأنه وحده الحلم على ابتكار الجهات.

حكمت الأمين أدمنت الحضور في هذا الغياب الطويل.

أيّها الصديق الجميل

شكراً لك».

من الأرشيف:



















تعليقات: