نبيل هيثم: التفاؤل الإنتخابي .. جدِّي أم وهمي؟

الإعلامي نبيل هيثم: هل يمكن أن تُترجَم المناخات الإيجابية بقانون جديد قريباً؟
الإعلامي نبيل هيثم: هل يمكن أن تُترجَم المناخات الإيجابية بقانون جديد قريباً؟


مناخاتٌ إيجابية وتفاؤلية جرى إسقاطها في الآونة الأخيرة على المسار الانتخابي، القوى السياسية على اختلافها صارت تقدّم خطاباً سياسياً ينعى قانون «الستين» ويقدّمه كذكرى مشؤومة أسّست للهريان السياسي الذي حكم البلد لسنوات. ويقارب النظام النسبي كخيار لا بدّ منه لإعادة بثّ الحيوية في شرايين الشراكة والتمثيل الصحيح.لا مفعول فورياً لمناخات التفاؤل تلك، سوى أنها خفضت سقف الخطاب السياسي، ونقلت البلد من حال تشنّج على الجبهات الانتخابية كلها، الى حال ترقب وانتظار متى وكيف ستتَرجَم هذه المناخات.

أكثر من ذلك ولّدت سؤالاً يتردّد في أوساط سياسية مختلفة: أيّ «كلمة سرّ» أمرت بهذه المناخات، ومن أين أتت، هل هي تولّدت عن تقاطعات داخلية، أم أنها أُسقطت على البلد من خارج الحدود، وهل كان لوجود الوزير السعودي ثامر السبهان دورٌ في ذلك؟

ربما تبلور الأيام المقبلة جواباً ما، لكن إذا ما تعمّقنا حالياً في قلب الصورة الانتخابية، ربطاً بهذه المناخات، يظهر أنها- حتى الآن- إيجابية تفاؤلية شكلاً، إنما هي ضبابية ضمناً، فلا شيء ملموساً في اليد بعد، والجبهات السياسية ما زالت متاثرة بتردادات الاشتباكات الانتخابية التي تصاعدت بشكل كبير في الفترة الأخيرة.

قد تبدو لعبةُ المواعيد التي قفزت فوراً الى الواجهة فجاة، ووعدت اللبنانيين بقانون جديد خلال أيام، تنطوي على محاولة لإضفاء جدّية كبرى على الإيجابيات النظرية، وبالتالي قطع حبلِ التشكيك الذي ما زالت تطوِّق به الغالبية الساحقة من اللبنانيين، كلّ المسار الانتخابي وتوابعه السياسية، لسبب بسيط هو أنّ البلد بين فترة وأخرى يصعد فجأة ويهبط فجأة على الإيقاع الانتخابي، فمن اللحظات الأولى للنقاش الانتخابي والغوص في الأفكار والصيغ المتناقضة، تأرجح البلد ما بين هبّة باردة تشيع مناخاً إيجابياً حول مسار النقاش، وهبّة ساخنة سرعان ما تهبّ فتعيد الأمور الى نقطة الصفر تبعاً للأمزجة السياسية المتقلّبة والإرادات المتصارعة بين مَن يعتبر أنّ الأمان لا يتحقق إلّا بقانون انتخابي جديد قائم على قاعدة تمثيل ومعايير عادلة للجميع، وبين مَن يصرّ على منع الوصول الى أيّ صيغة انتخابية تُنزله عن عرشه النيابي أو تمنعه من محاولة توسيع رقعته التمثيلية على حساب آخرين.

في هذا الجوّ، سؤالٌ يفرض نفسه: يُقال إنّ القانون الانتخابي الجديد سيبصر النور خلال أيام، لكن هل هذه المدة كافية لتوليد قانون، ماذا لو لم يولد، وماذا لو مرّت هذه الأيام وتبيّن أنّ الولادة الطبيعية مستعصية، هل سيتمّ اللجوء الى عملية قيصريّة؟ وإذا تبيّن أنّ خيار العملية القيصرية هو السبيل الوحيد للولادة، فما هو شكل هذه العملية وأين ستُجرى ومَن سيُجريها؟

يقول مرجع كبير: «المسألة لا تُقاس بالأيام، بل بالإرادات، فإذا ما توافرت الإرادة السياسية يولد القانون الإنتخابي في دقائق معدودة. لكن وحتى إشعار آخر، سيبقى الكلام عن التقاء الإرادات مجرّد كلام يشبه الشعار البلا رصيد وغير قابل للصرف في الواقع اللبناني، تبعاً لخريطة المواقف والتوجّهات السياسية العميقة التباين، إلّا إذا تمّ الانتقال فعلاً الى ترجمة الأقوال الانتخابية بأفعال إيجابية مجدية.

فضلاً عن أنّ هذه الطبخة لا يتمّ إنضاجها بواسطة طباخين معيّنين من قوى معيّنة ويُستثنى طباخون آخرون من قوى أخرى، بل بشراكة كاملة بين كلّ الطباخين، وللرؤساء والمؤسسات الدستورية وتحديداً الحكومة، الدورُ الأساس في هذه الترجمة، وما خلا ذلك، لا تعويل عليه سواءٌ أكانت مناخات إيجابية أو غير ذلك.

يُقال إنّ هناك مناخاتٍ إيجابية، فيما موقف وليد جنبلاط من القوانين الانتخابية وتمسّكه بقانون «الستين» أو «الستين» معدّلاً على نحو يؤدّي الى «الستين»، لم يشهد أيّ تغيير أو تبدّل يمكن أن يعزّز هذه المناخات الإيجابية. وما زال متّكئاً على دعم قوى أساسية تشدّد على أنها لا تسير بقانون انتخابي لا يرضي جنبلاط.

ويُقال إنّ مشروع نجيب ميقاتي هو الأكثر حضوراً على بساط البحث الإنتخابي، وأفضل ما قد يشكل قاعدة ارتكاز لأيّ بحث انتخابي، يرمي الستين في سلّة التاريخ، ويستبدله بقانون جديد، يقع على مسافة قريبة جداً من اتفاق الطائف.. لكنّ هذا الكلام ما يزال في إطار الكلام حتى يثبت العكس.

ويُقال إنّ تغييراً شاب موقف تيار المستقبل، أي إنه صار أكثر ميلاً للسير بالنسبية، ولكن أيّ نسبية؟ هل هي مختلفة عن النسبية التي تضمّنها مشروعه المشترَك مع القوات اللبنانية والحزب التقدمي الإشتراكي، أم النسبية التي يتضمّنها مشروع ميقاتي؟ ثمّ هل يقبل المستقبل أصلاً بمشروع ميقاتي؟

يُنقل عن مرجع كبير قوله «الغريق يتعلّق بقشة، اسمع عن ايجابيات لكنني لا أرى شيئاً حتى الآن، أتمنّى أن تكون المناخات الإيجابية المحكي عنها مبنيّة على قناعة بأنّ «الستين» هو الداء والنسبية هي الدواء، وبالتالي إنّ الوقت يضغط، وإنّ البلد «داخ» من اللف والدوران».

يكشف المرجع بأنّ نقاشاً جرى بينه وبين مستويات سياسية وحزبية : «قلتُ لهم، يا إخوان أمامنا فرصة، لنعترف أننا أخطأنا بحق البلد بعدم إنتاج قانون انتخابي يلائمه. الآن أمامنا فرصة لكي نصحّح الخطأ والرجوع عن الخطأ فضيلة، ولكنّ هناك مَن هو مصرّ على الخطأ.. بكلّ جدّية وصراحة أقول أنا أريد أن أصدّق المناخات الإيجابية، لكنّ هناك مَن ما زال على «الستين»، وهناك مَن يعتبر «النسبية» جسماً غريباً، وعصيّة على الفهم وأنّ تطبيقها يحتاج الى شروحات لعدة أشهر».

ولكن هل يمكن أن تُترجَم المناخات الإيجابية بقانون جديد قريباً؟

يسارع المرجع الى القول: «يا إخوان نحن في لبنان.. ولطالما يلبس هذا السياسي موقفاً في ساعة ثمّ يسارع الى خلعه في الساعة الثانية، ولطالما سمع اللبنانيون الشيء وعكسه من بعض السياسيين، ولطالم ناموا على شيءٍ واستيقظوا في اليوم التالي على شيءٍ آخر.

في آيّ حال، آمل ألّا تصطدم هذه المناخات بإصرار البعض على رفض الضيغ الانتخابية التي لا تحرم أحداً من التمثيل، وتجعل كلّ اللبنانيين بحاجة الى كلّ اللبنانيين، وتؤدّي الى إعادة التواصل بين اللبنانيين، الذي قضى عليه قانون «الستين» وحصره في نطاق طائفي ومذهبي ومناطقي ضيّق».

تعليقات: