حبيب الشرتوني.. «بطلٌ قتل قاتلاً أم قاتل قتل بطلاً»؟


غداة اقتحام الجيشين السوري واللبناني «بيت الشعب» في 13 تشرين الأول 1990، ولجوء العماد ميشال عون إلى السفارة الفرنسية في مار تقلا، كان «الحزب السوري القومي الاجتماعي» يعلن عن إطلاق سراح حبيب الشرتوني منفّذ عمليّة اغتيال بشير الجميّل من سجن رومية.

اليوم وبعد 26 عاماً، عاد الحدثان إلى الواجهة: عون عاد في الأمس القريب إلى «بيت الشعب»، واسم الشاب «القومي» المتّهم بقتل الجميّل يعود إلى الواجهة مجدداً.

لا رابط بين الحدثين. في الأمس، انعقدت الجلسة الأولى للمجلس العدلي للنظر في قضيّة اغتيال الجميّل و23 آخرين في بيت الكتائب في الأشرفية. الكثير من المحامين والمّدعين جلسوا على المقاعد المخصّصة، فيما جلس الصحافيون مكان المتّهمين!

لا وجود أصلاً للمتهمين: واحد مات (نبيل العلم)، والآخر (الشرتوني) مجهول محلّ الإقامة، منذ فراره من السجن. الصّورة التي يرفعها رفاق الشرتوني تضامناً معه، ما عادت نفسها. في الصورة الشهيرة، كان الشرتوني شاباً نحيلاً وذقنه سوداء. أمّا اليوم، فإنّه يقترب من الستين وبات على الأرجح في عمر الشيب.

لم يحاكم الشرتوني وهو شاب. لم يستمع إلى إفادته في جلسة علنيّة خلال 6 سنوات من توقيفه في روميه، تماماً كنبيل العلم الذي مات في بلدٍ ما. مات الرّجل بمرضٍ عضال بعد أن عاش لأكثر من عشرين عاماً وهو متّهم من دون أن يروي روايته، أو حتّى أن يقول أي شيء. لا يملك الرّجل إفادة، عكس الشرتوني الذي اعترف بفعلته، أو هكذا قيل.

صارت المحاكمة موزعة بين قبر وعنوان رجل مجهول الإقامة وملامح الوجه. المهمّ، أن الصفحات لم تطوَ ولم يغيّر «المؤمنون بالقضيّة» ـ من الفريقين ـ أفكارهم قيد أنملة. لا مراجعات لا من عند من قَتل ولا من عند من يقفون وراء تاريخ القتيل. إنه لبنان بلد الذاكرة المثقوبة. 34 عاماً انقضت على حادثة تفجير مقرّ «الكتائب»، وعقيدة الطرفين تصبح أكثر سورياليّة: بطلٌ قتل قاتلاً أم قاتل قتل بطلاً!

توافد «الجميليون» إلى «العدليّة» في المتحف، ولم يجدوا اي أثر لـ «محبي حبيب الشرتوني» هناك. هؤلاء الذين يتحرّكون عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو بواسطة البيانات الصحافيّة لم تستفزّهم جلسة المحاكمة وتنزلهم الى الشارع. ظهر الشرتوني للمرّة الأولى منذ هروبه من السجن متّهماً حقيقياً، بكلّ ما تعنيه الكلمة من معنى.

لا يعني خروج ظلّ الشرتوني من الأدراج إلى العلن أن هذا هو مصير كل قضايا الاغتيالات السياسيّة التي حصلت إبّان الحرب الأهليّة. ملفات الاغتيالات مكدسة لدى المحققين العدليين ومن دون أن يكون للمدعين فيها «حظوة» المحاكمات العلنيّة.

وقائع الجلسة

نسي المدّعون ولم تنسَ الدولة.. هكذا يمكن توصيف الجلسة الأولى للنظر بقضية بشير الجميل. إذ لم يحضر 13 من المدّعين (ورثة ضحايا التفجير) وتقرّر إبلاغ 5 آخرين لصقاً بسبب تعذّر تبليغهم، فيما تغيّب مدّعون آخرون وحضر عنهم محاموهم وتبيّن أن منهم من توفي.

مسار الجلسة من بدايته حتّى نهايته كان مرسوماً سلفا. الأهم هو انعقاد الجلسة بعد 34 عاماً من حصول التّفجير. لماذا؟

لا أحد يملك الإجابة عن سبب تحرّك القضاء اليوم، وإن كان رئيس «مجلس القضاء الأعلى» القاضي جان فهد حاول أثناء ترؤسه الجلسة، أمس، قول السبب بشكلٍ غير مباشر: «ما أن أحيل الملفّ إلينا حتّى قمنا بتعيين جلسة».

وما أن بدأ فهد بتلاوة أسماء المدّعي الأوّل صولانج الجميّل حتى ازدحمت قاعة المحكمة بالمتحلقين من حول زوجة الرئيس: أكثر من 8 محامين ليكون عددهم أكبر من باقي المحامين عن المدعين الآخرين مجتمعين والذين يبلغ عددهم 23!

سرعان ما طلب نديم بشير الجميّل وشقيقته يمنى تصحيح الخصومة كي يكونا أيضاً من بين المدّعين ضد الشرتوني والعلم!

هكذا انتهت الجلسة التي انعقدت لأقلّ من نصف ساعة في قصر العدل، حيث قرّر «العدلي» (وتطابق القرار مع رأي ممثل النيابة العامة القاضي بلال وزنه) تسطير مذكّرة إلى المديريّة العامّة للأحوال الشخصيّة عبر النيابة العامة التمييزية للإفادة عمّا إذا كان فعلاً قد شطب قيد نبيل العلم بالوفاة وضمّ صورة طبق الأصل من وثيقة الوفاة إلى الإفادة، بعدما تحدّثت وسائل الإعلام عن وفاته.

كما قرّر تسطير مذكرة الى المديرية العامة للأمن العام لإجراء تحقيق بهذا الخصوص على سبيل الحيطة.

أما بشأن حبيب الشرتوني، وبعد أخذ ورد من قبل رئاسة المجلس والمحامين، طلب القاضي وزنه تسطير قرار مهل بحق الشرتوني كونه يعتبر فاراً من وجه العدالة، فيما اعترض محامو الجميّل الذين طالبوا بإصدار مذكرة إلقاء القبض بحقه.

وقد رفض جان فهد طلب محامي عائلة الجميل، فأكّد «أننا نطبق القانون والأصول الخاصة بالمتهم الفار»، موضحاً أنّ الأمر يفترض أن يمر بمرحلتين الأولى تعيين جلسة ثم إصدار مهل بحق المتهم أي دعوته لتسليم نفسه إلى المحكمة خلال مهلة 24 ساعة، ومن ثمّ إصدار مذكّرة إلقاء قبض.

وكان اللافت للانتباه إصرار المحامين على محاولة تأخير الجلسة التي عيّنها فهد في بداية الأمر في كانون الأول المقبل، قبل أن ينزل عند طلب المحامين مشيراً إلى «أنني بدي إركض فيها»، محدّداً موعد الجلسة المقبلة في 3 آذار المقبل.

* نشر هذا المقال في جريدة السفير بتاريخ 2016-11-26



تعليقات: