قطع عشرات أشجار السنديان والملول يومياً

يحضر «وجبة» حطب للمدفئة
يحضر «وجبة» حطب للمدفئة


الصقيع يغزو المناطق في ظل ضياع المسؤوليات واستفحال الأزمة المعيشية

عائلات تسهر معاً مداورة لتوفير كلفة التدفئة في حاصبيا ـ العرقوب

حاصبيا :

«ليت طقس لبنان يتبدل ونبقى تحت تأثير الصيف ولهيبه علّنا نتجنب هم وقود الصقيع»، هذا ما ينشده المواطن ابو نادر حسن سويد العاجز عن تأمين مؤونة الشتاء من مازوت اوحطب في ظل ارتفاع اسعارهما. ويشارك علي دقماق جاره الرأي ليقول: (يمكننا فعلا تأجيل شراء الدواء لطفل في الشهر السابع، لكن من المستحيل البقاء دون مازوت في الشتاء». من جهتها تدلو ربة المنزل علياء خليل بدلوها» ربما توازى اليوم المازوت مع الخبز والمياه»، لتسأل هل للعائلة ان تعيش دون مأكل او مشرب؟ وهل يريدون لنا الموت أمام جنرال الشتاء فقوت النار مازوتا او حطبا فمن اين ندفع ثمنها».

يحار المواطن الحدودي الجنوبي في المناطق الجبلية الباردة في إيجاد الأجوبة الناجعة لهواجسه. الحديث عن المازوت وارتفاع أسعاره وكيفية تأمينه تجاوز كل استحقاقات البلد الضاغطة. أضحت مواجهة الصقيع هي الهم الرئيسي في هذه الفترة، من 28 الفاً إلى 29 ألف ليرة لبنانية تسعيرة صفيحة المازوت الرسمية. وارتفع سعر المهربة عبر المعابر غير الشرعية من سوريا إلى لبنان ليلامس الـ 27 ألف ليرة، علما ان هذا السعر يرتفع مع ارتفاع التسعيرة الرسمية اللبنانية.

لا تجد منازل حاصبيا والعرقوب أمامها سوى المواقد في فصل الشتاء، صارت ثلوج كانون على أبواب الدور في شبعا وكفرشوبا والقرى الواقعة عند سفوح جبل الشيخ. تتفاوت حاجة العائلات للمازوت هنا بين بلدة وأخرى أو بين منزل وآخر. تتراوح الكمية بين سبعة إلى 15 برميلاً في الموسم تبعاً لعدد الغرف، ومدى اكتفاء رب المنزل كما يقول حسن الحاج: «هذا العام كل قطرة مازوت لها حساب فهي تشابه عصرة قلب اهل البيت، سوف نلجأ الى التقنين ان تمكنا من ذلك لكن كيف، فالبرد سبب كل علة». للمطبخ موقد ولغرفة الدرس موقد آخر، و»سنكسر سم البرد في غرف النوم باستعمال بطانيات الإعاشة التي وزعت في حرب تموز من العام الماضي»، يضيف الحاج.

هناك هروب واضح في حاصبيا والعرقوب من مادة المازوت الى الحطب فسعره ارخص، وحاجة المنزل تقتصر على طنيّن من الوقود تكلفتهما بحدود الـ 700 ألف ليرة لبنانية، في حين يتعدى ثمن المازوت ضعفي هذه القيمة، كما يشير علي خطار صاحب محطة محروقات. ويرى خطاّر أن الإقبال على شراء المازوت هذا العام ضئيل جدا حتى الآن، فالمواطن هنا كان يبدأ بتخزين المازوت ابتداء من شهر ايلول، لكن الوضع تبدل هذا العام. «هناك هجمة شرسة وغير مسبوقة على الأحراج»، يقول وجيه ملحم، مؤكداً أن عشرات أشجار الملول والسنديان تقطع يوميا، «إنها جريمة بحق الثروة الحرجية متواصلة منذ اكثر من ثلاثة اشهر، دون ان تعمل الأجهزة المعنية خاصة قوى الأمن الداخلي ووزارة الزراعة على المراقبة والمطاردة حيث لم يسجل محضر مخالفة واحد بحق أي إنسان».

يعيد البعض التغاضي الأمني إلى الأوضاع الاقتصادية الخانقة التي تمر بها المنطقة حيث ما يزال أهم مواسمها الزراعية خاصة، الزيت، مكدساً في الخوابي. ويقول مختار عين جرفا سالم غازية «ما سلم من حرائق الخريف قضت عليه المناشير، وكأنه لا تكفي التهام نيران تشرين لحوالى مئتي دونم تحوي ما يقارب الأربعة ملايين شجرة غالبيتها من السنديان والملول والشوح».

يعتبر مختار حاصبيا أمين زويهد مشكلة التدفئة من اشد الأزمات التي تواجه الناس في منازلهم والطلاب في مدارسهم: (صدقوني هناك عائلات لا يمكنها دفع ليرة ثمن مازوت وهي تناشد الخيّرين مد يد المساعدة، سنسعى لتأمين القليل من اصحاب النخوة او من بعض المؤسسات والبلديات»، يضيف زويهد. يلجأ بعض الأهالي إلى خلط المازوت بالزيت المحروق و»العديد من العائلات شكلت فيما بينها تجمعات لمواجهة الصقيع من خلال تبادل السهرات والقيلولة بشكل دوري لتقنين فترة اشعال المواقد». يتوجه المختار «إلى القوات الدولية لنطالبها بتخصيص ميزانية للمازوت توزع على المدارس وعلى العائلات الأكثر حاجة». تقول أم محمد عليا القادري نتوقع هذا العام تفشياً غير عادي للأمراض التي يسببها عادة البرد، فالمثل الدارج في قرانا يقول (دفي عفي شفي طاب، برد دنق صقع مات»، ونأمل ألا نصل إلى هذا الوضع فيكفينا هنا في المناطق الحدودية ما واجهنا من مآس».

يشير رئيس بلدية شبعا عمر الزهيري إلى أن بلديته ككل سنة في مثل هذه الفترة، تخصص ميزانية لشراء كمية تتجاوز عشرة آلاف ليتر من المازوت توزع كمساعدة على المدارس الرسمية، والعائلات الفقيرة لمواجهة صقيع الشتاء.

تعليقات: