الحاج علي محمد خازم أكبر معمر في صيدا وعمره 107 سنوات

الحاج علي محمد خازم حاملاً بطاقة هويته
الحاج علي محمد خازم حاملاً بطاقة هويته


عاش الألفية الثانية بكاملها·· ويدخل الثالثة بذاكرة "حديدية"

يعتز بقدرته على المشي وتذكر الأحداث وتلاوة القرآن ومقابلة محمد علي كلاي

صيدا - يدخل الحاج علي محمد خازم عامه الثامن بعد المئة، خاتماً قرناً كاملاً من الزمن في الألفية الثانية، وبادئاً قرناً ثانياً من الألفية الثالثة، ليكون أكبر معمر يقيم في مدينة صيدا·· فهو من مواليد عدلون (قضاء صيدا) في العام 1900 بالتمام والكمال، وفقاً لما دُوِّنَ في بطاقة هويته الصادرة في العام 1964، والتي ما يزال يحتفظ بها كتذكار، رغم إصفرار أوراقها، وحتى إصابتها بالتلف والإهتراء·· لدى الخازم 11 ولداً، توفيت زوجته زهوات الجوهر منذ بضع سنوات، وكذلك كريمتاهما "ورادي وكلثوم"، وما زال لديه أحياء "أحمد، محمد، صباح، عدنان، نبيل، حسن، محسن، فاطمة وهناء" وعشرات الأحفاد·· "لـواء صيدا والجنوب" يتوقف مع الخازم الذي بلغ من العمر عتياً، ولكنه يتمتع بذاكرة "حديدية"، لم ينسَ شيئاً في تاريخ حياته التي يصفها بأنها "مضت كالحلم رغم طول سنواتها"· ولادة·· ورفاهية ولد الخازم في العام 1900، وعاش سنوات طويلة من الرفاهية، اذ ورث عن والده الحاج محمد الخازم الكثير من الأرزاق والبساتين في ساحل الزهراني، وتحديداً في عدلون - مسقط رأسه، حيث كان وحيداً بين شقيقاته الأربع و"دلوع" العائلة، التي اشتهرت بالعمر المديد· وهو يقطن اليوم في شقة فخمة في منطقة الدكتور غسان حمود قرب إشارة صيدا، وتعيش معه كريمته صباح، التي تقوم برعايته والإهتمام به في كل كبيرة وصغيرة· يروي الحاج علي سيرة حياته بصوت متهدج، فيقول: عاش والدي محمد خازم 118 عاماً، ووالدتي الحاجة فاطمة متيرك 95 عاماً، وجدي قبلها 110 أعوام، كنا صغاراً نعمل في البساتين، ونملك المواشي والأبقار وحتى الخيل، فكونت مالاً كثيراً وما زلت أعيش من خيره حتى الآن· ويعتز "أبو أحمد" بأنه ما زال قادراً على المشي والحركة بمفرده، وتذكر الأحداث، وأداء فروض الطاعة وتلاوة القرآن الكريم، ويؤكد "لم أعرف المرض في حياتي، ما زلت قوياً، ولم يؤثر فيَّ طول العمر حتى الآن كما حال الكثير من المعمرين"· بيد أن الخازم يعترف بأن نمط العيش تغير بين الأمس واليوم، يقول: كل شيء تغير حتى الطعام والشراب، كنا نأكل الطبيعي، أما اليوم فهو اصطناعي، لا فائدة منه، ولا طعم له، ولا حتى بركة، لذلك يمرض الناس ويعجزون باكراً· العمر·· وديعة ويقتنع الخازم بقول مأثور للإمام علي (كرم الله وجهه) في وصفه لحياة الإنسان ويردده دوماً "إبن عشر غلام، وعشرين الصبا والتصابي، وثلاثين همة وشباب وهيام وغرام، وأربعين هيبة وكمال وتمام، وخمسين مر عن صباه، وستين سيرة الليالي، وسبعين كأنه أحلام، وثمانين بلغ الغاية التي لا ترام، وتسعين أقعدته الليالي واعترته وساوس وسقام، فإذا زاد عشرة - أي بلغ المئة فهو حي كميت وعليه السلام"· لكنه يستدرك ويقول باسماً: لكنني ما زلت حياً، وأملك من الطاقة والقوة ما يجعلني أواجه بهما بقية حياتي بصبر وعزم لا يلين، فالسنوات لم تحرمني متعة الدنيا وطاعة الرحمن معاً··· وها أنا أمامكم أروي تاريخ حياتي كأنني أعيشه الآن· ويشير "أبو أحمد" الى "أن العمر وديعة، الله أعطى والله أخذ، وليست له علاقة بالأكل والشراب"·· غير انه يوضح "كنت في شبابي آكل العسل والسمن، حتى انني آكل في العام نحو 20 كلغ من العسل الطبيعي، وربما ساعدني ذلك في صحتي وهمتي بعيداً عن العجز في الكبر"·· نافياً "أن يكون قد مارس "حمية" أو "رياضة" كوسيلة للمزيد من العيش"، ويوضح "أكلي وشرابي كان عادياً، ورياضتي كانت أثناء العمل والعرق فقط"· وكثيراً ما تحلّق حول الخازم جيران الحي، وهو يجلس أمام المبنى الذي يقطنه وعند بعض الأصدقاء من أصحاب المحال التجارية الذين تعرّف إليهم، يقص عليهم حكايات عمره ليأخذوا منها العبر والموعظة، ويؤكد "أن محبة الناس رصيد لا يفنى ولا يموت، هي ذكرى خالدة وأبقى من المال"· ويقول: إن الفرحة الكبرى التي أعيشها هي لحظة اجتماع عائلتي بالكامل، فمن النادر أن يحصل ذلك - أي نلتقي سوياً: الأولاد والأحفاد معاً، بعضهم مسافر، والبعض الآخر متزوج ولديه إلتزامات، والحاضر الدائم معنا في تلك اللقاءات الوالدة فاطمة متيرك، التي كانت تخصني في كل شيء، وكذلك الزوجة زهوات التي قاسمتني الحياة ردحاً طويلاً بحلوها ومرها - هي شريكة العمر ولا أنساها أبداً· ذكريات··· وروايات عايش الخازم في حياته جميع الحروب التي شهدتها المنطقة، من الحرب العالمية الأولى والثانية وما بينهما من ثورات عربية، وصولاً إلى نكبة فلسطين في العام 1948 وإستقلال لبنان وقيام الدولة· ويستعيد شريط ذكرياته فيقول: كنت فتى حين وقعت الحرب العالمية الأولى، وقد عشنا سنوات طويلة من القحط والبؤس والفقر، لم تتكرر حتى اليوم في عز الأزمة·· وأجمل حدث شهدته في حياتي كان "إستقلال لبنان" من الإنتداب الفرنسي في 22 تشرين الثاني من العام 1943، لقد شعر المرء أنه يعيش في دولة وله كيان تحترمه دول العالم· ويروي إحدى حكاياته حين قارع جنود فرنسا في لبنان الإنكليز، "حضرت فرقة من الفرنسيين الى عدلون وتعرضت لقصف شديد من الإسطول البحري، احتموا في بيوت البلدة، وقدمنا لهم الطعام والشراب"·· ليتذكر بالمقابل بطولات أبناء الجنوب وهم يتصدون للإنتداب الفرنسي نفسه، ويطالبون بالحرية والإستقلال، ويقول: أدهم خنجر أحد أشهر المقاومين الجنوبيين الذي طارده جنود الإنتداب، كان بطلاً بكل ما للكلمة من معنى، وقد عشت أيام نضاله حين دارت مواجهة بينه وبينهم، إختبأ في حقل بلدة عدلون، ثم جلس في "خروبة" في حرج قبالة جسر القاسمية القديم، تبادل النار معهم وقَتَلَ منهم قبل أن يلوذ بالفرار إلى سلطان باشا الأطرش، ثم يُشنق· ويضيف: لقد عاصرت الإحتلالات الإسرائيلية كافة، من الإجتياح الأول في آذار من العام 1978، الى حزيران من العام 1982، وكان هذا الأخطر والأكثر دموية ومجازر، إلى عدواني تموز 1993 ونيسان 1996، ولكن في نهاية المطاف انتصرت المقاومة بفضل تضحياتها ودماء مقاوميها، لتحقيق أول انتصار عربي ضد "اسرائيل" في أيار من العام 2000، ثم عدوان تموز 2006 · خلاصة الحياة وقال: كل عام أذهب الى أميركا، فلدي إقامة دائمة، ويريد الأمن العام أن يتأكد أنني ما زلت حياً·· وقد قابلت الملاكم المشهور محمد علي كلاي في العام 2000، حين كان يقام له حفل استقبال، ذهبت مع ولدي حسن، كان الناس ينتظرون دورهم بالصف، ويدفعون ثمن تذكرة الدخول 50 دولاراً، إقتحمت المكان ودخلت إليه عكس السير، وخاطبته إنني من لبنان وجئت لرؤيتك، فأوعز الى حراسة بالسماح لي بالدخول، صافحته، وتمنيت عليه أن يزور لبنان، ويرى كم الشعب يحبه، وأبلغته أن عمري مئة عام، وبعد أيام أرسل لي صورة ما زلت أحتفظ بها حتى اليوم· ويضيف "أبو أحمد"، وهو يقف أمام صورة له بالأبيض والأسود في عز شبابه علقها في صدر صالون منزله، طرافة أثناء سفره الى أميركا فيقول: ذهبت الى صالون حلاقة مع ولدي حسن وحفيدي، جلست أنتظر دوري، سألت إحدى الفتيات من سيقص شعره؟ فأجابها ولدي: هذا الحاج - وهو يشير إلي، فقالت له: كم عمره خمسين أو ستين سنة؟ وصدمت حين أبلغها أن عمري مئة، فإحترمتني أكثر، موضحاً "أن الكبير عندهم يحترم عكس هنا، يؤمنون له الطبابة والضمان الإجتماعي، ومعاش نهاية الخدمة، أما هنا فيريدون الضرائب فقط، فلا قيمة لحياة الإنسان وكرامته"· ويختم الحاج علي خازم حديثه بالقول: بعد كل هذا العمر أشعر كأنني مررت على الدنيا مرور الكرام، ولا يبقى إلا العمل الصالح، وأمنيتي أن تبقى لي ذكرى خالدة وعملاً صالحاً لا يموت أبداً مثل الإنسان·

تعليقات: