سمسمية البردوني تركع أضخم شخصية..

منذ 50 عاماً يبدأ سلامة يومه عند الخامسة فجراً (لوسي بارسخيان)
منذ 50 عاماً يبدأ سلامة يومه عند الخامسة فجراً (لوسي بارسخيان)


أيام قليلة وتعود عربة السمسمية إلى منطقة مقاهي البردوني في زحلة، إيذاناً ببدء موسم سياحي تنتظره سنوياً عائلة رشيد سلامة بفارغ الصبر منذ نحو 50 عاماً، بحيث أصبحت وجوه أفراد العائلة جزءاً من حلاوة "البردوني"، الذي سكب إسمه على ما أنتجته أيديهم، ليعرف على مر السنوات بـ"سمسمية البردوني".

العائلة المتفرغة لصناعة السمسمية لا تتقن غيرها، منذ ورث الجد عبدالله سرها من والده نقولا، ونقلها بدوره إلى نجليه داود ورشيد، الذي صمد وحده في المهنة، مبتكراً طريقة عرضها في عربة حصل عليها من ابن عمه جوزف بعدما غادر البلاد. وهي العربة نفسها التي حافظ عليها ابنه سلامة، بما فيها من ميزان الحديد التراثي، وسكين المنشار وخشبة التقطيع، التي تقول زوجته أرزة إن "لا قيمة لسمسمية البردوني من دونها". لكنه، مع ذلك، استبدل أواني الحديد بالستانلس الأكثر تطابقاً مع مطلبات السلامة الغذائية، وأضاف إليها واجهة زجاجية، وألحقها ببراد، مزيلاً اياها بشعار الكرمة رمز زحلة.

العربة الغنية بالقرمش، السمسمية، والفستقية منذ أيام رشيد سلامة، أضاف إليها نجله الوحيد سلامة أنواعاً أخرى من القلوبات، مثل المعلل والبندق والفستق الحلبي والجوز والكاجو والنوغا، من دون أن تخسر حرفية انتاجها أو "تراثية" عرضها وسمعتها.

على مدخل الوادي، يمكن الالتقاء بسلامة ووالدته آمال وزوجته أرزة. من داخل بيتهم الملاصق له، يخرجون "قوالب القلوبات المطبوخة بالقطر"، ويعرضونها في عربة ثانية اشتراها سلامة من "صديق كار" تقاعد من عمله منذ العام 2009. فبات لعائلة سلامة عربتين. الأقدم بينهما تعود إلى والده رشيد وقد خصصت للموسم السياحي. والثانية، ترابض في كل المواسم قرب البردوني، سعياً وراء رزق دائم للعائلة التي دوزنت نمط حياتها ونفقاتها على ضعف وتيرة تصريف الإنتاج في فصل الشتاء، بإنتظار أن يغدق عليها موسم الاصطياف أموال المغتربين والسياح الخليجيين، الذين يقول سلامة إنهم يشترون إنتاج "العربة" بكميات كبيرة ويحملونه هدايا من زحلة إلى مختلف أنحاء العالم.

عند التحدث مع آمال، التي تعلمت "سر الطبخة" من زوجها قبل وفاته منذ 25 سنة، تخرج من بين ذكرياتها مقالاً نشر في مجلة قديمة يظهر فيها رشيد في "أيام العز في البردوني قبل العام 1974". حينها، كما تقول، كان رشيد يوزع نشاطه التجاري بين الوادي ومرفأ بيروت. و"كانت أضخم شخصية تركع أمام عربة السمسمية، التي زودت بتصريح يسمح لها باعتلاء الباخرة".

وتروي آمال أنه قبل أيام توقف عند العربة شخص تذكّر من طعم السمسمية ذلك الرجل، رشيد، الذي كان يبيعها على البور، قبل 40 سنة. أخبرته آمال بأنه زوجها، وعرفته على ابنه سلامة، الذي تعلم منهما الطبخة وشكل لاحقاً فريق عمل من والدته وزوجته. فطوّر المهنة وجعل إسم العائلة "ماركة"، وفتح لها الأبواب على المعارض والمناسبات والمهرجانات.

يوم العائلة الطويل

يبدأ سلامة يومه عند الخامسة فجراً. تساعده آمال وأرزة في تحضير القلوبات وتحميضها وطبخها، قبل أن يجهزها في قوالب تعرض في العربة، التي يلازمها مع زوجته حتى ما بعد منتصف الليل. وكل يوم تتكرر الوتيرة نفسها. هو شقاء، تقول أرزة، رغم "طعمه الحلو". لذا لا تفكر العائلة بتوريث المهنة إلى جيل جديد، إلا إذا رغب أبناء هذا الجيل في الحفاظ على ارث "عربة السمسمية" والبردوني.

* المصدر: المدن



تعليقات: